القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الإعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، رؤية نقدية قانونية بالعموم

الإعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، رؤية نقدية قانونية بالعموم

الدكتور محمد المجذوب

هناك اليوم حملة يقودها بعض العرب وترمي الى انتراع اعتراف من الجمعية العامة للامم المتحدة بكيان فلسطيني مستقل يضم جزءا يسيرا او ما تيسر من ارض فلسطين المحتلة وقادة الحملة يدركون ان قيام كيان فلسطيني على جزء من ارض فلسطين يستتبع الاعتراف العربي بشرعية الكيان الصهيوني ويتضمن تخليا نهائيا عن الاجزاء الباقية من ارض فلسطين التي احتلها عدو شرس زرع في قلب الوطن العربي بالتواطؤ مع قوى غربية استعمارية تخشى منذ وصول العرب الى الاندلس وفشل الحملات المغولية والصليبية وتفوق العرب في مختلف فنون المعرفة تخشى صحوة العرب ونهضتهم من جديد. هذه الحملة اليوم حملة الاعتراف بالدولة الفلسطينية تطرح العديد من الاسئلة المتعلقة بالاغراض والتداعيات والنتائج ، كيف تقبل دولة جديدة في عضوية الامم المتحدة؟ ما هي اجراءات القبول بالعضوية الاممية؟ يتعين على الدولة التي ترغب في ان تصبح عضوا في الامم المتحدة ان تقدم طلبا بذلك الى الامين العام للامم المتحدة يحوي على تصريح رسمي منها يعلن قبولها بالالتزامات التي يتضمنها ميثاق الامم المتحدة، الامين العام يحول الطلب الى مجلس الامن ومجلس الامن احيانا يشكل لجنة لفحص هذا الامر او احيانا يعتمد على نفسه ويفحص طلب الانتساب ويقرر ما اذا كانت الدول المرشحة للعضوية هي حقا دولة مستقلة ومحبة للسلام وقادرة على الايفاء بالتزاماتها التي ينص عليها الميثاق وراغبة في تنفيذها، والمجلس هو الذي يقرر بالتالي ما اذا كان من المناسب والملائم ان يصدر توصية للجمعية العامة بقبولها فاذا قرر المجلس اصدار توصية بالقبول حوِّل الى الجمعية العامة توصية مرفقة بالبيان عن المناقشات التي دارت حول الموضوع واذا قرر عدم اصدار توصية او قرر تاجيل الطلب قدم ايضا الى الجمعية العامة تقريرا خاصا مرفقا ببيان عن المناقشات وعلى المجلس ان يقدم توصية له قبل 25 يوما على الاقل من بداية الدورة العادية للجمعية العامة ويجري التصويت في مجلس الامن يلي التصويت بالقبول باغلبية تسعة اصوات على الاقل بشرط ان يكون من بينها اصوات خمسة الدول الكبار الدائمين في مجلس الامن.

اما في الجمعية العامة فقرار القبول يجب ان يحظى باغلبية ثلثي الاعضاء الحاضرين والمشتركين في التصويت. تلك هي القواعد والاصول التي يجب ان تتبع لتصبح دولة ما عضوا في الامم المتحدة. فهل هذه الاصول متوفرة في المشروع المقترح لضم دولة فلسطينية مكونة من الضفة وغزة الى عضوية الامم المتحدة؟ ان التساؤلات التي تثيرها الحملة الرامية الى عرض الامر على الجمعية العام للامم المتحدة وانتزاع اقرار منها باهلية الدولة الفلسطينية المقترحة للانضمام الى العضوية الاممية يصطدم بالقواعد والاعراف والسوابق الدولية المعروفة فالدول التي انضمت الى عضوية الامم المتحدة، بعد تاسيسها في العام 45 خضعت للاصول التي اشرنا اليها اي لصدور توصية بالقبول من مجلس الامن وموافقة من الجمعية العامة للامم المتحدة وقد اضطرت الدول الكبرى رغم تاييدها العارم لاسرائيل عندما قدمت طلبها او ترشحت لعضوية الامم المتحدة اضطرت الى اتباع هذه الاصول وارعمت عشرات الدول التي نالت استقلالها بعد انشاء الامم المتحدة على الانتظار سنوات قبل الانضمام الى المنظمة العالية بسبب اختلاف الكبار وعدم صدور توصية من مجلس الامن. فعلى سبيل المثال الاردن بقي عشرة سنوات لم ينضم الى الامم المتحدة كعضو لان بعض الدول خصوصا الاتحاد السوفياتي اتسعمل حق النقض الفيتو. الاجتهاد الدولي الممثل بمحكمة العدل الدولية يؤكد وجوب التزام الاصول المذكورة. في العام 49 طلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية استشارة حول ما اذا كان يجوز للجمعية العامة ان تصدر قرارا بقبول عضو جديد في الامم المتحدة عند امتناع مجلس الامن عن اصدار التوصية بالقبول سواء كان ذلك بسبب عدم توافر الاغلبية المطلوبة او استعمال احد الاعضاء الدائمين حق النقض للاعتراض على توصية المجلس بالقبول.

المحكمة اجابت في 3/3/1950 بالنفي واعتبرت ان توصية المجلس السابقة شرط اساسي لصدور قرار الجمعية بالقبول وكانت الجمعية قد طلبت من المحكمة قبل ذلك فتوى حول الشروط التي يجب ان تتوفر في الدول طالبة العضوية اجابت المحكمة في عام 1948 بان هناك شروط هي ان تكون دولة مستقلة وان تكون محبة للسلام وان تقبل التزامات الميثاق وان ترى المنظمة العالية ان الدولة قادرة على الايفاء بالتزامات الميثاق وان تكون الدولة راغبة في تنفيذ هذه الاتفاقات.

باعتقادنا ان الشرط الاول اي استقلال الدولة هو الشرط الاهم والاوضح في حين ان الشروط الاخرى يكتنفها الغموض ولا يخضع لمعايير واضحة ودقيقة اذ ما هو تحديد معيار مثلا دولة محبة للسلام؟ او معيار الالتزامات زوالقبول والتنفيذ، اذا شرط الاستقلال هو الاهم فهل تستوفي الدولة الفلسطينية المقترحة الشروط المطلوبة من الدولة المستقلة؟ الدولة بمفهومها الحديث تتكون من ثلاثة عناصر الشعب والاقليم والتنظيم السياسي ولنشوء الدولة طرق مختلفة فمن الصعب اخضاعها للتصنيف العلمي الدقيق وقد تنشا الدولة من عدم هذه الطريقة واصبح اليوم نادرة آخر الامثلة عليها نشوء دولة ليبيريا عام 1822 التي كانت في البداية تجمعا للارقاء المحررين الذين نقلوا من الولايات المتحدة الى الساحل الغربي لافريقيا لمساعدة جمعية انسانية لتحرير العبيد وقد يكون نشوء الدولة نتيجة تفكك او انحلال بعض الدول او انضمام بعضها الى البعض الاخر يتم ذلك اما بقيام ثورة انفصالية واما بانفصال دولة او اكثر عن اتحاد ملكي واما بتفسخ دول او امبراطوريات على اثر حرب عالمية او اهلية او في اعقاب انهيار سياسي او عقائدي واما بانقسام دولة موحدة على نفسها بسبب عوامل او خلافات داخلية واما بتقسيم دولة بفعل الاستعمار او الهزيمة او الانتقام او الرغبة في التشفي والاذلال واما بانفصال دولة او اكثر عن نظام تعاهدي (كونفيديرالي) او اتحادي (فدرالي). واما باجراء استفتاء في اقليم خاضع للاستعمار او التبعية واختيار سكانه للاستقلال، واما بانضمام دولتين او اكثر الى بعضها البعض وتكوين دولة واحدة واما نتيجة لتنفيذ صك قانوني داخلي او خارجي واما نتيجة قرار صادر عن مؤتمر دولي.

والحديث عن استقلال الدولة والاعتراف بها يطرح عدة تساؤلات منها هل ينطبق احدى هذه الطرق التي اتينا على ذكرها والمتعلقة بكيفية نشوء الدولة على الدولة الفلسطينية المقترحة؟ هل تعتبر هذه الدولة جزء من دولة انقسمت على نفسها؟ هل جرى استفتاء لمعرفة رغبات السكان فيها؟ هل جميع السكان هم الذين اختاروا بحرية انشاء دولتين في وطنهما المشترك كما جرى في تشيكوسلوفاكيا او الامبراطورية النمساوية المجرية ومملكة اسوج والنروج وباكستان بعد انفصال بنغلادش والسودان اخيرا بعد انفصال الجنوب؟ نجيب بالنفي طبعا فدولة فلسطين المقترحة حاليا، لم تكن يوما جزء من دولة اكبر ناضلت من اجل الانفصال عنها. ووضعها القانوني كان حقا ومنذ البادية وضعا غريبا او مستغربا يستعصى احيانا على الفهم والتحليل، ففلسطين كانت مع كل المناطق في المشرق العربي ولعدة قرون اقاليم تابعة للامبراطورية العثمانية، بعد انهيار الامبراطورية في نهاية الحرب العالمية الاولى، تقاسمت بريطانيا وفرنسا تلك الاقاليم وانشات فيها وبشكل عشوائي كيانات خاضعة لنظام الانتداب ومع ان هذه الكيانات نالت استقلالها في الاربعينيات من القرن الماضي فان المؤامرة الغربية الكبرى استثنت فلسطين وقضت في ظل وعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو بتقسيمها الى دولتين يهودية وعربية واستعملت شتى وسائل الخداع والتزوير لادخال اسرائيل في الامم المتحدة ثم مساعدتها على احتلال الضفة وغزة والسماح لها بانشاء المستعمرات فيها والتحكم في علاقاتها البحرية والبرية والمعيشية وفرض العملة الاسرائيليةعلى معاملاتها التجارية واستعمال العنف والبطش ضد السكان العرب فيها.

هل التنازل عن اي ارض عربية من صلاحية جيل او نظام او حاكم عربي؟ هل يعتبر اعتراف الانظمة العربية باسرائيل تصرفا ملزما للامة العربية؟ الصراع القائم بين العرب والاسرائيليين ليس نزاعا عاديا بين دولة ودولة او بين الدول العربية واسرائيل انه صراع قومي تمثل في الامة العربية وبتاريخها الطويل وتراثها الحضاري وثقلها البشري وثرواتها وامكاناتها الهائلة تمثل احد اطرافها، ولهذا فانه لا يمكن ان يحل بالقوانين والقرارات والمؤتمرات والمباحثات والتنازلات واذا كانت الامة العربية باسرها طرفا في هذا الصراع المتعلق بمصيرها طبعا فان كل محاولة لادخال اي تعديل على وضع هذا الصراع ومساره يجب ان يتم برضاها وهذا يعني انه ليس بوسع اي حاكم او نظام عربي مهما يعلو شانه وتتكدس انجازاته وخدماته ان يتصرف بمصير اي قضية قومية دون الرجوع الى الامة والامة العربية وليس الحكام وحدهم، فالامة هي التي رفضت ومنذ البداية زرع الوجود الصهيوني فيقلب الوطن العربي. ان الامة العربية وليس الانظمة السياسية وحدها وهي التي رفضت الهزيمة والاستسلام وتحملت صبر ايوب في ايام الشدائد ورضيت بالصمود في احلك الساعات. ان الامة العربية الواحدة ضمير ومصيرا وليست دولها المتعددة والمتنافرة هي التي فرضت مبدا اللاءات الثلاثة في مؤتمر القمم العربية ولهذا فان التخلي عن هذا المبدا لا يمكن ان يتم الا بارادتها الحرة.

ان الوضع القائم بين العرب والاسرائيييلن ليس خلافا على حدود المستعمرات ان الامر اعمق من ذلك بكثير انه يتعلق بصميم الوجود المصيري للامة ولهذا فان التخلي عن جزء من ارض الامة ليس عملا من اختصاص الحكام انه من صميم صلاحيات والتخلي لا يصبح عملا مشروعا ومقبولا الا عندما تتوافق عليه الامة بمحض ارادتها وكامل وعيها السياسي. واستنادا الى هذا المبدأ فان كل اعتراف بحق الصهيونيين في احتلال ارض عربية هو خروج عن ارادة الامة، وبما ان الشعب الفلسطيني جزء مهم لا يتجزا من الامة العربية فان معرفة رايه او راي الغالبية فيه يصبح امرا واجبا ومع ذلك فاننا نؤكد ان رايه وحده ليس بكاف او ملزم اولا لان هذا الشعب متضامن ومتكامل ومتلائم مع اشقائه العرب وثانيا لان طبيعة الصراع القومي تعنيه بقدر ما تعني امته كلها وثالثا لان الخطر الذي يتعرض له لن يقف عند حدود بلده بل سيتعداها الى بقية الاقطار العربية. ان الشعوب عادة تستفتى لتقرير امور في غاية البساطة كتغيير وجهة السير من اليسار الى اليمين او ادخال تغييرات طفيفة على تغييرات ادارية، افلا يحق للامة التي اغتصبت جزء عزيز من ارضها ان تفصح في استفتاء شعبي ديموقراطي عن رايها في دعوة البعض الى الاعتراف بعدوها والتخلي له عن جزء من اراضيها؟

ورقة مقدمة في ورشة عمل "اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة: "بين اتفاق أوسلو والإعتراف بالدولة الفلسطينية، مراجعة سياسية وقانونية"، بيروت الاثنين 12 ايلول 2011، فندق الكومودور