استحقاق أيلول ... وحق عودة اللاجئين
ناهـض زقـوت*
هل يتعارض استحقاق أيلول بما يمثله من الاعتراف بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، مع حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها عام 1948؟، هل وجود دولة فلسطينية يلغي حق العودة؟، هل وجود منظمة التحرير يؤكد حق العودة ودونها يلغى حق العودة؟، هل حق العودة يرتبط بمؤسسة الدولة أم بمؤسسة منظمة التحرير، أم باللاجئ نفسه أم باللاجئين أنفسهم، باعتباره حق فردي وجماعي في آن؟.
ثمة إشكالية أثارتها خطوة الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية في المشهد السياسي الفلسطيني بما يمثله من أحزاب وقوى سياسية وطنية ويسارية وإسلامية، ليس هذا فقط، بل على مستوى الباحثين والكتاب وخبراء القانون. تتلخص في أن استحقاق أيلول أو الاعتراف بالدولة يتعارض مع بعض الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة، كما يلغي دور منظمة التحرير. هذا الطرح السياسي أثار كثيرا من المخاوف لدى الشارع، ولدى اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والشتات.
إن تباين المواقف من استحقاق أيلول لا يؤثر في أهمية هذه الخطوة السياسية، فهي كانت مطلوبة منذ عام 1999 أي مع انتهاء الفترة الانتقالية حسب اتفاق أوسلو، إلا أن الظروف الدولية والمعطيات الإقليمية لم تكن موائمة، للضغط على إسرائيل لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في أوسلو. ولكن الظروف الإقليمية والدولية الآن ملائمة جدا خاصة في ظل الربيع العربي، وتوتر العلاقات التركية الإسرائيلية، واهتزاز مكانة إسرائيل في العالم لإصرارها على عدم وقف الاستيطان واعتداءاتها المتكررة على الفلسطينيين، للإقدام على هذه الخطوة التي تأخرت أكثر من عشر سنوات.
ثمة مسألة أخرى مهمة، أن إعلان الدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967، متوافق عليه وطنيا ويساريا وإسلاميا، ومسجل في وثائق تم التوقيع عليها، مثل وثيقة الأسرى، وإعلان القاهرة، بمعنى لا تناقض بين القوى السياسية الفلسطينية في هذه المسألة.
لن نأتي بجديد حين نقول أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود مع إسرائيل، إذن ما العمل؟، هل نركن إلى الواقع القائم على سرقة الأرض وتهويد المقدسات، أم نخطو خطوة لكي نضع العالم والمجتمع الدولي أمام مسؤولياته، فهذا المجتمع وعلى رأسه أمريكا يطالبنا دائما بالاعتراف بالشرعية الدولية وقراراتها، وحين اعترفنا بالقرار 242 حسب طلبهم، اكتشفنا أن القرار لا ينطبق على الفلسطينيين، وبأنه ليس الحل بل المفاوضات. وعندما وقعنا أوسلو على قاعدة أن يكون في نهاية الفترة الانتقالية إقامة دولة، قالوا بأن التواريخ غير مقدسة، وعليكم الدخول في المفاوضات. واليوم ونحن ذاهبون إلى الأمم المتحدة حسب قرارات الشرعية الدولية للمطالبة بحقنا في دولة، نكتشف أن العالم الحر ضد القرار ومنحاز إلى إسرائيل، ويقولون إن الحل في المفاوضات. على ماذا نتفاوض؟.
إن الحملة الإعلامية والدبلوماسية التي قادتها القيادة الفلسطينية جعلت القضية على مكتب كل مسؤول أوروبي، وأمام كل برلمان أو مؤسسة أو جمعية أوروبية وغير أوروبية، ونحو 130 دولة اعترفت بنا. وفي استطلاع أجرته شبكة الـ BBC البريطانية شمل 19 دولة، أبدى 49% تأييدهم لحصول فلسطين على صفة العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مما يعني أن نصف العالم يؤيد خطوة القيادة الفلسطينية.
وهذه الخطوة تكشف زيف الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تجاه الحق الفلسطيني، فهم يدعون في خطاباتهم إلى إقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل، ولكن يتضح أن خطاباتهم مجرد دعاية إعلامية وعلاقات عامة، ويؤكد ذلك دعوة كل الرؤساء من كلينتون إلى بوش الأب إلى بوش الابن إلى اوباما، كلهم كاذبون في حل الدولتين.
إن الإشكالية التي استندت إليها بعض القوى السياسية في خطورة الاعتراف بالدولة على مكانة المنظمة وحق العودة، يعود إلى الطرح الذي أثاره بروفسور القانون الدولي في جامعة أكسفورد "جاي جودوين جيل" حين قال: "إن الخطوة لتعزيز الوجود الفلسطيني في الأمم المتحدة عن طريق إقامة الدولة تحمل خطر التشتيت، حيث الدولة تمثل الشعب في إطار الأمم المتحدة، ومنظمة التحرير الفلسطينية تمثل الشعب خارج الأمم المتحدة، ومثل هذا التقسيم للتمثيل يتعارض مع الوضع القائم ومع نية المجتمع الدولي الأصلية عند الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية".
إن ما يراه جودوين من أن ثمة فروقات في التمثيل تؤثر على مكانة الشعب والدولة، هو كلام مردود عليه، حيث أن منظمة التحرير تمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهي المرجعية للدولة الفلسطينية، أما الدولة فهي تمثل كل الفلسطينيين على أراضي الـ 67، فقط هذا غير صحيح لان وثيقة الاستقلال عام 1988، تقول: أن الدولة الفلسطينية هي حق لكل الفلسطينيين أينما وجدوا"، وبهذا أكدت ولايتها على كل الفلسطينيين في الداخل والخارج. أما ما يتعلق بحق عودة اللاجئين إلى حدود الـ 67، فهذا لم تطرحه القيادة الفلسطينية، إذ ما زالت ملتزمة بما جاء في وثيقة الاستقلال ومبادرة السلام العربية على عودتهم حسب القرار الدولي 194.
يقول د. صائب عريقات، في حوار مع صحيفة الدستور الأردنية: "أن طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لا يلغي منظمة التحرير وحق العودة، وأن القيادة الفلسطينية وبالتعاون مع الجامعة العربية وقطر، قامت باستشارات قانونية معمقة في مختلف أنحاء العالم حول كافة هذه المسائل".
إذن المسألة كانت مطروحة للنقاش من كافة جوانبها الايجابية والسلبية، ولم تكن اعتباطا أو قرارا فرديا خارج إطار منظمة التحرير ومؤسساتها.
إن القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ركزت في البحث السنوي لقضية فلسطين، على مسألتين: حق العودة، وحق تقرير المصير. بما يعني أن حق العودة شيء، وتقرير المصير شيء أخر. وهذا ما أكدت عليه في العديد من قراراتها: قرار رقم 2535 باء (د-24) في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1969، وقرار رقم 2649 (د-25) في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، وقرار رقم 2672 جيم (د-25) في 8 كانون الأول/ ديسمبر 1970، وقرار رقم 2787 (د-26) في 6 كانون الأول/ ديسمبر 1971، وقرار رقم 2792 دال (د-26) في 6 كانون الأول/ ديسمبر 1971، وقرار رقم 2955 (د-27) في 12 كانون الأول/ ديسمبر 1972، وقرار رقم 2963 هـاء (د-27) في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1972، والقرار رقم (35/169) في 15 كانون الأول/ ديسمبر 1980، التي اعترفت فيها، إلى جانب أمور أخرى، بأن لشعب فلسطين الحق في تقرير المصير، وحق عودة اللاجئين.
وتشير قرارات الأمم المتحدة دائما إلى أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد نشأت عن إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف بموجب ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتضع نصب عينيها مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير المصير الذي نصت عليه المادتان (1 و 55) من الميثاق، وأعيد تأكيده في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وفي إعلان تقوية الأمن الدولي.
وتؤكد أن لشعب فلسطين الحق في حقوق متساوية وفي حق تقرير المصير وفقا لميثاق الأمم المتحدة.
وتعرب عن قلقها الشديد أن إسرائيل قد حرمت شعب فلسطين التمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف، وممارسة حقه في تقرير المصير.
وتعلن أن الاحترام التام لحقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف، وتحقيقها، وخصوصا حقه في تقرير المصير، لابد منهما لتوطيد سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وأن تمتع اللاجئين العرب الفلسطينيين بالحق في العودة إلى ديارهم وأملاكهم، ذلك الحق الذي اعترفت به الجمعية العامة في القرار 194 (د-3) في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948 والذي أعادت الجمعية العامة تأكيده مرارا منذ ذلك التاريخ، لابد منه لتحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، ولممارسة شعب فلسطين حقه في تقرير المصير.
وهذا يعني أن الأمم المتحدة ربطت بين المسألتين من حيث أن عودة اللاجئين تكون وفق القرار (194)، وتقرير المصير بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه في السيادة الوطنية والاستقلال دون تدخلات خارجية، وذلك لإقرار السلم في منطقة الشرق الأوسط.
في 29/11/1947، أعلنت الأمم المتحدة عن قرارها رقم (181) الذي نص على تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية والقدس دولية.
وفي 11/12/1948، أعلنت الأمم المتحدة عن قرارها رقم (194) الذي نص على عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها.
كما نلاحظ أن قرار التقسيم سابق على قرار حق العودة، فهو إذن غير مرتبط به. كما أنه بموجب هذين القرارين تم الاعتراف بإسرائيل عضوا في الأمم المتحدة، بعدما أكدت اعترافها والتزامها بتنفيذ هذين القرارين، ولكنها كعادتها تراجعت بعدما ضمنت العضوية واعتراف العالم بها.
إذن نحن أمام قرارين منفصلين، قرار يدعو لإقامة دولة، وقرار يدعو لعودة اللاجئين.
تقدمت القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالعضوية استنادا على القرار (181)، وهذا القرار حينما صدر لم تكن مشكلة اللاجئين قائمة. وعندما صدر القرار (194) لم ينص على عودة اللاجئين إلى حدود الدولة العربية المزمع قيامها وفق القرار (181)، بل أشار إلى عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها في النزاع الأخير (ويقصد حرب 48). مما يعني أن قيام الدولة الفلسطينية سواء على حدود القرار (181) الذي أعطى الدولة العربية 45% من أرض فلسطين، أو قامت الدولة على حدود 1967 على مساحة 22% من أرض فلسطين، لا يؤثر على المكانة القانونية لعودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها عام 48، كم لا يوجد نص دولي يدعو إلى عودة اللاجئين إلى حدود دولة محددة، بل " العيش مع جيرانهم بسلام" أي إلى جانب الإسرائيليين.
في حوار أجرته وكالة معا الإخبارية مع المفوض العام للاونروا "فيليبو غراندي"، قال: "التقدم بطلب الاعتراف بالدولة في حد ذاته لا يعالج قضية اللاجئين، تظل الحاجة إلى العمل الذي تقوم به وكالة الغوث حاجة سامية، سوف تستمر وكالة الغوث في تقديم خدماتها وبرامجها إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لقضية اللاجئين. وأضاف أن، حقوق اللاجئين ومطامحهم ينبغي أن تعالج في سياق نقاشات تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأن تأخذ في عين الاعتبار وجهات نظر اللاجئين وخياراتهم".
يتضح من كلام المفوض العام أن الاعتراف بالدولة لا يعالج قضية اللاجئين ولا يقدم لهم حلولا بدليل استمرار الاونروا لخدماتها وبرامجها.
ثمة مسألة أخرى مرتبطة بالقرار (181)، هذا القرار لم يعارض وجود عرب في الدولة اليهودية، أو وجود يهود في الدولة العربية، (انظر الفصل الثالث/ المواطنة). وبهذا يمكن تواجد يهود في الدولة الفلسطينية المعلنة على حدود الـ 67، وكذلك وجود فلسطينيين في الدولة الإسرائيلية.
وهذا لا يتعارض مع القرار (194) بعودة اللاجئين إلى ديارهم الموجودة في الدولة الإسرائيلية، ويعلنون رغبتهم في العيش بسلام مع جيرانهم اليهود، لماذا نحن نخشى القول، بأن يعود اللاجئين إلى قراهم وأراضيهم ومدنهم، ويعيشون تحت العلم الإسرائيلي، فثمة مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون على أراضيهم في ظل هذا الوضع، دون أن يغير من فلسطينيتهم، ومن عروبتهم، ومن قوميتهم، ومن إسلاميتهم، ومن مسيحيتهم، وفي مقابل ذلك نقبل أن يبقى يهود في الدولة الفلسطينية تحت سيادة العلم الفلسطيني، لهم حقوق وعليهم واجبات.
أما من لا يرغب في العودة، ويرغب في العيش في ظل الدولة الفلسطينية، فهذا حق لا يتعارض مع نص القرار (194)، فقد نص على حقهم في التعويض مثل أمثالهم الذين يرغبون في العيش في الدولة الإسرائيلية.
وبناء على ما نطرحه، نرفض مسألة التبادل السكاني، التي تثار من حين إلى أخر، وهنا أسجل اعتراضي على ما قاله سفيرنا في واشنطن "معن عريقات" بأن الدولة الفلسطينية ستكون خالية من اليهود، بل نقبل أن يعيش اليهود بين ظهرانينا وفي ظل السيادة الفلسطينية. ونطالب بأن يعود اللاجئين إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 48 ويعيشوا مع جيرانهم بسلام، تنفيذا للقرار (194).
إن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة والاعتراف الدولي بها، هو التزام من المجتمع الدولي بهذا الحق، المؤكد في قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية والقانون الدولي، التي تعترف للفلسطينيين بالسيادة الوطنية وتقرير المصير وحق عودة اللاجئين.
كاتب وباحث، مدير عام المركز القومي للدراسات والتوثيق - غزة
المصدر: وكالة معاً الإخبارية