"اسرائيل" و«لعنة الصواريخ»
بقلم: واصف عواضة
أيا يكن مآل الحرب الدائرة على غزة هذه الأيام، لن تعرف "إسرائيل” طعم
الاستقرار والراحة بعد اليوم. سوف يظل القلق مخيما فوق ارضها وتحت سمائها وفي نفوس
مسؤوليها ومستوطنيها. صحيح ان هذه الحالة سينالنا نصيب وافر منها، لبنانيين
وفلسطينيين وسوريين وعربا، لكن ما همّ من ذلك ما دام القلق يسكن بلداننا منذ زرع
هذا الكيان الغاصب في منطقتنا، وعلى قاعدة «ما لجرح بميت إيلام» حيث تتكسر السهام
على السهام في أجسادنا منذ زمن طويل.
منذ تموز ٢٠٠٦ وحتى تموز ٢٠١٤، لم تعد "إسرائيل” هي نفسها ما قبل ذلك
التاريخ. لقد إصابتها «لعنة الصواريخ» من شمالها الى وسطها الى جنوبها، وبات في
إمكان اي مقاوم ان يبعث برسائل مقلقة الى اي مدينة او بلدة إسرائيلية. لم يعد
الامر مقتصرا على بضع مستوطنات على الحدود مع لبنان وغزة، او سوريا والأردن ومصر
(سيناء) كما كان في السابق. صارت تل أبيب وحيفا والقدس والمطارات والمعسكرات
والمعامل والمصانع والمؤسسات الإسرائيلية على خلافها هدفا طيعا للمقاومين.
قد يحلو للبعض التندر بأن خسائرنا البشرية أضعاف أضعاف خسائر العدو، وان
حجم الدمار اللاحق بالعدو لا يوازي القليل القليل من حجم الدمار اللاحق بنا.
وهذا صحيح، لكن حسابات الحروب ليست (للأسف) بإعداد الضحايا وبحجم الدمار.
حسابات الحروب هي فرض إرادة على إرادة. ومن يربح الحرب هو من يفرض إرادته على
الخصم، وهو ما لم تستطع "إسرائيل” بجبروتها العسكري ونفوذها السياسي ان تفرضه حتى
الآن على المقاومين.
لقد بات واضحا أن الاستقرار في هذه المنطقة يتطلب، على الأقل، سلاما
عادلا وشاملا يرضي الشعب الفلسطيني بكل مكوناته .هذا اذا ما وضعنا جانبا مقولة
«إزالة "إسرائيل” من الوجود» الى أن تتحقق اشياء كثيرة تشبه الحلم في واقع الوطن
العربي. والواضح أكثر أن "إسرائيل” ليست جاهزة بعد لمثل هذا السلام الذي يرتضيه
العرب. ولا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى أن "إسرائيل” مستعدة لهذا الخيار الذي يمنح
الفلسطينيين دولة مستقلة في حدودها الدنيا، بعدما قدموا أقصى التنازلات، ولم يعد
في مقدورهم الذهاب أبعد من ذلك. فعندما يضع قادة العدو وخبراؤه ومنظروه خريطة
الدولة الفلسطينية الموعودة أمامهم، يستهولون هذا الخيار الذي يشطر الدولة العبرية
الى قسمين، شمالي وجنوبي، تفصلهما بضعة كيلومترات بين طولكرم في الضفة، وناتانيا
عند الساحل الفلسطيني.
وليست الجغرافيا السياسية هي وحدها ما يقلق "إسرائيل” في مثل هذا الخيار.
فيوم احتلت الضفة الغربية عام 1967 كان خيارها أن فلسطين، كل فلسطين، هي أرض
الميعاد. ولا يزال هذا الخيار قائما، وإلا كيف يمكن تفسير هذا الكم الهائل من
المستوطنات التي زرعتها "إسرائيل” وتزرعها منذ انطلقت عملية السلام الموهومة منذ بداية
التسعينيات.
وفي الخلاصة، يبدو السلام الذي يسعى اليه العرب ويحلم به الفلسطينيون
مجرد وهم . فالسلام العادل يتطلب توازنا في القوى يفرض نفسه على طاولة المفاوضات،
وبغير المقاومة المسلحة لا يمكن فرض مثل هذا التوازن في ظل الواقع العربي الراهن،
فهي ورقة القوة الوحيدة على الطاولة. والعجب العجاب أن يذهب الفلسطينيون الى
التفاوض من دون هذه الورقة، حتى أن بعضهم يقول بالفم الملآن إنه لا يؤمن بالمقاومة
المسلحة.
وإلى أن يتحقق السلام العادل والشامل الذي لا يبدو قريب المنال، ستظل
«لعنة الصواريخ» تلاحق "إسرائيل” والاسرائيليين الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
المصدر: السفير