القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

الأنظمة العربية تبيع فلسطين مرة أخرى

الأنظمة العربية تبيع فلسطين مرة أخرى

بقلم: سمير الحجاوي

من غير المعقول أن تعود الأنظمة العربية مرة أخرى إلى المربع الأول في التعامل مع الكيان الصهيوني، رغم مرور الزمن، ويبدو أن الأنظمة العربية العتيدة مصرة على تقديم هدية جديدة للكيان الإسرائيلي في عيده الخامس والستين والذي يصادف "للمفارقة" 65 عاما على النكبة الفلسطينية واحتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني، والبدء العملي للمأساة الفلسطينية التي دشنها وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بوعده الشهير عام 1917 لإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين"، واحتلال بريطانيا لفلسطين بعد ذلك، ووضعها تحت الانتداب، وتكوين جيش يهودي من العصابات الصهيونية وتسليحها وتتويج المشروع الصهيوني الذي وعدت به بريطانيا بإقامة "دولة إسرائيل" في 15 مايو 1948 وهو التاريخ الذي سيأتي بعد أيام قليلة.

هذه الأنظمة العربية لا تعي الدروس، وتصر على مواصلة ممارسة "الحماقات السياسية" على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه، وللتذكير فإن الشعب الفلسطيني نفذ أطول إضراب في التاريخ عام 1936 وهو الإضراب الذي لم ينته إلا بعد تدخل حكام عرب تعهدوا، بناء على وعود بريطانية، بوقف الهجرة اليهودية، وهو ما لم يحدث بالطبع، واستفردت العصابات اليهودية، تدعمها بريطانيا، بالشعب الفلسطيني، للتصدي للثورة التي استمرت منذ عام 1936 وحتى عام 1939، وكانت النتيجة هو قرار تقسيم فلسطين عام 1947 الذي أدخل وعد بلفور الإنجليزي حيز التنفيذ العملي على المستوى الدولي.

الأنظمة العربية لهثت وراء الحلول "السلمية"، من الهدنة الأولى إلى الهدنة الثانية التي أتاحت لليهود احتلال فلسطين، فقرار 242 وبعده 338 وصولا، ومن ثم اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 بين مصر وإسرائيل وعقد مؤتمر أوسلو عام 1992 ومن ثم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل عام 1993 واعتراف الأردن بإسرائيل عام 1994 في اتفاقية وادي عربة، ثم المبادرة العربية عام 2002 في بيروت والتي قدمت تعهدا جماعيا من كل الأنظمة العربية للاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها مقابل القبول بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتقترح مبادرة السلام العربية على إسرائيل "إقامة علاقات مع كافة البلدان العربية مقابل انسحابها من الأراضي الفلسطينية منذ يونيو 1967 وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بالإضافة إلى حل "عادل ومتفق عليه" لقضية اللاجئين الفلسطينيين".

وهي المبادرة التي وصفها الإرهابي آرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بأنها "لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت فيه"، رد عليها فوراً باجتياح الضفة الغربية المحتلة وارتكاب مجازر دموية بشعة ضد الفلسطينيين، وتشديد الحصار على ياسر عرفات.

الآن بعد 11 عاما يعود العرب مرة أخرى إلى هذه المبادرة التي ولدت ميتة، والتي قال بعضهم: "إنها لن تبقى إلى الأبد"، يعودون إليها لتقديم المزيد من التنازلات، فبعد أن تنازلوا عن 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية وتنازلوا عمليا عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى وطنه وأرضه التي أخرج منها، يتنازلون هذه المرة عن المزيد من الأراضي الفلسطيني المحتلة عام 1976 تحت لافتة "تبادل الأراضي" الذي يضمن ضم المستوطنات اليهودية إلى الكيان الإسرائيلي، مما يعني عمليا التنازل عن 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية وتقطيع الضفة إلى كانتونات غير متصلة ببعضها، وربما يقترح البعض أن تتصل فيما بينها من خلال أنفاق، كما هو الحال مع قطاع غزة.

أغرب التصريحات العربية المستهلكة هو شعار: "السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو خيار إستراتيجي للدول العربية"، فهل قبلت إسرائيل بالسلام؟ هل قبلت بأي سلام؟ أم أن الأمر لا يتعدى الاستجابة لما طرحه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في التاسع من أبريل الماضي عندما قال خلال زيارته للكيان الإسرائيلي: إن المبادرة العربية قد لا تكون ملائمة كأساس للمفاوضات "في صيغتها الحالية".

هذا التنازل الجديد من الأنظمة العربية منح الاحتلال الإسرائيلي إمكانية "تعديل المسائل الجوهرية في القضية الفلسطينية مثل، القدس وعودة اللاجئين، مع التركيز على القضايا الثانوية، والتطبيع الكامل مع الدول العربية، دون الانسحاب من الأراضي المحتلة.

إلا أن المفجع للأنظمة العربية هو الرد القاسي من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي علق على قبول الأنظمة العربية التنازل عن مزيد من الأرض قوله أن النزاع مع الفلسطينيين "ليس على الأراضي بل على عدم رغبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي هو أصل النزاع".

هل هناك مبرر لتقديم هذه التنازلات في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل تهويد القدس والضفة الغربية، وقضم الأرض وزيادة وتيرة الاستيطان وتهجير الشعب الفلسطيني واغتصاب ممتلكاته والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وفي الوقت الذي قرر فيه الاحتلال الإسرائيلي هدم حي وادي السياح العربي في مدينة حيفا ضمن مخطط لإقامة حديقة عبرية بحجة أن هذه بيوت هذا الحي مبينة بشكل غير قانوني" رغم وجوده قبل قيام الكيان الإسرائيلي.

المصيبة أن كل ما تقوم به "إسرائيل" من جرائم بحق الوجود الفلسطيني لم يقنع الأنظمة العربية بالعمل على خطة بديلة عن تقدم المزيد من التنازلات لاحتلال يطلب دائما المزيد من التنازلات دون النظر إلى التحولات الكبرى في العالم العربي، ودون انتظار أي مقابل من الاحتلال الصهيوني، واعتبروا أن "السلام خيار إستراتيجي مع إسرائيل" دون أن يقدم الكيان الصهيوني أي بادرة تدل ولو على حسن النوايا.

اختتم انتقادي الشديد لهذه التنازلات غير المعقولة باقتباس من وثائق بريطانية نشرت يوم الجمعة الماضي، كشفت فيها ملفات سرية بريطانية، أذنت دائرة المحفوظات الوطنية في لندن بنشرها، أن رئيس الاستخبارات العسكرية البريطانية في فلسطين المقدم سي. نورمان خلال حرب 1947 ـ 1948، "وصف الزعماء العرب بأنهم جبناء، لأنهم لم يتصدوا للقوات اليهودية".

هذا ما قاله ضابط بريطاني كبير قبل 65 عاما، فما هو رأي الأنظمة العربية اليوم؟ هل ذهبت إلى واشنطن طمعا أو رهبا، رغبة أو رهبة أو جبنا، كما حدث مع بداية النكبة الفلسطينية.. إنها المأساة العربية والفلسطينية المستمرة، التي تتنازل عن كل حقوق الفلسطينيين مقابل لا شيء.

الشرق، الدوحة، 2/5/2013