إعمار غزة..
التحدي الأهم لحكومة التوافق
بقلم: نبيل
السهلي
بعد الدمار
الكبير الذي ألحقته الآلة العسكرية الإسرائيلية بكافة مناحي الحياة إبان العدوان
على غزة، وكذلك التكلفة الاقتصادية الباهظة التي لحقت بكافة القطاعات الاقتصادية،
برزت أسئلة بشأن أهمية وضرورة تهيئة الظروف المناسبة لإعادة إعمار غزة، وقد يكون
ذلك بمثابة التحدي الأهم الذي تواجهه حكومة التوافق الفلسطينية.
وفي هذا
السياق، أكدت دراسات أن قيمة الخسائر الناتجة عن العدوان والحصار كبيرة للغاية،
حيث وصلت قيمة الخسائر المتراكمة التي خلفها العدوان أكثر من ثلاثة مليارات دولار
على الأقل، بينما ستكون تكلفة إعادة الإعمار أكثر بكثير من الخسائر.
شروط إعادة
الإعمار
يجمع خبراء
اقتصاد ومختصون على أن سنوات الحصار السبع أدت إلى توقف 75% من الشركات والمصانع
في قطاع غزة، لذا فإن إعادة إنعاش الاقتصاد تحتاج لتكاليف باهظة جدا.
ولهذا، فإن
إنجاح عملية الإعمار يعتمد بالدرجة الأولى على فك الحصار وفتح المعابر بصورة
كاملة، وبشكل خاص معبر رفح، وإدخال جميع السلع والمعدات والطاقة اللازمة للإعمار،
وقد يكون من باب أولى إنشاء هيئة إدارية فلسطينية قوية لإدارة هذه العملية، إضافة
إلى توفير الأموال الكافية لذلك، وفي حال توفر هذه الشروط سيتم إنجاز عملية
الإعمار في مدة خمسة أعوام، لكن إذا غاب أحد هذه الشروط ستتأخر العملية.
وحول أولوية
إعادة إعمار غزة، أشار وزير العمل مأمون أبو شهلا في تصريحات صحفية إلى أن العدوان
على قطاع غزة غيّر أولويات الحكومة التي كانت تستعد للعمل على إنهاء آثار الانقسام
والتحضير للانتخابات التشريعية، حيث إن تدمير المنشآت زاد مسؤولياتها.
وقال "إن
الحكومة شكلت لجنة من سبعة وزراء لإغاثة القطاع بشكل سريع، حيث قدمت مبلغ ثلاثمائة
شيكل لعشرة آلاف مواطن، إلا أن العدد تضاعف حتى وصل إلى أكثر من أربعمائة ألف
مواطن نازح، أصبحوا بحاجة لمساعدات عاجلة".
بشكل عام،
يتركز الحديث بعد أن استهدفت آلة القتل الإسرائيلية كافة مناحي الحياة على إعادة
إعمار غزة وإيواء المشردين، فضلا عن تأهيل البنية التحتية وإعادة بناء المرافق
العامة والحكومية. وفوق ذلك، فإن التحدي الأبرز هو تهيئة الظروف المناسبة من أجل
استكمال العام الدراسي الجديد وبوتيرة جيدة، خاصة بعد تدمير عشرات المدارس بشكل
كلي أو جزئي، ناهيك عن إيواء عشرات آلاف النازحين في عدد كبير من المدارس.
واللافت أن
عملية التدمير كانت واسعة للمنازل أيضا، حيث أشارت إحصائية شبه نهائية إلى أن
مجموع المنازل المهدمة وصل إلى 16002 منزلا، منها 2358 منزلا دمرت بشكل كلي، و13644
بصورة جزئية، وهي بذلك تحتاج إلى عملية ترميم ممنهجة، إضافة إلى آلاف المنازل التي
لحقت بها أضرار بسيطة، في ما بلغ عدد المساجد المستهدفة 169 مسجدا، دُمّر منها 61
بشكل كلي، هذا فضلا عن أربعة أبراج سكنية كبيرة، وهو عدد فاق خسائر الحربين
الماضيتين على غزة عامي 2008 و2012. ويؤكد متابعون أن أكثر الأحياء التي دُمرت كان
حي "المنصورة" في الشجاعية، فقد هدمت فيه مئات المنازل، وأكد أهالي الحي
أن معالمه كلها تغيرت، لدرجة أن أهله تعرفوا على بيوتهم بصعوبة بالغة جدا.
تقدير الخسائر
بعد أن وضعت
الحرب أوزارها، قدرت تقارير دولية الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي
لحقت بقطاع غزة بنحو ثلاثة مليارات و460 مليون دولار، نتيجة استهداف 324 مصلحة
تجارية وصناعية، فضلا عن الاستهداف المباشر للمنازل السكنية.
وقد دفعت تلك
السياسة الإسرائيلية في التدمير والقتل عددا كبيرا من سكان غزة للبقاء في مناطق
النزوح التي لجؤوا إليها، علما أن عددهم وصل إلى نحو نصف مليون (462.090)،
أغلبيتهم توزعوا على تسعين ملجأ تابعا للأمم المتحدة، وهم بذلك يمثلون نحو 27% من
سكان القطاع في عام 2014.
وثمة مخاطر
جسيمة لحقت بقطاع التعليم في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير، حيث قدّر
فريق هندسي في المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار (بكدار) حجم الخسائر
في قطاع التعليم العام الحكومي والعالي جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
بأكثر من 22 مليون دولار أميركي.
جاء ذلك في
تقرير أعدته لجنة متابعة وحصر الدمار المكونة من مهندسي "بكدار" في فرع
غزة، حيث قدرت خسائر حصة المدارس الحكومية بنحو 12 مليون دولار أميركي، والجامعات
بعشرة ملايين دولار أميركي.
وقال مدير
الفرع محمد النجار "إن الدمار شمل 142 مدرسة حكومية، منها 23 تضررت بشكل
بالغ، حيث لم تعد صالحة للاستخدام خلال العام الدراسي الحالي 2014-2015، مقدرا
تكلفة إعادة إعمارها بثمانية ملايين دولار أميركي"، مشيرا في الوقت نفسه إلى
أن حوالي 119 مدرسة أخرى تضررت بشكل جزئي، حيث يمكن استخدامها خلال هذا العام
الدراسي في حال تم ترميمها في أسرع وقت ممكن، مقدرا قيمة إعادة إعمارها بنحو أربعة
ملايين دولار أميركي.
وجاء في
التقرير أن خسائر قطاع التعليم العالي تصل إلى حوالي عشرة ملايين دولار، وتتوزع
بين ثلاث جامعات، وهي: جامعة الأزهر التي تضررت ثلاثة أبنية تابعة لها -أحدها بشكل
كامل-وقدرت خسائرها بثلاثة ملايين دولار أميركي، والجامعة الإسلامية التي تضرر
فيها مبنيان اثنان بتكلفة تقدر بـ4.5 ملايين دولار، والكلية الجامعية للعلوم
التطبيقية التي تم تدمير بعض قاعات الدراسة فيها، والمختبرات العلمية والمكتبة
المركزية، ومركز الحاسوب، ومولدات الكهرباء، وقُدرت قيمة أضرارها بنحو ثلاثة ملايين
دولار.
وحذّر من العجز
الذي ستواجهه المدارس الحكومية حال بدء العام الدراسي في استيعاب الطلبة ممن دُمرت
مدارسهم، والذين يقدرون بـ 25 ألف طالب، لافتا إلى معاناة مدارس القطاع أصلا من
الاكتظاظ واعتمادها على نظام الفترتين الدراسيتين كحل لنقص المدارس نتيجة للحصار.
ويوصي التقرير
باستحداث فترة جديدة ليصبح التدريس على ثلاث فترات (صباحا وظهرا ومساء) كحل مؤقت
لاستيعاب من دُمرت مدارسهم، ولإيجاد حل دائم يشدد على ضرورة إدخال جميع مواد
البناء اللازمة حتى يتم إصلاح المدارس التي دمرت جزئيا بشكل بالغ أو بسيط، ولبناء
مدارس جديدة لاستيعاب النمو السكاني الطبيعي في القطاع.
ويوضح أنه
نتيجة دمار بعض الكليات في الجامعات، سيحرم مئات الطلبة من استكمال تعليمهم العالي
بشكل طبيعي، خاصة طلبة الكليات التي دُمرت بشكل كامل ككلية الزراعة بجامعة الأزهر،
مشيرا إلى أهمية الإسراع في مباشرة إعادة الإعمار وإدخال مواد البناء إلى قطاع
غزة، لمواجهة العقبات التي سببها العدوان لقطاع التعليم.
سبل إعادة
الإعمار
بعد التقديرات
المختلفة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بات من الضروري تبني خطاب موحد لكافة
فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، لجهة أولوية إعادة إعمار قطاع غزة، وهذا
يتطلب تركيز الجهود لإنجاح عمل حكومة الوفاق الفلسطينية التي كانت أولى ثمار إنهاء
الانقسام الفلسطيني، حيث أعلن بعض وزرائها أنها باشرت رصد الخسائر ومستعدة لإعادة
الإعمار، كما أكدوا أن الحكومة ستعمل جاهدة على تعويض جزء من أصحاب المنازل مع خيم
ومنازل مؤقتة حتى إنهاء معاناتهم بشكل سريع.
ولدعم تلك
التوجهات في إعادة إعمار قطاع غزة، لا بد من تهيئة الظروف لرصد المبالغ الكافية
والتي تقدر بنحو 8.5 مليارات دولار كحد أدنى حسب تقديرات خبراء الاقتصاد، ويمكن
الاعتماد في ذلك على مساعدات الدول العربية وصناديق التمويل العربية وعددها ستة
صناديق، أهمها صندوق النقد العربي، ناهيك عن المساعدات الدولية التي تعهدت بها بعض
دول العالم التي أدانت العدوان وطالبت بمقاطعة إسرائيل وتجريم قادتها.
وقد عززت
تعهدات الدول المانحة في مؤتمر إعادة إعمار غزة الأحد الماضي -التي وصلت إلى 5.4
مليارات دولار- سبل تسريع البدء في إعادة ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، لكن
الأهم من ذلك أن تحذو الدول العربية حذو دولة قطر التي تعهدت بمساعدة قدرها مليار
دولار لإعادة إعمار غزة، حتى لا يبقى الفلسطينيون عرضة للاشتراطات السياسية من قبل
الدول الغربية المانحة.
المصدر: الجزيرة
نت