القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

الأمم المتحدة ومأساة اللاجئين

الأمم المتحدة ومأساة اللاجئين

بقلم: علي جرادات

في تقريرها لمناسبة اليوم العالمي للاجئين (الذي صادف يوم الاثنين الماضي)، أوضحت الأمم المتحدة أن عدد اللاجئين في العالم بات يقارب 65 مليوناً، وأن هؤلاء اللاجئين هم ضحايا حروب داخلية أو حروب بين دول.

لكن التقرير لم يشر، من قريب أو من بعيد، إلى دور ومسؤولية الدول العظمى النافذة في الأمم المتحدة ومؤسساتها وقراراتها، والضالعة، اتصالاً بمصالحها، في إشعال أو إذكاء نيران هذه الحروب التي أدّت، فيما أدّت، إلى تزايد عدد هؤلاء اللاجئين، بكل ما يترتب على ذلك من مأساة إنسانية كبرى متعددة الأوجه، تعيد للذاكرة مآسي البشرية التي خلَّفتها الحربان العالميتان لتقاسم النفوذ والسيطرة على العالم بين دول الاستعمار «الغربي»، وما تلا هاتين الحربين من حروب بالوكالة.

أي «الحرب الباردة»، بفعل توازن القوى العالمي خلال مرحلة نظام «ثنائية القطبية»، وصولاً إلى الحروب التي وقعت، وما أكثرها، بفعل اختلال ميزان القوى العالمي منذ نشوء نظام «القطب الواحد» في بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن. ما هي أهمية، وماذا يعني، الكلام أعلاه؟

إن تقارير الأمم المتحدة، بما فيها تقريرها آنف الذكر عن اللاجئين في العالم، لا تعبر عن المبادئ والقيم والمواثيق والمعايير المنصوص عليها في نظامها، بل عن مصالح الدول العظمى، وما تفرضه من نظام دولي، تبعاً لميزان القوى القائم بينها، وبالتالي داخل الأمم المتحدة، في كل مرحلة.

وبقدر ما يتعلق الأمر بمأساة اللاجئين في العالم التي أشار إليها تقرير الأمم المتحدة، تقفز إلى الذهن مأساة اللاجئين الفلسطينيين الذين شرَّدهم بالقوة استعمار استيطاني إجلائي إحلالي استهدف ابتلاع أرض فلسطين، واقتلاع شعبها منها ومن كل البيئة التي كوَّن فيها شخصيته الوطنية والقومية والثقافية، وأسس فيها تراثاً وقيماً، لكنه لم يقوَ على طمس الوطنية الفلسطينية التي تبلورت وتجذَّرت، في معمعان قرن ويزيد من الصراع، كهوية تحررية كفاحية، باتت عصية على التذويب والاندثار والتجاوز.

هذا يعني أن الاختلاف النوعي بين قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية باقي اللاجئين في العالم هو أن كل اللاجئين هم حالة مؤقتة، ويستطيعون في ظل ظروف سانحة العودة إلى أوطانهم بصورة طبيعية وسهلة ولا تحتاج إلى اتفاقات أو مفاوضات دولية.

أما اللاجئون الفلسطينيون فهم ضحية تواطؤ العالم مع دول الاستعمار «الغربي» في تبنيها شعار «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض» الكاذب والمضلل، لتنفيذ المشروع الصهيوني، وجوهره: استيطان الأرض وإجلاء سكانها الأصليين ومنع عودتهم إليها، لأجل ضمان التفوق الديمغرافي اليهودي على الأرض الفلسطينية، كهدف تأكد فشله.

فقد أصبح مجموع الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية مساوياً لعدد المستوطنين اليهود فيها. هذا يعني أن المستقبل الديمغرافي بات محسوماً لمصلحة الفلسطينيين، لكن هذا هو، بالضبط، ما يدفع الكيان الصهيوني، نظاماً وحكومات و«معارضات» وبنية مجتمعية وعسكرية وأمنية وقانونية، نحو المزيد من التطرف والعنصرية والفاشية والتعنت تجاه الحقوق الوطنية والتاريخية الفلسطينية، عموماً، وتجاه حق عودة اللاجئين، خصوصاً.

لذلك لا عجب في اللغط السياسي الدائر حول تقديم مشاريع تستهدف إسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين في إطار إعادة ترتيب أوضاع «الشرق الأوسط»، وقلبه المنطقة العربية خصوصاً، وعبر تحويل هذا الحق من حق وطني غير قابل للتصرف إلى موضوع هامشي قابل للمقايضة.

لكن ما يغيب عن بال وذهن أصحاب هذه المشاريع هو أنها ستصطدم بالرفض الشعبي الفلسطيني، والعربي عموماً، وأنه سيتم مقاومتها، تماماً، كما تم مقاومة محاولات توطين هؤلاء اللاجئين في خمسينيات القرن الماضي.

هذا ناهيك عن أن شرط عضوية «إسرائيل» في الأمم المتحدة والاعتراف بها كـ«دولة» كان تنفيذ قرار الجمعية العامة 194 المتعلق بحق عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين.

لكن موازين القوة الدولية قد دفعت، ولا تزال تدفع، هذا الشرط إلى الخلف، ما أتاح لـ«إسرائيل» التمتع باعتراف الأمم المتحدة وعضويتها مع بقائها «دولة» احتلال مارقة، لا ترفض تنفيذ القرار الدولي الذي يكفل حق عودة اللاجئين وتعويضهم، فحسب؛ بل وترفض أيضاً، تنفيذ القرار الدولي 181، أي «قرار التقسيم» الذي على الرغم من ظلمه يكفل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه عبر إقامة دولة مستقلة وسيّدة، لا بل وترفض حتى إقامة هذه الدولة على «حدود 67»، أي على 27% من مساحة فلسطين.

المصدر: صحيفة الخليج االإماراتية