التحدّي الفلسطيني
بقلم: ماجد الزير
يعتقد العدو الصهيوني أنه لن يستقر له قرار إلا إذا أنهى مشكلة الشعب الفلسطيني، وخصوصاً اللاجئين، وبقي ـ أي الشعب الفلسطيني ـ بعيداً عن أرضه، في محاولة لإنهاء مطالبته بالعودة إلى دياره المحتلة؛ فالعدو يرى حق العودة يمثّل تهديداً مباشراً لكينونة دولته العبرية.
ولهذا توحدت النظرة الصهيونية بكل ألوان الطيف السياسي على محاربة حق اللاجئين في العودة إلى فلسطين. بل تحولت هذه النظرة إلى برامج عمل جادة ودؤوبة لضمان إسقاط حق العودة في أي مفاوضات كانت. وبدأت هذه البرامج في إقناع القوى الغربية الداعمة له بأن هناك استحالةً لقبول مبدأ حق العودة بالشكل الذي يطالب به الفلسطينيون، وهو عودة جميع اللاجئين بلا استثناء. وقد استطاعت الماكينة الإعلامية الصهيونية تحويلَ هذه الرؤية إلى رأي على المستوى الدولي، وهذا ما تمخض عنه مفهوم "يهودية الدولة العبرية" التي حصلت على إقرار عالمي بذلك، بدأ بمبادرة بوش وتلتها العديد من الدول الغربية.
وبناءً على هذه القناعات لدى الطرف الإسرائيلي، فقد أعمل منظروه الاستراتيجيون البحث في كافة الجوانب النظرية والسياسية والميدانية لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ليفككوا نقاط القوة فيها ويعملوا على إسقاطها، التي تُبقي حق العودة حقاً أصيلاً قائماً لا يمكن التنازل عنه حسب القوانين والقرارات الدولية.
فكان أن راهنوا طوال العقود الستة الماضية على عامل التشتت الجغرافي للشعب الفلسطيني وحضور العامل الجيوسياسي باختلاف البيئة السياسية الحاضنة للفلسطينيين. وراهنوا أيضاً على عامل الزمن وتعاقب الأجيال لتحقيق نتائج تلقائية بنسيان هذا الحق وانتهائه.
لكن الأيام بما حملت من تجذر الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه، بما يقارب من نصف تعداده في فلسطين التاريخية، الضفة الغربية وغزة وفلسطين الـ48. والأغلبية الساحقة من بقية الشعب تعيش في دول الجوار الفلسطيني في الأردن وسوريا ولبنان، تُضاف إليهم كتلةٌ بشرية فلسطينية في دول الخليج العربي غير بعيدة عن فلسطين، بما يصل مجموعه مع الداخل الفلسطيني إلى أكثر من 90% من التعداد العام للفلسطينيين في العالم.
إن أكثر ما أرّق الدولة العبرية هو بقاء المخيم الفلسطيني وصفة اللاجئ حاضرين في القاموس السياسي العربي والدولي، بما يعني حضور القضية الدائم في مختلف التقاطعات القائمة. واللجوء اصطلاحاً يعني حالة مؤقتة لفترة من الزمن إلى حين إيجاد ما يلغي هذه الحالة والعودة بها إلى أصلها الطبيعي، ومن هنا يظهر الصراع بين نقيضين: نضال فلسطيني لتثبيت حق العودة لجميع اللاجئين وتعويضهم حسب ما نصت عليه القرارات الدولية. وعلى الطرف الآخر كيدٌ ومكرٌ في إيجاد بدائل بعيدة عمّا قرره المجتمع الدولي، منها توطين اللاجئين في الدول المختلفة وتعويضهم مادياً فقط مقابل التنازل عن كافة حقوقهم الأصيلة.
وفي طور التحدي الفلسطيني والمطالبة بالحقوق الكاملة، وعلى رأسها حق العودة، أوقدت المخيمات شعلة الانتفاضات والثورات التي لم تنطفئ طوال العقود الماضية، وكان حراكها دائماً له الريادة في المشهد الفلسطيني العام، ما جعلها هدفاً دائماً لآلة الحرب والقمع الصهيونية، سواء في الداخل والخارج. وهذا ما نتج منه سقوط آلاف الشهداء وآلاف الأسرى الذين عانوا في سجون المحتل. ونحن نتشرف هذا اليوم بوجود ثلة من الأسرى السابقين المحررين المبعدين الذين سيعودون، ونستذكر أخوة وأخوات ما زالوا يقبعون في سجون المحتل، ويناضلون وقد أعلنوا إضرابهم المفتوح في ذكرى يوم الأسير الذي يصادف في 17 من نيسان، مطالبين بإطلاق سراحهم وبإنهاء سياسة العزل الانفرادي التي ما زال عدد منهم يقبعون في هذه الزنازين منذ سنوات أمثال عباس السيد، وعبد الله البرغوثي وحسن سلامة وإبراهيم الحامد، وكذلك السياسة الظالمة بمنع الزيارات لعائلات الأسرى منذ سنوات.
* من الكلمة التي ألقاها فى مؤتمر العودة ومركز دراسات الجزيرة حول اللاجئين الفلسطينيين فى الوطن العربي بالدُّوحة .
المصدر: مجلة العودة – العدد الـ56