القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

«الأونروا» تنشر القلق

«الأونروا» تنشر القلق

بقلم: يوسف رزقة

هل بقي في قوس الصبر منزع؟! هذا سؤال الصابرين المحتسبين في غزة المحاصرة. سؤال سأله موظف في الحكومة لأخيه وشقيقه موظف الوكالة (الأونروا)، بعد أن استفاض النقاش بينهما حول مصير وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) في غزة، ومستقبل رواتب الموظفين في هذ المؤسسة الأممية.

كان موظف الوكالة عضوًا في عائلة أو قل أسرة كبيرة العدد، يواسي بما يفيض عن حاجته من راتبه شقيقه موظف الحكومة، وشقيقته في الجامعة، ويدفع نفقات والدته المريضة. كانت العائلة تلوذ ببيت الصبر على مشاق الحياة وتزايد مصاريف أفرادها، وكان موظف الحكومة يلجأ إلى شقيقه ليعينه على مصاريف أسرته، واليوم بدأ يضرب أخماسًا في أسداس كما يقولون, بعد أن طحنه خبر غير مؤكد حتى الآن يقول: إن وكالة "الأونروا" ستوقف عمل المدارس ورواتب الموظفين لمدة أربعة أشهر هذا العام، إذا لم تتلقَ مائة مليون دولار من الدول المانحة في غضون أسابيع!.

لا مال في غزة، ولا مال في مصانع غزة، ولا في تجارة غزة، ولا في الوظائف الحكومية، ويبدو أن وكالة الغوث (الأونروا) تسير في طريق الآلام بخطى واهنة، إما لتراجع الدول المانحة لها تراجعًا حقيقيًّا، وإما لتراجع سياسي عند قيادتها الدولية وكأنها جزء من قرار تراجع تدريجي بهدف الانتهاء السلبي من ملف اللاجئين الفلسطينيين، كما تخطط لذلك (إسرائيل) والدوائر الصهيونية، التي ترى في وجود مؤسسة "الأونروا" تكريسًا لوجود ملف اللاجئين.

نحن نتكلم الآن في قضية ذات (بعد سياسي، وبعد اجتماعي، وبعد مالي) ، وجل أوراقها ووثائقها هو ملك حصري لقيادة الوكالة العتيدة، ولكننا نعيش القلق الذي يعيشه في هذه الأيام موظف الوكالة، وما يعيشه تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية وأسرهم من قلق على مستقبل أبنائهم أمام هذه التقليصات المحتملة، التي تعمدت قيادة الوكالة تسريبها في بعض اللقاءات الداخلية التي تدارست وضع الوكالة المالي، والتي لا يزيل قلقهم منها نفي الناطق الرسمي باسم الوكالة لوجود قرار في هذا الموضوع.

غزة لا تحتمل مثل هذه الاختبارات السياسية التي تتخفى بثوب المشاكل المالية، لأن قدرة مؤسسة "الأونروا" والأمم المتحدة على توفير الدعم المالي اللازم إذا ما تحركت التحرك المسؤول بين الدول المانحة عالية جدًا ولا ينافسها فيها منافس. حين تكون المشكلة مالية بحتة، فإن مؤسسات الأمم المتحدة هي أقدر المؤسسات العالمية على إيجاد حلول عاجلة لها، ولكن حين تكون المشكلة ذات أبعاد سياسية واجتماعية، فمن المؤكد أن تتجه بها السياسة نحو العسر والتعقيد.

مؤسسة "الأونروا" تأسست في عام ١٩٤٩م بسبب النكبة وحالة اللجوء، بقرار أممي ربط بين وجود هذه المؤسسة ووجود مشكلة اللاجئين, بحيث تنتهي أعمال المؤسسة مع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منها كرهًا بقوة السلاح والإرهاب الصهيوني. كان الإرهاب الصهيوني في عام ١٩٤٨ هو الإرهاب الأول المنظم تاريخيًّا في المنطقة العربية، والشرق الأوسط، قبل أن يعرف العالم "القاعدة" و"داعش".

جلّ المواطنين يقدرون دور "الأونروا" في رعاية اللاجئين صحيًّا وتعليميًّا واجتماعيًّا، ولكنهم يشكّون أيضًا في دور بعض قادة "الأونروا" السياسي، ويرون بعضهم عبئًا على المؤسسة نفسها، لأنهم يخلطون في عملهم بين السياسة ومتطلباتها، وبين واجبات العمل المختص برعاية اللاجئين، ولا يقومون بواجباتهم في توفير الدعم اللازم للمؤسسة. وإن كثرة شكواهم من الأزمة المالية الخانقة ليس علامة جيدة على دورهم في معالجة العجز والأزمة، الجودة عادة ترتبط بالحلول لا بالشكوى الإعلامية.

المصدر: فلسطين أون لاين