القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الإقليم نحو صفقات إلا بين الفلسطينيين...!

الإقليم نحو صفقات إلا بين الفلسطينيين...!

أكرم عطا الله

يبدو أنه بات من شبه المؤكد لـ"إسرائيل" أن المعارضة السورية المسلحة لن تتمكن من الإطاحة بالرئيس السوري بعد التسريب عن اتفاق روسي أمريكي على بقائه في السلطة، ويبدو أيضاً أن الوسيط الفلسطيني كما تناقلت وسائل الإعلام الذي زار دمشق مؤخراً يحمل رسالة أمير قطر الجديد الذي يرغب بفتح صفحة جديدة مع الرئيس الأسد يؤكد ذلك، فالإمارة الصغيرة هي التي وضعت كل ثقلها في مواجهة النظام في سورية وتكلفت بدعم المعارضة بالسلاح حتى وصلت المبالغ المدفوعة إلى ثلاثة مليارات دولار وحملت ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن في محاولة منها لاستدعاء "الناتو" إلى دمشق في ظل استنفار أجهزة الدعاية القطرية ممثلة بالجزيرة وانتهاء بتوظيف رجال الدين.

إن صدق الحديث عن وساطة فلسطينية بين قطر وسورية هذا يعني تغييراً كبيراً في مسار المنطقة فإمارة قطر هي الترمومتر السياسي الذي يقاس من خلاله توجهات الدول الكبرى في المنطقة بشكل بدا واضحاً خلال السنوات الأخيرة، وهذه الدول لا تنفصل مصالحها عن المصلحة الإسرائيلية وأكثر وضوحاً بعد تنازل الرئيس السوري عن ترسانته الكيماوية وهي التي حاولت دمشق من خلالها إحداث توازن مقابل النووي الإسرائيلي. حين اكتشف أن كل القصة في سورية هي الترسانة الكيماوية التي تشكل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي وليست قصة حرية وديمقراطية وفي معركة تجريد سورية من سلاحها استخدم المال العربي والنفط العربي والإعلام العربي والفتاوى الدينية والتي باتت تتراجع جميعها بعد الاستسلام السوري والصفقة التي قدم خلالها كل التنازلات لضمان التفوق الإسرائيلي.

لست هنا بصدد تقييم الدور العربي بالتحديد الخليجي والقطري كأدوات مستخدمة في حروب الكبار وإن كان هذا يتكرر مرة أخرى بعد الحرب الأمريكية على الاتحاد السوفيتي قبل ثلث قرن حين استخدمت الولايات المتحدة في حربها المال العربي والنفط العربي، وكان يتقدم كل ذلك على الفتاوى الدينية التي طبعت في كتب كانت تنتشر مدعومة في الأسواق العربية، تلك الحرب التي نشر عنها الكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل ملخصاً كل أسرارها في كتيب شهير كان عنوانه "واشنطن تؤذن للجهاد في كابول". فإذا كان الأمر كذلك بعد صفقة الكيماوي السورية التي نزعت أنياب النظام أمام الأمن الإسرائيلي هل يحق لنا القياس بالقول، إن "إسرائيل كانت تؤذن للجهاد في دمشق"؟ وكان لها أئمة ورجال فتوى حاولوا بكل جهدهم ونجحوا في محاصرة النظام لتكون الصفقة التي صفقت لها "إسرائيل"؟

لكن الأهم هنا هو أن الدول الكبرى و"إسرائيل" اكتفت على ما يبدو مما انتزعته من سورية وبات لا مشكلة في بقاء الرئيس الأسد وهكذا تبدأ تغيرات مواقف الدول الهامشية في حروب ومصالح الدول الكبرى ومنها دول الخليج التي باتت على أبواب هذا التغيير في سياستها حين يقرر اللاعبون الرئيسيون قبولهم بالصفقة السورية. تغير المواقف هو ما يمكن قراءته في رسالة الوساطة الفلسطينية بين قطر وسورية وإذا ما تم هذا الأمر فإنه يعني إسدال الستار على آخر فصول الربيع العربي بعد هذا التدمير الذاتي الذي لحق بهم ليس فقط في عدد ضحايا موجة العنف التي ضربت المنطقة أملا في التغيير، بل أيضاً يجري الحديث عن خسارة المال العربي لما يقارب 800 مليار دولار وهو رقم كبير قياساً بالإنتاج القومي العربي بالإضافة لتدمير هذا الإرث الحضاري والتاريخي والأهم تدمير التعايش بين الطوائف والمذاهب وتسعير العنصرية بما يمكن أن يقضي على حلم الدول الوطنية وإن اختفت هذه الصراعات لكن ما دار في الإقليم خلال الأعوام الثلاثة الماضية أعاد إنتاج قدر هائل منها فقد انكسر الأساس لمكون الدولة الحديثة في العالم العربي.

لقد دمرت سورية سواء بقي الأسد أم رحل سواء بالمعنى المادي وتكلفة التدمير وإعادة الإعمار التي ستغرق بها لو توقفت الحرب لعقود قادمة وحجم المديونيات وثمنها السياسي، أما على صعيد التدمير الثقافي وتحلل الجماعة الوطنية إلى مجموعات طائفية بينها من العداء ما هو أكبر مما هو مشترك لإعادة تشكيل الدولة ولكن من الواضح أن الأمور تسير باتجاه تهدئة أنتجتها الصفقة الأخيرة بين كل أطراف الصراع الدولية والإقليمية والمحلية. وبالمقابل يبدو أن التجارب الأمريكية الأخيرة في حربي العراق وأفغانستان أحدثت نوعاً من ردع الاندفاع الأمريكي تجاه الحروب ويضاف إليها الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي تمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما من إخراجها من العناية المركزة إلى أسرة المستشفى، ولكنها لم تخرج منه بعد وتتعرض بين الحين والآخر لانتكاسات أبرزها الأزمة الأخيرة بعدم إقرار الموازنة واتباع سياسات تقشفية طالت ميزانية وزارة الدفاع، كل هذا جعل شهية الولايات المتحدة أميل للصفقات والتسويات منها للحروب، الأمر يسير بهذا الاتجاه بين الولايات المتحدة وإيران منذ اجتماعات الأمم المتحدة ويبدو أننا أمام صفقة أخرى.

ومع حلم الولايات المتحدة بمفاوضات جدية من الفلسطينيين والإسرائيليين وعدم قراءتها للنوايا والألاعيب الإسرائيلية لكن تبقى رغبتها بصفقة تنهي هذا الصراع الذي تعتبره سبباً رئيسياً لأزمات المنطقة وأن استمراره سيؤثر على استمرار "إسرائيل" كدولة ويضع تحديات أمام هويتها التي يتعامى عنها اليمين الإسرائيلي المسكون بالحروب التوسعية التوراتية ومن الواضح أن مصر تتجه نحو تهدئة أكبر وهي تسير باتجاه تنفيذ خارطة الطريق التي تضمن في النهاية إجراء الانتخابات ولا أعتقد أن الانتخابات يمكن أن تجري دون اتفاق يضمن حضور الإخوان المسلمين كجزء من المشهد السياسي المصري وليس بالضرورة أن تعود لتصدر هذا المشهد ولكن هذا الأمر يحتاج إلى صفقة.

إذن، المنطقة كلها تغادر ما أرادت أن تسميه الربيع العربي نحو صيف ربما يكون أفضل أو على الأقل يكون أهدأ من هذا الجنون الذي اجتاحها فجأة، ويبقى الحديث في ظل حالة التأمل هذه في الإقليم ونحن على أبواب عيد الأضحى وهو العيد السابع الذي يمر في ظل الانقسام يحق لكل فلسطيني وهو يرى ألد الأعداء يبحثون عن قواسم مشتركة للاتفاق على مستوى الإقليم والعالم أليس من حقه أن يرى صفقة فلسطينية بين الإخوة الذين أداروا صراعاً دموياً على السلطة؟.

الأيام، رام الله، 13/10/2013