محمود جمعة (أبو وسيم)*
إن سياسة
التآمر على القضية الفلسطينية لم تتوقف منذ بداية النكبة وما قبلها، هي سياسة
مبنية على مخطط مدروس، وباتت كل أدواتها مكشوفة للعيان، ولا تستدعي الابتكار لكي
نكشف مخاطرها العملية على شعبنا الفلسطيني، وقضيته، رغم التضحيات الجسام التي
قدمها شعبنا الفلسطيني ولا زال.... وكان أبرز ما فيها تدمير المخيمات الفلسطينية
بوصفها الشاهد الحي على القضية، والخزان الثوري والوطني الذي لم ينضب، رغم سلسلة
المؤامرات على المخيمات في كل أماكن الشتات... مؤامرات مورست عليها لترقيعها
وإخضاعها وإذلالها... وتحطيم كل نفس وطني فيها...
إن حجم
التضحيات التي قدمتها المخيمات في الشتات لا تقدر بثمن، وكانت ولا تزال ترفع راية
النضال، وتبني الأجيال تلو الأجيال ثقافة وانتماء... ولكن بالمقابل هناك أدوات
تلاحق وتعيق كل ثقافة وطنية أو مشروع وطني.
إن أخطر ما في
كل ذلك مشروع الأونروا كمؤسسة وجدت لكي تغيث وتشغل اللاجئ الفلسطيني، وتنهض به
لحين عودته الى قريته ومكانه الأصلي... ولكن يا للأسف الشديد اليوم، هذه المؤسسة
تنفذ الأجندة الأمريكية الصهيونية، ويبرز ذلك من خلال الآتي:
1- إلغاء كل
ما له علاقة بفلسطين في المنهاج التربوي في المدارس، كما يمنع منعا باتا النشيد
الوطني الفلسطيني، ووضع خرائط فلسطين او أعلام فلسطين. اي كل ما له علاقة بفلسطين
التاريخية. علما أن كل الدول بالعالم تحترم وتعتز بنشيدها الوطني، وتعلمه لأبنائها
من خلال التنشئة الوطنية.
2- المستوى
التعليمي في المدراس من سيئ الى اسوأ، وللأسف الشديد يتم ترقية وتقدير المقصرين
المعنيين من خلال الاحتفالات وتقديم الدروع للمسؤولين تقديرا لجهودهم الجبارة التي
بذلوها، من خلال تدمير التعليم في مدارس الأونروا...
وكان أبرز ما هو مرعب ان تكون نتائج الشهادة
المتوسطة في مخيم البرج الشمالي مؤشرا على حجم تدمير الأجيال، إذ كانت النتائج على
النحو التالي: لدى الصبيان من أصل 71 تلميذا نجح 15 تلميذا، ومن أصل 81 تلميذة
نجحت 31 تلميذة... وهي نسب مشينة.
3- الاصرار
المتعمد على عدم فتح ثانوي بمخيم البرج الشمالي، علما ان الأونروا فتحت اقسام
المرحلة الثانوية في باقي مخيمات لبنان، وكذلك في بعض التجمعات التي لا تعتبرها
الأونروا مخيمات رسمية!
4- في الطبابة
والاستشفاء، قامت الفرحة لدى الكثيرين عندما اعلنت الأونروا انها استقدمت مبلغ 7.5
مليون دولار من عمان الى لبنان لأجل الطبابة والاستشفاء... عمت الفرحة والترحيب
والإشادة من قبل الكثيرين، علما ان هذا المبلغ بالأصل هو لفرع لبنان، ولكن تم نقله
الى عمان، ولكن عندما قامت الصرخة في لبنان تمت اعادته.
5- العقود ما
بين المستشفيات وقسم الصحة في لبنان ، عقود هلامية غير واضحة المعالم، ولا يعرف
المريض ما هو متوجب عليه من فروقات، وتترك الأونروا المرضى للذئب كما يقول المثل
الشعبي ، حيث بدلا من أن تكون قيمة
الدولار على 1500 ل ل، تحول فاتورة
المستشفى على 30000 ل ل او اكثر، هذا دواء مغطى ، وهذا دواء غير مغطى اي يشمله
التحويل او لا يشمله التحويل ، هذه فحوصات يشملها التحويل او لا يشملها التحويل ،
والأصعب من ذلك على المريض الفلسطيني البسيط ان يتعلم لغة جديدة، هي لغة الكود وما هي الأحجية التي تكمن وراء كل
ذلك..
يذهب المريض الى المستشفى يحمل تحويلا، إذا حصل
عليه اولا، ثم عليه تدبير امره مع المستشفى، كم تبلغ كلفة الفروقات هنا تكمن
الأحجية!
6- يتبادر الى
الذهن ان الأونروا اعادت مبلغ 7.5 مليون دولار... هل أعادته على قيمة الصرف 1500 ل
ل أم فرش دولار؟
7- قسم الصحة
في الأونروا اليوم ينفذ السياسة الأمريكية الصهيونية بشكل دقيق، ويتجلى ذلك من
خلال مزيد من المعاناة، وتعميق المشاكل لدى المخيمات، وتشكيل انقسام حقيقي بين
المخيمات والغاء شريحة مجتمعية من قيود اللاجئ ... وشطبها... ، وخاصة في لبنان! وعلى
وجه الدقة المجنسين الذين تآمروا عليهم، عن حقد وكراهية من قبل البعض وهم لا
يعلمون ماذا يفعلون! أو عن مخطط يقف عقبة في وجه برنامج حق العودة... لشطب اكبر
عدد من اللاجئين من القيود، وهذا ما تسعى اليه السياسية الأمريكية الصهيونية، لكي
تتخلص من موضوع اللاجئين...وهنا نسأل: ولماذا لبنان فقط.؟
يتزامن كل ذلك مع تعميق الأزمة والهجمة... ومزيد
من تعميق ازمة الرغيف وانهيار العملة اللبنانية، وازمة الكهرباء، وازمة ماء، وازمة
محروقات ، واختلاق ازمات مفتعلة تارة اغلاق طرق ، وتارة اعتماد سياسة الفرز
المذهبي والطائفي . كل هذا مدروس وممنهج... وهنا نسأل: لماذا مخيم البرج الشمالي
الآن على القائمة؟ هل لأنه تصدى للاجتياح عام 1982وتم تدميره بالكامل وقدم
الشهداء؟ المجزرة المنسية في جميعة الحولة وباقي المجازر في المخيم خير شاهد على
ذلك... هل لأنه قدم اول شهيد في الثورة الفلسطينية الشهيد مرعي الحسين ولذي شيعه
الأمام المغيب السيد موسى الصدر؟ وقوافل الشهداء الذين التحقوا بالركب لاحقا؟ هل
لأن الشهيد القائد ابو علي اياد الذي كان يقول نموت واقفين ولن نركع، اعتز بهذا
المخيم وشهدائه، أمثال الشهيد الملازم احمد الجمعة شهيد قوات العاصفة عام 1970؟ هل
لأن المخيم لا زال رغم كل المؤامرات التي تحاك ضده خزان النضال؟ هل لكل ذلك علاقة
بما يتم من له المخيم من عقاب لغالبية اهله الذين ينحدرون من قرى سهل الحولة؟
اليوم نخجل الحقيقة مما يحصل لأهلنا من عقاب فعلي، ونستغرب من القوى السياسية التي
تصدر موقفا غير واضح المعالم ولا سيما بموضوع استشفاء أهالي المخيم المجنسين، هل
هذه القوى مع هذه الإجراءات التي تنفذها الأونروا؟ هل هي تجاملها؟ ولماذا؟ الا
يعنيهم ان حوالي ثلاثين ألف فلسطيني سوف يشملهم هذه القرار الظالم والذي يحمل في
طياته مخاطر فعلية؟
8- ان أخطر ما
في هذه السياسة الطرشاء التي تنفذها الأونروا بحق الفلسطينيين في لبنان، وهي تعلم
ما تقوم به، مزيد من الفقر، عدم احترام الدراسات البحثية التي قامت بها والتي تؤكد
ارتفاعا مخيفا بمستوى الفقر. فعدم اعادة الأونروا النظر بمشروع الإغاثة يؤكد كأن
الذي يحدث في لبنان لا يعنيها، وكذلك عدم احترام المريض على ابواب المستشفيات،
وعدم احترام التعليم.
كل ذلك يؤدي
إلى مزيدا من الفقر ومزيد من تعميق البطالة والافقار. كل ذلك ليس عن عبث او جهل
ابدا، هو مخطط مدروس لافتعال المشاكل التي تخدم الحصار القائم.... ويتزامن ذلك
ويترافق مع خنق خاصرة المقاومة الفلسطينية التي يعد مخيم برج الشمالي أحد
مشعليها...
* رئيس جمعية
نادي الحولة في مخيم برج الشمالي