احتجاجات اللاجئين على سياسة الأونروا تؤتي ثمارها.. ولكن
علي هويدي
شهدت ساحة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان موجة احتجاجات سلمية تجاه وكالة الأونروا، لم يسبق لها مثيل منذ أن تأسست الأخيرة في عام 1949، وتحديداً مع بدء تسلم المدير العام للأونروا في لبنان، سلفاتوري لمباردو، لمهماته في بداية عام 2008.
لماذا الاحتجاجات؟
يعود الحراك السلمي والمنهجي، من الاعتصامات والإضرابات وإصدار البيانات التي لا تخلو أحياناً من بعض تجاوزات يعود سببها إلى حجم المعاناة التي يواجهها اللاجئ الفلسطيني ومقارعته المطلبية مع الأونروا لسنوات طويلة ومريرة. هذا الحراك الشعبي يعود إلى عدم إيلاء الوكالة الدولية الاهتمام الكافي لمطالب للاجئين على مستوى تقديم خدمات الإغاثة والاستشفاء والتعليم، فضلاً عن عمليات الهدر المالي والفساد الإداري الذي ينخر مؤسسة الوكالة الدولية في لبنان، باعتراف موظفيها على مستوى الصف الأول، الأمر الذي أدى إلى إطلاق العديد من الأنشطة، لعل أبرزها ما ينشر تباعاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" تدعو إلى إسقاط وتنحي المدير العام للأونروا بسبب سوء الإدارة، أو التوضيحات والتعليقات التي تنشر بهدف توعية اللاجئين على مخاطر تقصير الاونروا وتبعات ذلك التقصير على قضية اللاجئين. حتى إن بعض وسائل الإعلام المحلية تحدثت عن دور مشبوه يقوم به المدير العام تتعلق بتلقيه أموالاً من وكالة التنمية الأمريكية، وأن لديه اتصالات مع بعض الدول الأوروبية لتسهيل مشروع ترحيل بعض اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك الدول بهدف توطين من بقي في لبنان، وإلى غيرها من التهم... وإذا كان المدير العام لم ينف تلك التهم الموجهة إليه، لسبب أو لآخر، فوكالة التنمية الأمريكية لم تنف هي الأخرى تلك التهم، الأمر الذي زاد من تعميق هوة الثقة بين اللاجئين الفلسطينيين ووكالة الأونروا.
رؤية استراتيجية للاحتجاجات
الاحتجاجات التي تقودها المؤسسات الأهلية واللجان الشعبية والفصائل والقوى الفلسطينية على الساحة اللبنانية، ليست بعشوائية أو مغامرة، بل هي تحركات منهجية ذات رؤية استراتيجية بعيدة عن شخصنة التحرك، كما أثار البعض في الساحة اللبنانية. ويستند التحرك إلى قاعدتين: الأولى، التمسك بالوكالة الدولية، باعتبار أنها الشاهد الدولي الحيّ على جريمة النكبة، وأن استمرار تقديم خدمات الوكالة هو بمثابة شريان الحياة الرئيسي الذي يغذي استمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة، ومن جهة أخرى محاربة الفساد المستشري والمتراكم منذ سنوات. وما زاد الطين بلة، كما تقول الفصائل والقوى الفلسطينية والمؤسسات الأهلية التي التقت المدير العام للأونروا في لبنان لأكثر من 12 مرة ونسقت معه، أنها لم تسمع منه سوى الوعود والتسويف من دون أي إجراء عملي على الأرض، الأمر الذي زاد من حدة التوتر والعلاقة بين اللاجئين وإدارة الأونروا.
نظرة الأونروا إلى الاحتجاجات
وقد تناولت الأونروا هذه الاحتجاجات بكثير من الارتباك والتوتر الإداري والإعلامي؛ فتارة تتفهم التحركات المطلبية، وتارة تنتقد. وقد تكفي الإشارة إلى ما ذكره نائب المدير العام للأونروا في لبنان، روبر هيرت عن رواتب الموظفين الأجانب الخيالية بأنها تدفعها الدول التي ينتمي إليها الموظفون. إلا أنه بعد صدور بيان عن المؤسسات الأهلية يتحدث عن الهدر المالي، فوجئ المراقبون بأن الأونروا تعترف، على لسان مديرة قسم الإعلام في الأونروا، مكتب لبنان السيدة هدى السمرا بأن عدد الموظفين الأجانب في الأونروا 7 (المدير ونائباه وأربعة موظفين في وظائف أخرى)، ورواتبهم تدفع من نيويورك مباشرة ومن خارج جدول الرواتب لمكتب لبنان، وبالتالي من خارج موازنة إقليم لبنان، وتوظيفهم يكون بالاتفاق مع الجهة المانحة. أما الأجانب الآخرون فيعملون في مشاريع محددة ممولة من خارج الموازنة، مثل مشروع إعمار مخيم نهر البارد، فضلاً عن وجود عدد من الأجانب يعملون تطوعاً من دون أن تنفق عليهم الأونروا، كما ذكرت السيدة السمرا، الأمر الذي يضع شفافية الأونروا وصدقيتها وتعاطيها مع المؤسسات الأهلية على المحك.
أهداف تحققت... ولكن
ربما كان أهم هدف قد تحقق من الاحتجاجات، أنها أسهمت في توعية اللاجئين وغير اللاجئين على الأخطار المحدقة بالأونروا للنيل منها ولإنهاء خدماتها خدمة للمشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، وساهم في المزيد من التمسك بالوكالة الدولية لارتباطها بقضية اللاجئين. والأمر الثالث أنها أزاحت الستار عن الأعمال والتجاوزات المالية والإدارية للوكالة. وعُمِّمت تلك التجاوزات على وسائل الإعلام، الأمر الذي بات يمثّل رادعاً مسبقاً لكل من يريد أن يعبث أو يتساهل مع خدمات اللاجئين، وبالتالي خطوة استباقية للمدير العام الجديد للأونروا في لبنان الذي سيخلف المدير الحالي مع بداية عام 2012. هذا وقد حققت التحركات المطلبية جزءاً من أهدافها، لا يرتقي بأي حال إلى المستوى المطلوب، بأن ارتفعت نسبة مساهمة الوكالة الدولية في مجال الاستشفاء من 30% إلى 40% مع وعود بالمزيد في نهاية عام 2011 لتصل إلى 50%. وبالإضافة إلى ما تحقق، يبدو أن الأونروا تحسب الحساب للضغط الإعلامي الذي بموجبه توجه العديد من ممثلي سفارات الدول المانحة للقاء الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني في المخيمات للسؤال والمتابعة، وهناك تحركات إعلامية أجبرت الأونروا على الانصياع لمطالب اللاجئين، وباعتبار أننا في لبنان، فإن الحملة الإعلامية التي نظمتها منظمة (ثابت) لحق العودة بإثارة موضوع "قصر الموت" في مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين في مطلع شهر آذار من العام الجاري 2011، الأمر الذي كان يهدد حياة 58 لاجئاً فلسطينياً من موت محتم نتيجة توقع انهيار القصر في أي لحظة. إلا أن الأونروا استجابت للحراك. وتجري حالياً أعمال الباطون المسلح لتدعيم القصر بعدما أجرت مناقصة جرى بموجبها تلزيم إحدى الشركات الهندسية في لبنان، على أن تنتهي أعمال الإنشاءات خلال ستة أسابيع تبدأ من تاريخ الأول من شهر تموز 2011. أما المثال الثاني، فهو الحملة الإعلامية التي استهدفت الوكالة الدولية وتجرؤها على محاولة تغيير اسمها من "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" إلى "وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين" مع حذف "للإغاثة والتشغيل" و"الشرق الأدنى"، واستبدال اللاجئين الفلسطينيين في الموقع الإنكليزي إلى "لاجئي فلسطين". ووصل الأمر بمؤسسات المجتمع المدني إلى مطالبة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وجميع السفارات العربية والأجنبية المعتمدة في لبنان، بأخذ دورهم لأن تعود الأونروا عن خطئها، وأن يكون المفوض العام للأونروا، فليبو غراندي، محل مساءلة من الأمم المتحدة؛ لأن تغيير الشعار يُعَدّ انتهاكاً للقوانين المرعية في تأسيس الأونروا وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 302 الصادر في 1949/12/8 بأن الوكالة قد تأسست بهدف إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حصراً، الأمر الذي أدى إلى تراجع جزئي غير مقبول بعد إضافة "الإغاثة والتشغيل" واستمرار حذف "الشرق الأدنى" والإبقاء على "لاجئي فلسطين".
موقف الدولة المضيفة (لبنان)
لا يخضع عمل الأونروا في لبنان للمراقبة على مستوى المراقبة نفسه في بقية مناطق عملياتها، غزة والضفة وسوريا والأردن، سواء على مستوى المداخيل المالية أو تنفيذ المشاريع في المخيمات وخارج المخيمات، والاحتجاجات التي شهدها لبنان لم يشهدها أي إقليم آخر، وخاصة في ما يتعلق بالاتهامات الموجهة من اللاجئين وما نشرته وسائل الإعلام عن الدور المشبوه في عملية التوطين من خلال استهداف الأونروا. في المقابل، لم يكن هناك أي موقف من الدولة اللبنانية المضيفة، وهي المعنية مباشرة في أي محاولة لتوطين اللاجئين في لبنان، الأمر الذي يجده اللاجئون أنه غير مبرر على الإطلاق، حتى لو تزامنت تلك الاحتجاجات مع المنطقة الرمادية من تأليف الحكومة الجديدة.
ضرورة التنبه لمفاصل خطيرة
يعتقد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أن ما يجري على ساحة الأونروا من تقليص لخدمات الإغاثة والتشغيل وتغيير للشعار والسعي إلى إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول المقبل واستعداد إسبانيا لترؤس وكالة الأونروا في بداية العام القادم 2012 ولبنان نيابة الرئاسة، مع دعم مالي لافت للوكالة الدولية من إسبانيا، جعلها في المرتبة الثامنة عالمياً، وخاصة بدعم المشاريع المتعلقة بالتنمية على حساب الإغاثة والتشغيل، وفتح الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي مكاتب لها في لبنان، مفاصل تحولات لا ينفصل بعضها عن بعض. فإعلان الدولة الفلسطينية في أيلول، إذا ما نجح، يعني صراحة وبكل وضوح إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية وشطب قضية اللاجئين وحق العودة، وبالتالي لم يعد مبرراً وجود الوكالة الدولية "الأونروا". فالأمر جد خطير، والمطلوب دور بارز للقوى الفلسطينية أولاً، وتحرك غيور حقيقي يشمل المؤسسات الأهلية المحلية والدولية. حراك أممي من الدول العربية، إن على مستوى الجامعة أو على المستوى الفردي، فضلاً عن دور فاعل لمنظمة التعاون الإسلامي، والخوف الحقيقي من مناداة الإرجاء.
المصدر: مجلة العودة