الانتفاضة تشهد تقدّم
الفصائل الفلسطينيّة أو تراجعها
بقلم: عدنان أبو عامر
حتّى اللحظة، ترفض
الفصائل الفلسطينيّة تبنّي الانتفاضة الدائرة في الأراضي المحتلّة منذ بداية تشرين
الأوّل/أكتوبر الحاليّ، وربّما تفضّل إبقاء البعد العفويّ والطابع الشعبيّ لها، من
دون توجيهها عبر قيادة ميدانيّة مناطقيّة أو سياسيّة تنظيميّة، رغم الدعوات
المتزايدة من بعض الجهات الفلسطينيّة إلى تشكيل القيادة المطلوبة للانتفاضة.
تقدّم وتراجع
ويأتي ذلك بالتّزامن مع
نشر المركز الفلسطينيّ للبحوث السياسيّة والمسحيّة في رام الله بـ6 من الشهر
الجاري نتائج استطلاع الرأي الفلسطينيّ، وأشارت إلى تراجع شعبيّة "فتح"
في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، بنسبة 35% بعد أن كانت قبل 3 أشهر 39%، في حين
ارتفعت شعبيّة "حماس" بشكل ملحوظ في الضفّة، بنسبة 39% بعد أن كانت 35%
قبل 3 أشهر، وتراجعت قليلاً في غزّة فبلغت 34% بعد أن كانت 39% قبل 3 أشهر أيضاً.
وفي هذا السّياق، قال
المسؤول الإعلاميّ في "حماس" رأفت مرّة لـ"المونيتور":
"إنّ حماس حقّقت جملة إنجازات سياسيّة من الانتفاضة، وهي تعمل على إشعالها،
لأنّها دليل على فشل السلطة الفلسطينيّة. وقد رأينا مجموعات فتحاويّة هتفت مؤخّراً
في الضفة تطالب كتائب عز الدين القسام الجناح العسكريّ لحماس، بالانتقام من
الاحتلال الإسرائيليّ. كما أكّدت الانتفاضة وحدة الشعب والأرض والقضيّة، وهذا مكسب
إضافيّ لمشروع حماس السياسيّ. ولذلك، استفادت حماس شعبيّاً وسياسيّاً وإعلاميّاً
من الانتفاضة".
ومن جهته، رفض عضو
المجلس لثوريّ لـ"فتح" سفيان أبو زايدة في حديثه
لـ"المونيتور"، الحديث عن تقدّم أو تراجع شعبيّة الفصائل الفلسطينيّة،
وقال: "ليس هناك تعريف حتّى الآن متّفق عليه بين الفصائل لوصف ما يجري من
أحداث فلسطينيّة، وأكثر ما يميّزها حتّى الآن أنّ التّنظيمات الفلسطينيّة تقف خلف
المواجهات، وليس في مقدّمتها، كما حدث منذ بداية الإنتفاضتين الأولى 1987، والثانية
2000".
ويبدو ملفتاً بعد مرور
أكثر من 20 يوماً على اندلاع المواجهات الفلسطينيّة -الإسرائيليّة، أنّ الفصائل
الفلسطينيّة لم تتّفق على اسم موحّد للأحداث الجارية، كدليل على عدم اتفاقها على
طبيعة الانتفاضة وأهدافها ومداها الزمنيّ، علماً أنّ العديد من الشبان المشاركين
فيها ينتمون فعليّاً إلى "فتح" أو "حماس"، لكنّهم قد لا
يتلقّون تعليمات مباشرة بالانخراط في الأحداث. وفي الوقت نفسه، لا توجد قيادة
سياسيّة موحّدة لهذه الانتفاضة، لأنّ تشكيلها قد يعني تقديم تنازلات من الفصائل
إلى بعضها، ممّا سينتقص من شعبيّتها أمام قواعدها التنظيميّة.
وأبلغ القياديّ في
الجبهة الشعبيّة عبد العليم دعنا "المونيتور" أنّ "تشكيل القيادة
الموحّدة مرتبط باتفاق الفصائل الفلسطينيّة على برنامج وطنيّ مشترك لمواجهة
الاحتلال، وهناك تصوّرات لدى بعض الفصائل حول تشكيل هذه القيادة، لكنّ معظم
المشاركين في الانتفاضة لا ينتمون إلى تيّارات سياسيّة".
وأوضح سفيان أبو زايدة
لـ"المونيتور" أنّ "فتح وحماس لهما أجندات مختلفة من المواجهات
الحاصلة مع الإسرائيليّين، فحماس تريد إشعال الضفّة وتدفع باتّجاه تنفيذ عمليّات
عسكريّة ضدّ المستوطنين، وعدم زجّ غزّة في معركة مع إسرائيل قد تكون مكلفة جدّاً،
لأن حماس في غزة لم تتعافى بعد من حرب غزة الأخيرة 2014، والفلسطينيون في غزة ما
زالوا يعانون جراحاتهم من تلك الحرب، وليسوا مستعدين لحرب رابعة، أمّا فتح فتحرص
على أن تبقى الانتفاضة في إطار المقاومة الشعبيّة السلميّة. ولذلك، فإنّ شبيبتها
وكوادرها جزء فاعل في المواجهات السلميّة".
لقد ابتعدت الفصائل
الفلسطينيّة في هذه الانتفاضة عن الاستقطاب الحزبيّ والفصائليّ، وعدم الحديث عن
لون سياسيّ واحد يوجّه المواجهات الدائرة بغرض الحصول على التأييد الجماهيريّ،
وتركيز الحديث عن ضرورة مواجهة الفلسطينيين جميعاً بصورة موحدة للاحتلال
الإسرائيلي، بدون الحديث عن الفصائل والتنظيمات، وهذه صورة تجمع ولا تفرّق، وعلم
"المونيتور" من أوساط نافذة في "حماس" أنّ قراراً سياسيّاً
اتّخذته بعدم الحديث الإعلاميّ بما يوتّر الساحة الفلسطينيّة، والاقتصار في
البيانات والتغطيات التلفزيونيّة للأحداث على الجانب الوطنيّ العام.
وكان واضحاً أنّ
فضائيّة الأقصى التابعة لـ"حماس" بدأت موجة بثّ مفتوحة على مدار الساعة
منذ بداية المواجهات، واستحضرت الرّموز الوطنيّة الفلسطينيّة، وارتدى مذيعوها
الكوفيّة التراثيّة. كما تمّ إحضار محلّلين سياسيّين وضيوف يتحدّثون بالخطاب
الوطنيّ وليس الفصائليّ، مما دفع قياديّاً فتحاويّاً مثل بكر أبو بكر، إلى القول
في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر إنّ "حماس" تغيّر تكتيكها السياسيّ في خطابها
الإعلامي الحاليّ، بتغييب الخطاب المحرّض ضدّ السلطة الفلسطينيّة و"فتح"،
وبثّ أناشيد فتحاويّة للمرّة الأولى منذ سيطرة "حماس" على غزّة في عام
2007.
التنافس الحزبيّ
وقال مسؤول العلاقات
الدوليّة في "حماس" أسامة حمدان لـ"المونيتور": "إنّ
حماس لا تتعامل مع الانتفاضة بأبعاد فصائليّة وحزبيّة ضيّقة، بل تتعاطى معها على
أنّها إرادة شعبيّة، دون الدخول في مجال تنافس حزبيّ بين القوى الفلسطينية بشكل قد
يجهضها، بحيث لا يتم الحديث عن دور لهذا التنظيم أو ذلك في إشعال الانتفاضة، رغم
أنّ حماس لها دور كبير في تعزيزها وتطويرها. نحن لا نتحدّث عن محاصصة حزبيّة، بل
فعل وطنيّ يجب أن يشارك فيه الجميع، وحماس تقوم بدورها في ذلك".
ولذلك، دأبت الفصائل
الفلسطينيّة على إصدار بيانات موحّدة وليس منفردة، آخرها في 16 من الشهر الجاري،
بدعوة الفلسطينيّين للتوجّه إلى نقاط الاشتباك مع الجيش الإسرائيليّ على الحواجز
العسكريّة.
وأبلغ ساري عرابي، وهو
كاتب فلسطينيّ يكتب بصورة دوريّة عن "حماس"، "المونيتور" أنّه
"يمكن الحديث عن 4 فصائل أساسيّة: حماس وفتح والجهاد الإسلاميّ والجبهة
الشعبيّة. وعند الحديث عن حضورها الجماهيريّ، يتبيّن الفارق الهائل من حيث الحجم
التنظيميّ والتأييد الشعبيّ، حيث تعرّضت حماس لعمليّات استئصال عميقة وممنهجة منذ
2007، عمل على تهميش قدرتها على التّنظيم. أمّا فتح فقد أصابها الارتباط بالسلطة
الفلسطينيّة وبناء شبكة مصالح متعلّقة بها، ممّا أصابها بحالة من الترهّل
التنظيميّ، رغم أنّ قواعدها الشابّة تشارك في المواجهات، عبر حركة الشبيبة
الطلابيّة أو بدوافع ذاتيّة".
وأخيراً، لعلّ
الانتفاضة تشكّل فرصة ذهبيّة لكلّ الفصائل الفلسطينيّة، لا سيّما "فتح"
و"حماس"، لمحاولة استعادة شعبيّتهما الّتي خسرا الكثير منها خلال سنوات
الانقسام منذ عام 2007، ويظهر ذلك من خلال تغطية وسائل الإعلام التّابعة لكلّ
منهما لأحداث الانتفاضة، بحيث يظهرها كما لو كانت تحقيقاً لبرنامجه السياسيّ،
"فتح" تريدها مقاومة شعبيّة بحتة، و"حماس" لا تمانع في تنفيذ
عمليّات عسكريّة.
يخوض الفلسطينيّون
الانتفاضة الحاليّة، وهم يردّدون عبارة أنّ التاريخ قد يعيد نفسه، فإذا استفادت
"فتح" من الانتفاضة الأولى بتوقيع اتفاق أوسلو 1993 وإقامة السلطة
الفلسطينيّة، فربّما استفادت "حماس" من انتفاضة الأقصى عبر سيطرتها على
قطاع غزّة، فمن سيستفيد منهما من الانتفاضة الحاليّة؟
المصدر: المونيتور