الإعلام عندما يصبح لعبة أولاد يقودها هواة
عن تغطية تلفزيون الجديد للاشتباكات في طريق الجديدة
بعد تشييع اللواء الحسن
بقلم: أنيس محسن
من يستمع إلى تغطية تلفزيون "الجديد"
ليل الأحد – الإثنين 22/10/2012، للاشتباكات التي شهدتها طريق الجديدة في بيروت، يقتنع
بأن حرباً أهلية قد اندلعت، وأن الصباح سيكشف عن دمار رهيب، وبالتالي لا مدارس ولا
أشغال ولا حياة في العاصمة!
الحوار كان بين "مراسل" تلفزيون
"الجديد" و"المذيعة" – المكان: طريق الجديدة. الزمان: بعد منتصف
ليل ا لأحد – الإثنين 22/10/2012 على شاشة "الجديد".
المراسل ينقل مشاهداته، ويلعب دور المراسل الحربي:
"معارك عنيفة تدور على محور الجامعة العربية (كلية الهندسة) – مبنى كلية الإعلام
السابق في الجامعة اللبنانية مقابل الجامعة العربية وبمحاذاة نقابة المهندسين، خلف
تعاونيات لبنان..الخ. يسمع المراسل صوت انفجارات ويؤكد أن سلاحا خفيفا ومتوسطا، وربما
ثقيلا يستخدم في المعركة وهي باتجاه واحد من كلية الهندسة – الجامعة العربية (التي
يسيطر عليها انصار تيار المستقبل) باتجاه الكولا والمبنى القديم لكلية الإعلام – الجامعة
اللبنانية (حيث ثمة وجود لحركة أمل). المراسل نفسه ينقل عن شهود عيان يشكلون مصدرا
موثوقا له ان اشتباكات تدور في الشياح.. مصدر اطلاق انار مخيم صبرا!! وقد دخل سلاح
ثقيل على ساح المعركة عبارة عن رشاش مضاد للطائرات عيار 23 ملم. الفلسطينيون (السنّة)
[بالتأكيد] دخلوا [الى جانب انصار "المستقبل" (السنّة أيضا)] المعركة، بدليل
استخدام هذا السلاح الثقيل... المذيعة تردد صدى معلومات المراسل، وتنقل عن مصادر خاصة
بـ’الجديد’ دخول فلسطينيي صبرا المعركة بسلاح ثقيل". [هذا هو مضمون الحوار الذي
كان يدور بين المراسل والمذيعة على مدى أكثر من ساعة، (وهو ليس نصاً دقيقاً وحرفياً)]
ننهض صباح الإثنين 22/10/2012، على باب الله نحو
أعمالنا، بالطبع حركة الشارع في بيروت خفيفة، فاليوم السابق شهد تشييع رئيس فرع المعلومات
في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن، وما رافقه من توتر أمام مقر الحكومة (السراي
الكبير) في وسط بيروت (ساحة رياض الصلح). لكن لا حرائق ولا قتلى ولا سيارات مدمرة في
الشوارع.. والتلاميذ يتأبطون هذا الكم الهائل من الكتب والكراسات اليومية في حقائبهم
ويسيرون محنيّو الظهور من ثقل ما يحملونه.. سيراً باتجاه المدارس القريبة، أو انتظاراً
للحافلات التي ستنقلهم الى المدارس البعيدة.
لكن لا حرائق ولا قتلى في الشوارع، والسيارات نظيفة
تماما، لا بقايا معارك عليها.. سوى أن الوجوه مقفهرة "قرفاً" مما يحدث في
"سويسرا الشرق".
اذا، إما أن الناس تآمروا ونظّفوا آثار المعركة
عن سياراتهم وبيوتهم ومن الشوارع التي لا أثر لركام الدمار فيها، أو أن "الجديد"،
للأسف: كاذب!!.
بالطبع، بالنسبة لي، كوني صحفي "عتيق"
وقد غطيت معارك عسكرية عندما كنت بعمر مراسل "الجديد" (الحربي)، بل وكوني
من جيل خبر واختبر الحرب الأهلية وحروب الإسرائيليين على لبنان، لم اكن محتاجاً إلى
انتظار الصباح لأدرك أن ما كان يذاع ليلاً لم يكن سوى مثالا آخر على تهافت الإعلام..
واعلاميي "المرئي والمسموع" الجدد.
ما كنا نسمع من إطلاق نار، لم يتعد بالتأكيد السلاح
المتوسط، أي الـ"بي كي سي"، حداً أقصى، وهو بغالبيته سلاح خفيف يتراوح بين
كلاشنكوف وM16 وربما "ناتو فال".
ثم أن من يعرف صبرا وشاتيلا، ديموغرافيا وجغرافيا
الآن، لا يحتاج إلى إجراء اتصالات ميدانية ليعي أن المخيم [المشهور بالمجزرة الإسرائيلية
المرتكبة فيه في العام 1982 وحصاره الذي دام عامين 1986 – 1987 على يد حركة "أمل"]،
بات ساكنوه الفلسطينيون أقلية ليس في المحيط، انما في الداخل، حيث بعض من فقراء لبنان
والعمال السوريين والعمال الأجانب يشكلون غالبية في هذا المخيم. كما أنه جغرافيا لم
يعد متصلاً بشكل مباشر مع الضواحي والأحياء التي يسكنها شيعة لبنانيون (فيما عدا منطقة
الحرش البعيدة عمليا وجغرافيا عن المدينة الرياضية وكذلك الشياح) بل مع أحياء يسكنها
لبنانيون سنّة.
ومن يعرف قليلاً التاريخ الحديث جدا في لبنان، والذي
لا يحتاج الى تدوين كونه لم يمض عليه زمن كي يصبح تاريخا مدونا، يعرف أن المخيمات،
وخصوصا مخيمات بيروت، ليس فيها أي سلاح ثقيل، كونها كانت قد بادرت بعد اتفاق الطائف
الى تسليم سلاحها، بعدما انسحب المقاتلون الفلسطينيون من كل المواقع خارج المخيمات
وسلموا طوعا كل سلاح كان بحوزتهم، الى الجيش اللبناني في شرق صيدا، ومن داخل مخيمات
بيروت تم تسليم السلاح اما الى الجيش اللبناني او الى "حزب الله" [بعض الفصائل،
كما استطيع أن أؤكد نقلا عن نفسي وليس عن أحد اخر، قد سلمت سلاحها الثقيل وما كانت
تملكه من متفجرات الى "حزب الله"].
السؤال الذي يمكن أن يطرحه من لا يعرف "تضاريس"
الإعلام في لبنان في هذه الأيام، هو: هل ثمة تحريض وراء ما كان "الجديد"
يذيعه ليل الأحد – الإثنين، بقصد توريط الفلسطينيين في الأمر، أو خلق فتنة سنّية –
شيعية؟
أستطيع الإجابة بضمير مرتاح، نفياً، بـ"لا".
إذاً، لماذا تورط "الجديد" بهذا الهراء؟...
الإجابة بسيطة جداً: بما أن ألإعلام أصبح لعبة أولاد
يقودها هواة، اختلط أمر "السبق الصحافي" على هؤلاء، مع مبدأ التدقيق في المعلومات
قبل بثها، وهو أمر ليس جديداً البتة، فلم يمض كثيراً على حادثة إعلان "الجديد"
و"LBC" مقتل المخطوفين اللبنانيين في سوريا، وهو
ما تسبب في فوضى أمنية كبيرة في حينه، وغيرها من أخبار تبث من المراسل/ة، الجاهل/ة
مباشرة للمستمعين/المشاهدين.
صورة كاريكاتورية
الحوار الذي كان يدور بين المراسل والمذيعة، لم
يكن بين الميدان وغرفة التحرير، انما من المبنى نفسه. المراسل على سطح مبنى تلفزيون
"الجديد" في شارع جبل العرب في محلة وطى المصيطبة، الذي يبعد نحو كيلومتر
واحد تقريبا عن المدينة الرياضية وليس على تماس ابداً مع منطقة الشياح، أما غرفة التحرير
فهي في المبنى نفسه على بعد نحو 5 طبقات، فقط!!
.... عيب!!!!!!!!!!