اجتماع المنظمة: فشل أم نجاح؟
بقلم: هاني المصري
إذا أردنا معرفة نجاح أو فشل اجتماع لجنة تفعيل المنظمة علينا أن نعرف أين كنا قبله وأين أصبحنا بعده؟
قبل الاجتماع تم الاتفاق على جدول زمني تضمن استكمال بحث وإقرار قانون انتخابات المجلس الوطني، والشروع في تسجيل الناخبين، وتشكيل الحكومة بدءًا من الثلاثين من الشهر الماضي، وتفعيل لجنتي الحريات والمصالحة المجتمعيّة، وسط أجواء إيجابيّة وتقديرات متفائلة بأن الاجتماع سينجح في حسم الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال، خصوصًا فيما يخص تحديد موعد قريب لتشكيل الحكومة وموعد آخر لإجراء الانتخابات.
انتهى الاجتماع من دون أن يتمكن من إنهاء أي نقطة مدرجة، إذ استمر الخلاف حول قانون انتخابات المجلس التشريعي وعلاقته بالمجلس الوطني، وتقسيم الدوائر في انتخابات المجلس الوطني، وعلاقة لجنة الانتخابات المركزيّة المعنيّة بانتخابات المجلس التشريعي باللجنة التي يجب أن تشكل لانتخابات المجلس الوطني.
أما بالنسبة للقضيّة الحاسمة الذي كان من المتوقع حسمها وهي موعد تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات، فقد تم تأجيلها إلى نهاية الشهر المقبل، وذلك بسبب إصرار الرئيس "أبو مازن" على أن يكون عمر الحكومة التي سيتم تشكيلها برئاسته ثلاثة أشهر فقط، وهذا أمر رفضته "حماس"، وطالبت بتشكيل الحكومة أولًا على أن تقوم بتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات وتحديد موعدها بعد ذلك.
في ضوء هذه النتائج، يكون الاجتماع قد فشل فشلًا ذريعًا، ولا ينفع لتغيير ذلك التصريحات التي اعتبرت أن هناك تقدمًا قد حصل، وهي تدل على حاجة كل الأطراف لاستمرار ما أسميته "عمليّة المصالحة"، ولكن "عمليّة المصالحة" شيء، وتحقيق المصالحة بمعنى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أسس وطنيّة وديمقراطيّة وشراكة حقيقيّة شيء آخر، ويبدو واضح أكثر أنه هدف بعيد المنال في ظل تمسك "جماعات مصالح الانقسام" بمصالحها على حساب المصالح الوطنيّة.
"فتح" و"حماس" تريدان "عمليّة المصالحة" حتى لا تتحملان المسؤوليّة أمام الشعب عن استمرار الانقسام، وحتى يحاول كل منهما تحقيق أهدافه التكتيكيّة منها، "فتح" بالحصول على دعم جميع الفصائل لبرنامجها السياسي وقيادتها للسلطة والمنظمة، و"حماس" باستخدام المصالحة بوابة للحصول على الاعتراف والشرعيّة العربيّة والدوليّة.
حتى لو نجح الاجتماع في تشكيل الحكومة وتحديد موعد لإجراء الانتخابات؛ ستكون حكومة فوقيّة، وأقصى ما يمكن أن تحققه في ظل تأجيل معظم الملفات المهمة هو إدارة الانقسام لا إنهاءه، وإدارة الانقسام ليس أفضل شيء يمكن تحقيقه، بل يمكن أن تكون أسوأ ما يمكن تحقيقه، لأنها تغطي على الانقسام وتساعد على استمراره، وربما تعميقه.
"حماس" حملت "أبو مازن" المسؤوليّة عن الفشل أو عن "التقدم المحدود" الذي لم يرتق إلى طموحات شعبنا من الاجتماع (كما صرح عدد من المشاركين في الاجتماع)، وَعَزَت ذلك إلى استمرار الفيتو الأميركي على المصالحة، ورهان "أبو مازن" على زيارة باراك أوباما للمنطقة في أواخر الشهر المقبل، أي عشيّة انتهاء المدة المعلنة لتشكيل الحومة وتحديد موعد الانتخابات.
و"فتح" حملت "حماس" المسؤوليّة عن الفشل، وَعَزَت ذلك إلى خلافات في "حماس"، وأنها تريد أن تبقي على سيطرتها على قطاع غزة، ولا تريد الاحتكام إلى الشعب بإجراء الانتخابات، وأضيف إلى ما سبق من عندي، إلا عندما تضمن فوزها فيها، كما تريد أن تضمن كذلك احترام هذا الفوز وليس مصادرته كما حدث بعد فوزها في الانتخابات السابقة.
إن نفي تأثير العوامل الخارجيّة (إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة وأطراف اللجنة الرباعيّة والدول العربيّة والإقليميّة المؤثرة) ينطوي على تضليل أو عدم معرفة؛ لأن إسرائيل بوصفها الدولة المحتلة تتحكم بتشكيل الحكومة الفلسطينيّة وقدرتها على العمل إذا شكلت، وبإجراء الانتخابات أو عدم إجرائها، وباحترام نتائجها أو تعطيلها، وبعمل الأجهزة الأمنيّة؛ أي تعتبر إسرائيل لاعبًا رئيسيًّا، ولا يمكن إتمام المصالحة من دون موافقتها والالتزام بالاتفاقات والالتزامات السابقة، أي من دون أن تكون المصالحة جزءًا من عمليّة سياسيّة تفيد إسرائيل، سواء من خلال مجيئها بالتزامن مع اتفاق على استئناف المفاوضات وفق شروطها السابقة، أو بعد تحسين طفيف عليها، أو أن تكون المصالحة منصة لإجراء الانتخابات من دون توافق وطني فلسطيني على المرجعيات والأهداف وأشكال النضال؛ ما يجعلها قفزة في المجهول، من شأنها تكريس الانقسام وتعميقه، مثلما ساهمت الانتخابات السابقة وسرعت في حدوث الانقسام.
إن الانتخابات ليست هدفًا بحد ذاته، ولا عصا سحريّة، بحيث يتم التصوير بأنها ستحسم الخلاف وتنهي الانقسام وأنها "مفتاح المصالحة"، بل إن الانتخابات من دون وحدة وتوافق وطني على "ركائز المصلحة الوطنيّة العليا"، ومن دون تغيير المسار السياسي الذي بدأ منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن؛ استمرارٌ في الدوران في الحلقة الجهنميّة المفرغة التي تدور فيها منذ بدء ما يسمى "عمليّة السلام" وحتى الآن، التي جعلتنا نعيش في كارثة عنوانها تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان وتقطيع الأوصال وتهميش القضيّة والفصل وضرب أهم ركائزها، وهي وحدة الشعب والقضيّة والأرض.
إن تأثير العوامل الخارجيّة واضح جدًا، وخضع لها طرفا الانقسام "فتح" و"حماس" بمباركة بقيّة الفصائل والشخصيات المستقلة، بدليل الاتفاق على الاستمرار بنفس المسار السياسي الذي ثبت للجميع فشله، وكما يظهر بتشكيل حكومة من المستقلين وليس حكومة وحدة وطنيّة يشارك فيها المستقلون، والاتفاق على ترؤس "أبو مازن" للحكومة، بالرغم من أنه يجمع بين رئاسة المنظمة والسلطة والدولة و"فتح"، وهذا وذاك جاء استجابة لشروط اللجنة الرباعيّة، ومحاولة لتجنب المقاطعة الدوليّة للحكومة والفيتو الإسرائيلي إذا شاركت فيها "حماس".
إن هذا يوضح أن المصالحة غير ممكنة إلا إذا جاءت ضمن شروط معينة تجعلها خطوة تساعد على إحياء ما يسمى "عمليّة السلام" واستئناف المفاوضات.
في هذا السياق يكون تأجيل الحكومة وعدم تحديد موعد الانتخابات إلى ما بعد زيارة أوباما من المفهوم أنه يرجع في أحد أسبابه إلى استمرار الوهم الذي يظهر في الرهان على معرفة إلى أي مدى ستذهب الإدارة الأميركيّة في فترة رئاسة أوباما الثانيّة للضغط على إسرائيل؟ فتشكيل الحكومة الفلسطينيّة الآن عشيّة الزيارة يمكن أن تفسره إدارة البيت الأبيض كخطوة سلبيّة يمكن أن تساهم في إفشالها، فإذا نجحت الزيارة باستئناف المفاوضات تأتي المصالحة الفلسطينيّة لإعطاء الشرعيّة من جديد لهذا المسار، خصوصًا أن "حماس" تبحث عن الشرعيّة العربيّة والدوليّة وعن الاعتراف بها، وتحتاج إلى الدخول إلى المنظمة وشرعنة دخولها إلى السلطة حتى تحقق هذا الهدف.
وإذا فشلت الزيارة يكون تشكيل حكومة وفاقيّة أو عدم تشكيلها ليس بالأمر المهم جدًا حينها.
من الصحيح أيضًا أن "أبو مازن" و"فتح" يخشيان من أن تشكيل حكومة من دون تحديد موعد قريب لإجراء الانتخابات، يمكن أن يؤدي إلى استمرارها حتى إشعار آخر، وما يعنيه ذلك من أن رئيس الحكومة سيتحمل المسؤوليّة والأعباء كافة حتى إشعار آخر من دون أن تكون الحكومة قادرة على الحكم في قطاع غزة، وذلك يظهر في تأجيل الملفات المهمة، مثل البرنامج السياسي، والملف الأمني، وإعادة تشكيل المنظمة من خلال إطار قيادي مؤقت إلى حين إجراء انتخابات المجلس الوطني، وعدم الاتفاق على كيفيّة معالجة كتائب المقاومة المسلحة، وعلى عودة الموظفين المفصولين والمستنكفين والمؤسسات المغلقة، وعدم التعامل الجدي مع انتخابات المجلس الوطني، بدليل عدم السعي لتسجيل الناخبين في الشتات، وعدم الاتصال بالدول العربيّة والأجنبيّة لأخذ موافقتها على إجراء الانتخابات على أراضيها.
"حماس" معها حق في الخشيّة من تشكيل حكومة وتأجيل إجراء الانتخابات من دون ضمانات بحريتها ونزاهتها وتوفير أجواء لها وضمان احترام نتائجها، على الأقل ضمانات فلسطينيّة وعربيّة، و"فتح" معها حق في الخشيّة من تشكيل حكومة وتأجيل الانتخابات حتى إشعار آخر، ولكن لا "حماس" ولا "فتح" معهما أي حق في تأجيل الوحدة تحت تأثير الرهان على المتغيرات العربيّة وصعود الإسلام السياسي، والرهان على نجاح الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات.
إن هذا الأمر يعني أن "حماس" تريد وحدة وفقًا لشروطها، تمكنها من الشراكة أولًا والقيادة ثانيًا، و"فتح" تريد وحدة تحافظ على استمرار قيادتها للمنظمة والسلطة، بينما الوحدة الحقيقيّة ممكنة إذا جاءت استجابة للمصلحة الوطنيّة العليا، وليس لمصلحة هذا الفريق أو ذاك. وهي لن تكون كذلك إلا إذا جاءت جزءًا من إعادة الاعتبار للمشروع الوطني وإحياء القضيّة وإعادة بناء المؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة، التي عليها أن تمثل قضايا ومصالح الشعب الفلسطيني أينما تواجد داخل الوطن المحتل وخارجه من دون تقزيم القضيّة الفلسطينيّة، عبر التعامل معها كقضيّة إقامة دولة فقط في الضفة والقطاع، وتجاهل الأبعاد الأخرى لها النابعة من كونها قضيّة تحرر وطني لا يمكن أن تتحقق إلا بتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه بالحريّة والاستقلال الوطني وتقرير المصير والعودة والمساواة والعيش الكريم إلى أن يحقق أهدافه الوطنيّة.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام والأبحاث (بدائل)