«الأونروا» تحديات تقليدية واستجابة
سلبية
بقلم: حازم عياد
منذ ولادتها قبل 66 عاما
في 8 كانون الأول 1948 عانت الاونروا من قصور واضح ارتبط بالغاية والهدف من تأسيسها،
بشكل أثار لغطا ومخاوف حقيقية حول الغاية من إنشائها، ففي نص ديباجتها تمت الاشارة
الى ان احد اهدافها مساعدة اللاجئين الفلسطينيين على الاندماج في المجتمعات التي انتقلوا
اليها، وقد واجه الفلسطينيون هذا الخلل والقصور بنضال طويل كرس العودة كحق، وكرس الانروا
كرمز لهذا الحق التاريخي والانساني والوطني.
النضال الفلسطيني سواء للعاملين
داخل الاونروا او في البيئة الفلسطينية الثائرة المحيطة بها، همش الديباجة وحول الاونروا
الى احد الادوات المهمة للدفاع عن حق اللاجئين الفلسطينين بالعودة، وأحد اهم الاجسام
القانونية التي تعترف بالهوية الفلسطينية، فـإلى جانب تقديم الخدمات اصبحت الاونروا
توفير الغطاء القانوني لهوية اللاجئ كفلسطيني سواء في الشتات او اماكن اللجوء.
في جميع المحطات التي مرت
بها الاونروا كان الفيصل في تفعيل دورها والحفاظ على وجودها، ومعالجة القصور الوظيفي
والبرامجي في عملها يتم من خلال نضال الشعب الفلسطيني والعاملين فيها من ابناء اللاجئين
الفلسطينيين، فالمحاولات لم تتوقف لاعادة تعريف دورها وتقليص خدماتها، محاولات تكررت
اكثر من مرة قادها اليمين الامريكي لاعادة تعريف مفهوم اللاجئ الفلسطيني والهدف الاونروا،
بل إعادة النظر في الاونروا كمنظمة دولية في العام 1965، اذ سعى الكونغرس الامريكي
لاستصدار قانون يحول الاونروا الى انقاض بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، والغاية من
اغاثته، الا ان قوة الدفع الكبيرة في اعقاب تأسيس منظمة التحرير وانطلاق مرحلة جديدة
من النضال الفلسطيني اسهمت في تراجع هذا الخيار وانحساره.
تدخل الاونروا في منعطف
خطير الان، فظاهرة تقليص الخدمات بسبب تراجع مساهمات الداعمين وتبدل اهتماماتهم في
ظل ارتفاع اعداد اللاجئين في الاقليم العربي في سوريا والعراق واليمن والى حد ما ليبيا
أعاد شبح تصفية الاونروا، اذ وضعت اللاجئ الفلسطيني في قاع سلم الاهتمامات الاقليمية
والدولية، فلم يعد اولوية حتى عند الدول العربية للاسف، وعلى الرغم من الاهتمام الكبير
الذي تبديه الامم المتحدة والدول العربية والجامعة العربية في الاحتفال بتأسيس الاونروا
سنويا، الا ان ذلك لم ينعكس ايجابا على المنظمة الدولية في هذا العام، فالمفوض العام
للاونرو «بيير كراهنبول» حذر من امكانية توقف خدماتها خلال ثلاثة اشهر اي في ايلول
المقبل بسبب «التحديات المالية غير المسبوقة التي تواجهها»، بل ان مدير عمليات الاونروا
في غزة « روبرت تيرنر» استقال بعد ثلاث سنوات دون ان يعلن عن الاسباب، مع العلم ان
الخلفية التي تقف خلف استقالة مرتبطة بتراجع خدمات الاونروا، أمر زاد من معاناة اللاجئين
في القطاع.
التحذير لم يقتصر على المسؤولين
في الاونروا، بل ان العاملين في الاونروا اطلقوا تحذيرات متتابعة، فتقليص الخدمات لم
يعد يقتصر على وقف المعونات المقدمة للاجئين الفلسطينيين من سوريا الى لبنان، او الخدمات
المقدمة للاجئين في غزة او دمج الصفوف الدراسية، ووقف المشاريع والتعيينات، بل امتد
الى تهديد 30 الف عامل من الفلسطينيين في الاونروا، بدفع المزيد منهم للتقاعد، امر
دق ناقوس الخطر وحرك الهواجس التي ترى أن هناك محاولة لتصفية المنظمة، وعلى الرغم من
نفي الاستاذ محمود العقرباوي مدير دائرة شؤون اللاجئين في الاردن لذلك بقوله ان الاسباب
الكامنة خلف هذا التقليص هي الازمة التي يعاني منها الاقليم، وعلى رأسها موجات اللجوء
الكبيرة في العراق وسوريا وانحاء كثيرة من العالم، فضلا عن امتداد تأثير الازمة الاقتصادية
العالمية ما يستدعي تحركا يتناسب مع طبيعة هذا التحول يدفع نحو زيادة الاهتمام بالاونروا
وعملها وخدماتها.
ذات الموقف والرأي أكده
الاستاذ مطر صقر المدير السابق للاعلام والشؤون الخارجية في الاونروا، فالدول المانحة
وعلى رأسها الولايات المتحدة لا ترى أن الاونروا استنفذت اسباب وجودها، فامريكا ترى
أن بديل الاونروا سيكون اسوأ وفقا للمعايير الاسرائيلية والامريكية التي تحاول تهميش
حق العودة، امر ينقل الكرة الى الدول المانحة وقدرة الدول العربية ومنظمة التحرير والشعب
الفلسطيني لتفعيل ادواته ونشاطة لاستعادة الاهتمام بحقوقه، الرؤى والتصريحات المذكورة
جاءت في الندوة التي عقدتها جمعية العودة للاجئين في عمان السبت الموافق لـ13 حزيران
من العام الحالي.
الندوة التي ناقشت مخاطر
تقليص الاونروا لخدماتها شارك فيها ممثلون عن لجان المعلمين ولجان الخدمات ولجان العاملين،
والذين يقدر عددهم في الاقاليم الخمسة بـ30 الف موظف، ممثلو اللجان بدورهم نقلوا مخاوفهم
وهواجسهم من عمليات التقليص، منبهين الى الجهود التي يبذلونها لمواجهة هذا التهديد
والذي يرتقي الى مستوى التهديد الوجودي للاونروا وما تمثله من رمزية للحفاظ على حق
العودة، وباعتبارهم يقفون في الخطوط الامامية في المواجهة والاكثر حساسية للتبدلات
التي تطرأ على عمل المنظمة، طالبوا الدول المضيفة والدول العربية التحرك للضغط لوقف
سياسة تقليص الخدمات التي تهدد اللاجئين الفلسطينين في اماكن وجودهم، وأكدوا أنهم سيتجهون
نحو مزيد من الفعل والنشاط لاثارة مسألة تقليص الخدمات.
فما يعانيه الاقليم والدول
العربية من موجات اللجوء في سوريا والعراق واليمن لا يعد مبررا لتقليص الخدمات بل حافز
لزيادتها، فآثاره لا تقتصر على اطراف الصراع بل امتدت الى اللاجئين الفلسطينين، وانعكس
سلبا على الخدمات المقدمة لهم وزاد من معاناتهم، فهم كغيرهم يعانون من التحولات الاقليمية
والاضطرابات السياسية، بل انهم الاكثر حساسية وهشاشة من ناحية قانونية وسياسية.
القصور في مواجهة التحديات
التي تواجهها الاونروا لا يفسر فقط من خلال البيئة الاقليمة والدولية المضطربة او أوليات
الدول العربية المتبدلة، بل تشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية من خلال بطء تحركها
وانعدام الفاعلية في أدائها،، وانشغالها عن مهماتها الاساسية في الدفاع عن حقوق اللاجئين،
وحقهم التاريخي والقانوني في العودة الى ارضهم والحفاظ على حقوقهم الاساسية والانسانية
في اماكن اللجوء، خصوصا في المناطق الاشد اضطرابا في غزة ولبنان وسورية، وهي تهديدات
متصاعدة كان لها تداعياتها حتى على اللاجئين في المناطق الاكثر استقرارا وامنا من خلال
تقليص الخدمات والرعاية.
يضاف الى هذه الحقائق تراجع
الجهود الشعبية الفلسطينية ايضا التي لم ترق لمستوى الحدث والخطر الذي يتهدد عمل الاونروا،
وما تمثله من رمزية فلا يزال التحرك خجولا، فاستنهاض المجتمع المدني الفلسطيني في كافة
اماكن اللجوء والشتات بات أمرا ملحا لوقف هذا التدحرج الخطر الذي قد يقود لانهاء عمل
الاونروا واختفائها في حال التخاذل والتقاعس والاستكانة، أمر أن ترك بالشكل الذي يتطور
فيه فانه سيشجع الدول المانحة والامم المتحدة ممثلة بموظفيها الكبار وعلى رأسهم بان
كي مون في احداث تعديلات خطيرة على عمل الاونروا، وسيعيد شبح اليمين الامريكي والكونغرس
المنحاز في واشنطن، لانهاء وتصفية وجودها.
ثبت تاريخيا ومن خلال استقراء
تاريخ الاونروا وعلاقتها وعلاقتها باللاجئ الفلسطيني ان نضال اللاجئين والمجتمع الفلسطيني
هو الاداة الفاعلة الوحيدة التي اسهمت في تطوير عمل الاونروا، وتعديل اهدافها، وتحويلها
من رمزية تحمل عنوان التوطين الى رمز وعنوان لحق العودة، فالخطر لا يكمن بالتحديات
التقليدية التي تواجهها الاونروا وانما نوعية الاستجابة المتغيرة والضعيفة التي تتعامل
مع هذه التحديات، وهنا يكمن الخطر ويكمن التحدي الحقيقي الذي يجب مواجهته.
المصدر: السبيل