إلى أين توّجه فلسطينيو سورية؟
بقلم: علاء البرغوثي
نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني كانوا يعيشون في سورية
موزعين على اثني عشر مخيماً فلسطينياً في كل من دمشق وريفها، وحلب، ودرعا، وحماة، وحمص
واللاذقية، ومعظمها من المدن الملتهبة والتي تعرضت لعمليات عسكرية واسعة، من قصف وحصار
وحملات اعتقال واقتحامات متكررة.
ظروف معيشة قاسية عانى منها الفلسطينيون في مخيماتهم،
حيث قدموا أكثر من 1400 شهيد فلسطيني، وأعداداً كبيرة من المعتقلين والجرحى والمفقودين
والمخطوفين، حياة مليئة بالحزن أجبرتهم على ترك مخيماتهم، لكن إلى أين؟
النزوح إلى أماكن أكثر أمناً داخل المدن السورية
كان خيار السواد الأعظم منهم، وذلك لعدم المقدرة على السفر إلى بلدان أخرى أكثر أماناً،
حيث لجأ سكان المخيمات في دمشق وريفها إلى الأرياف التي تعد أكثر استقراراً من المخيمات،
كما توجهوا إلى بعض الأحياء داخل العاصمة والتي ما تزال آمنة نوعاً ما. في حين توجه
عدد كبير من أهالي مخيم درعا إلى دمشق وريفها أيضاً، وشهد مخيم حمص موجات من النزوح
إلى المدن المجاورة وذلك بسبب العمليات العسكرية الكبيرة التي وقعت في المدينة، أما
مخيم حندرات والذي أصبح خالياً إلا من عدد قليل ممن فضّل مأساة البقاء على مرارة النزوح
خارج المخيم، كما لا يزال مخيم النيرب محاصراً حيث توزع النازحون منه على المناطق المجاورة،
أما مخيم الرمل والذي شهد اضطرابات كبيرة في بداية الأحداث في سورية فقد استقبل عدداً
من اللاجئين لأنه ومخيم خان دنون في ريف دمشق يعتبر من أهدىء المخيمات الفلسطينية في
سورية، وكذلك الأمر بالنسبة لمخيم حماة الذي يعتبر آمناً بشكل نسبي.
أما قرار السفر إلى خارج سورية فقد كان لبنان من
أهم الوجهات التي قصدها اللاجئون الفلسطينيون في سورية، حيث يعد لبنان من الدول الوحيدة
التي تسمح لهم بدخول أراضيها براً بإجراءات قليلة التعقيد، فاستقبلت المخيمات الفلسطينية
في لبنان القسم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين السوريين، لكن مع ارتفاع الأسعار وغلاء
المعيشية بدأت حياة فلسطينيي سورية بدخول أزمة جديدة هناك حيث أن الكثير منهم أجبر
على السكن في خيام مشابهة للخيام التي سكنها أهلوهم بُعيد النكبة.
وفي الأردن قصة معاناة أشد مرارة، حيث أجبر الكثير
من أهالي مخيم درعا على الهرب إلى الحدود الأردنية جنوباً بسبب تقطع الطرق مع العاصمة
دمشق، وارتفاع حدة الأعمال العسكرية شمالي المخيم، لكن المشكلة هي أن الأردن تمنع دخول
الفلسطينيين من حملة الوثائق السورية منعاً باتاً، حيث لم يستطع الدخول إلى الأردن
إلا حوالي 140 لاجئاً تم احتجازهم في مبنى سايبر ستي المعروف بسوء خدماته الصحية والمعيشية،
إلا أن اللاجئين الفلسطينيين الذين عانوا الأمرين في مخيمهم بدرعا اضطروا إلى تزوير
أوراق رسمية تظهر أنهم سوريون حتى يتمكنوا من دخول المخيمات السورية في الأردن، حيث
تقدر الأونروا عددهم بحوالي السبعة آلاف.
وللفلسطينيين بمصر قصة معاناة أخرى حيث تشير احصائيات
غير رسمية بوصول عددهم إلى حوالي العشرة آلاف فلسطيني سوري، حيث دخلت مصر خلال الأحداث
حوالي 1400 عائلة فلسطينية سورية، جميعها لم تسجل كعائلات لاجئة حيث دخلت تحت مسمى
السياحة، فقد تساهلت مصر نوعاً ما مع دخولهم إلى أراضيها، لكنها حصرت دخولهم من المطارات
السورية فقط، وذلك الأمر يعرض حياة اللاجئين للخطر بسبب الأعمال العسكرية والاشتباكات
المستمرة التي تدور على طرق المطارات وخاصة مطار دمشق الدولي.
أما ليبيا فقد كانت خياراً أيضاً، لكن مع إغلاق
الحدود بوجه العديد من الفلسطينيين السوريين الذين قصدوا مصر للسفر إلى ليبيا براً
بدأت هذا الخيار بالتلاشي، حيث صدر قرار ليبي بإغلاق الحدود في وجههم، ولا توجد احصائيات
دقيقة أو رسمية حتى الآن تشير إلى أعداد اللاجئين الفلسطينيين السوريين فيها، والجدير
ذكره أنه يوجد تضارب في الأنباء الواردة من هناك حيث أن البعض تمكن من تأمين العمل
والمعيشة الكريمة له ولأفراد عائلته، في حين يشتكي البعض من صعوبة المعيشة وبعض الممارسات
الغير مسؤولة من المسلحين هناك.
أما تركيا (1) فقد كانت خيار معظم أهالي المخيات
الشمالية في سورية، وذلك صعوبة انتقالهم إلى دمشق خاصة مع اشتداد المعارك في حلب وريفها،
كما أن هناك عدد كبير من أهالي مخيمات دمشق وريفها، إضافة لمخيم درعا يعتبرون تركيا
بوابة لهجرتهم إلى السويد وثم تقديم طلبات اللجوء فيها، حيث يقدر عددهم في تركيا بالمئات
(الهجرة إلى السويد في غاليها هجرة غير شرعية حيث يتم السفر عن طريق التهريب بعدة طرق
منها الوثائق المزورة، والسويد من أكثر الدول سهولة في تقديم اللجوء شرط الوصول إلى
أراضيها).
السويد وأوروبا، هي الخيار المفضل ولكنه الأصعب للجميع، حيث لايخوض غماره
إلا عدد من المغامرين الذين يعلمون أنه قد تكون عاقبتهم السجن كما حدث مع عدد من العائلات
من فلسطينيي سورية في أوكرانيا وبلغاريا.
من سورية إلى لبنان فمصر وليبيا وتركيا وليس إنتهاء
بدول أوروبا، معاناة يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في سورية وحدهم دون سند أو تفاعل
من المسؤولين عنهم، فللأسف جميع التحركات الفلسطينية الرسمية والفصائلية كانت دون المستوى،
ولاترقى لحجم المعاناة التي يعانيها فلسطينيو سورية، فأي مستقبل مجهول ينتظر من تبقى
ومن نزح وهاجر منهم؟
---------------------------------------
(1)
يدخل أهالي المخيمات الشمالية تركيا عن طريق المعابر التي سيطر عليها
الجيش الحرّ، والذي يقوم بالسماح للمدنيين بالدخول إليها، كما أنها تسمح بدخول الفلسطينيين
السوريين إليها بشكل نظامي لكن بشروط كثيرة، وهناك من تنطبق عليهم من الفلسطينيين السوريين.
المصدر: القدس الإخبارية