الأونروا وسياسة
الخطوة خطوة؟!
بقلم: ماهر حسن
شاويش*
خطوة تقليص الخدمات
الصحية التي اتخذتها الأونروا في لبنان، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ضمن مسلسل تراجع
الخدمات الذي انتهجته الأونروا بنحو مدروس وممنهج، في سياق تنفيذ سياسة الخطوة خطوة
لكي تصل إلى هدف نهائي بقصد أو بغير قصد. فسلسلة الخطوات المتَّبَعة من قبلها تخدم
هدفاً وأجندة مرسومة، سواء أكانت الأونروا طرفاً فيها أم أداة. وما يجعلنا نصنّفها
في خانة الشريك ليس نيات مبيَّتة أو تفكيراً رغائبياً. فنحن نتعاطى مع الأونروا على
قاعدة أننا نختلف معها ولا نختلف عليها، وإنما ذلك بمتابعة حثيثة لسلوك هذه المؤسسة
منذ التأسيس والنشأة التي باتت محل شكوك وموضع استفهام، في ظل مجريات وأحداث تواترت
تحديداً في الآونة الأخيرة، مقترنة بممارسات على الأرض بالتوازي مع أصعب وأحلك الظروف
التي يمرّ بها اللاجئ الفلسطيني في مناطق عمليات الأونروا الخمس، والتي تفرض عليها
نوعاً مختلفاً من برامج الاستجابة السريعة والعاجلة، تماشياً مع ثلاث حروب خاضها قطاع
غزة، وما ترتب على ذلك من آثار كارثية على بناه التحتية، وما يتعرض له فلسطينيو سورية،
في ظل أزمة غير مسبوقة عصفت بهم، ولا تزال، منذ خمس سنوات. وليس بعيداً عن ذلك حالة
عدم الاستقرار التي يعيشها لبنان، وما يعكسه ذلك على لاجئيه من اضطرابات وخضّات أمنية
واقتصادية خانقة وتقلبات مجتمعية بنيوية دون تجاهل ظروف اللاجئين الفلسطينيين في الأردن
ومعاناتهم المستمرة، وكذا الاحتلال الجاثم على صدور أبناء شعبنا الفلسطيني في مخيمات
الضفة الغربية، وتوسعه الاستيطاني، وبناؤه لجدار الفصل العنصري ومفرزات ذلك كله ونتائجه
على الوضع المعيشي لهم.
مأسوية المشهد
العام لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في هذه الجغرافيات المتعددة تفرض طبيعياً تحركاً
من نوع خاص للأونروا، الجهة الدولية المسؤولة عنهم بالدرجة الأولى. لكنّ المتابع لخطوات
الأونروا ومسلكياتها، لا يمكنه إلا أن يستنتج دوراً يكتنفه الغموض واللبس إذا أحسنّا
النيات بعيداً عن نظرية المؤامرة. فيما نحن مضطرون ـ بفعل هذه الخطوات التي تعاكس وتخالف
ردود الفعل الطبيعية على الأوضاع التي ذكرناها للاجئين الفلسطينين ـ إلى قراءة مختلفة
لهذا النهج لمؤسسة أُنشئت بهدف إغاثة هؤلاء اللاجئين وتشغيلهم إلى حين عودتهم إلى ديارهم
التي هُجروا منها تحت وطأة مجازر وإرهاب منظم.
سياسة الخطوة خطوة
التي تنفذها الأونروا، بحيث تترك اللاجئ فترة من الزمن لتعوِّده هذه الخطوة وتبعاتها،
حتى إذا اعتادها وأصبحت واقعاً عادياً مفروضاً عليه، انتقلت إلى الخطوة التي تليها
وفق أسلوب التدرج، بحيث لا يكون الهدف النهائي هو المعلن دفعة واحدة، باتت سياسة مكشوفة
ومفضوحة لا يمكن أن تنطلي على اللاجئ الفلسطيني، ولا يجوز لها ذلك. وقد ظهر ذلك جلياً
في حجم الحراك وردّ الفعل الواضح في مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
على الخطوة الأخيرة للأونروا، وهذا ما يشكل حقيقة نقلة نوعية وسلوكاً مهماً في شكل
ومضمون الحراك المطلوب ضد هذه السياسة، وهو ما ينبغي أن يستمر ويتطور تراكمياً -دون
أن يقتصر ذلك على لبنان- ضمن خطوات مدروسة تتناسب وحجم تبعات قرارات الأونروا وانعكاسها
السلبي على واقعهم، ولم يعد مقبولاَ الركون لحلول ترقيعية ومسكِّنات ألم على شاكلة
دواء البانادول، العلاج شبه الوحيد في عيادات ومستوصفات الأونروا المستخدم لكل أمراضهم
وأوجاعهم؟!
حالة الوعي الجمعي
لدى شعبنا في مختلف أماكن وجوده لما يُحاك ضده تتطلب نوعاً خاصاً من الانسجام معه،
من قبل صانع القرار الفلسطيني دونما تأخر أو تردد، وإلا فإن ذلك يُعَدّ نكوصاً وتراجعاً
يستحق المحاسبة ويتطلب وقفة حازمة، لأن المستهدف هو حق العودة، جوهر القضية الفلسطينية
وعنوانها الأساس، وذلك عبر ضرب مقومات صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في بيئاته الحاضنة
وتحويلها إلى بيئات طاردة بامتياز، ليكون اللاجئ وقوداً لبرامج التهجير، ولقمةً سائغة
لمافيات الهجرة وقوارب الموت.
*كاتب وصحفي فلسطيني