القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

ابقوا في الميادين

ابقوا في الميادين

بقلم: ياسـر عـلي

كنتُ أجهّز حقيبتي للسفر إلى تركيا ليلة الانقلاب، لكن توالي الأخبار من هناك أجبرني على ترك كل التحضير والتسمّر أمام شاشة التلفاز لمتابعة التطورات.

كنت ذاهباً للمشاركة في «مؤتمر فلسطينيي تركيا» في اسطنبول، وهو تجمع فلسطينيي كبير يقام للمرة الأولى، أحسب أنني سأستفيد منه، كما أستفيد عادة من المجاميع الذين تربطهم فكرة وطنية رائدة. ولأشهد انطلاق عمل جماهيري فلسطيني كبير. لكن الأخبار المفاجئة منعتنا من السفر.

تماهيتُ مع الشعب التركي وتطورات الأحداث، ودعوة الرئيس أردوغان للشعب أن ينزلوا إلى الشوارع والميادين، لصدّ الانقلاب واستعادة التجربة الشرعية والديمقراطية.. وتفاعلتُ مع نزول هذه الجماهير إلى الشارع.

وبعد الانتصار على الانقلاب، أطلق أردوغان نداءه إلى الجماهير: «ابقوا في الميادين». لحين القضاء على الانقلاب نهائياً..

هذا هو التحدي الذي أضعناه، نحن الفلسطينيين، أكثر من مرة. وكان الشرط الدائم لأعداء شعبنا قبل أي اتفاق عكس ذلك تماماً، وكنا نقع في الفخ دائماً.

لو أننا نفذنا هذا التحدي، بعد الثورة الكبرى عام 1936، ولم نصدّق الكتاب الأبيض ونداءات الزعماء العرب لوقف الإضراب والثورة.. وترافق تنفيذ الاتفاق مع قوة الثورة، لما انتصر الاستعمار علينا!

لو أننا نفذناه في حرب النكبة عام 1948، ولم نعتمد على جيش الانقاذ الذي زعم أنه سيحرر فلسطين، وانتهى بانسحابات وخيانات صبغتها عبارة «ماكو أوامر». لو أننا رابطنا في الميادين ورفضنا الخروج من قرانا ومدننا، لما تشرد 800 ألف فلسطيني!

لقد ثبت جزء كبير من أهلنا في حرب 1967، في ظل هروب الجيوش العربية، لكنهم تأخروا عشرين عاماً لينزلوا إلى الميادين في الانتفاضة الأولى عام 1987.

لو أن الانتفاضة الأولى لم تتوقف مع تفاهمات أوسلو 1993، واستمرت في المقاومة، وبقيت الجماهير في الميادين لحين دحر الاحتلال، لما بقي هذا الاحتلال جاثماً على صدورنا كل هذه المدة..

لو أننا نتعلم، من التاريخ دروسه، لما خسرنا كل هذه الخسارات، ولما فقدنا الأمل كلما كان قاب قوسين أو أدنى. ولو أننا لم نترك الميادين لغيّرنا مسار النكبة والنكسة والانتفاضات، كما فعل الأتراك.

ولكن..

«ابقوا في الميادين» تحتاج بناءً طويلاً، وهي لم تكن بنت لحظتها، بل هي بنت اثني عشر عاماً من البناء، وحانت لحظة الوفاء، من شعب وثق بقيادته، حين سلّمها القيادة اثني عشر عاماً.

لو توافرت لنا قيادة تبني بلداً (أو شعباً أو ثورة) وتتقدم بهم إلى مصاف الدول الأولى، فإن العودة والتحرير ستكون بالشعب قبل الجيش، وبالعامة قبل القيادة.

الذين ذهبوا ليستفيدوا من دروس «مؤتمر فلسطينيي تركيا»، استفادوا من «مؤتمر إنقاذ تركيا» الذي انعقد في الفضاء المفتوح في كل الميادين. اعتصامات تعلمنا منها الدروس من أجل تحقيق أهداف قضيتنا وشعبنا.. وتعلمنا منها أن العودة والتحرير، تحتاج بناءً مستمراً وقيادة مخلصة وثقة متبادلة بين الشعب والقيادة.