التحرك الدبلوماسي
والحقوقي الفلسطيني
عماد صلاح الدين
تركز السلطة الفلسطينية،
ومعها أطياف سياسية وحزبية في الضفة الغربية، على خطاب مسألة التحرك الدبلوماسي والحقوقي
على الصعيد الدولي، خصوصا بعد الفشل المتكرر للمفاوضات مع إسرائيل، وانسداد أفق الحل
السياسي معها.
كان أبرز محاولات ونجاحات
السلطة الفلسطينية في هذا المجال انتزاع اعتراف أممي بدولة فلسطين كعضو مراقب في الجمعية
العامة للأمم المتحدة لا يرقى إلى وضع وكيان دولة كاملة العضوية، بالإضافة إلى انضمام
دولة فلسطين غير كاملة العضوية إلى العديد من المنظمات والهيئات الدولية التابعة للأمم
المتحدة، وكان من آخرها وأهمها الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، بعد
توقيعها على ميثاق روما المؤسس لها.
لكنّ مشكلة قيادة السلطة
الفلسطينية وهي تتحرك ضمن الأبعاد الدبلوماسية والحقوقية الدولية، تريد أن تتجرد وبشكل
شبه كبير من حقائق الصراع الفلسطيني -على الأقل- مع الاحتلال الإسرائيلي، بكون الأخير
احتلال واستيطان ذي صبغة تاريخية خاصة في سياق الصفة الاحلالية الترانسفيرية له؛ سواء
كان منها المؤقت والمحدد في دوائر المكان الدنيوي كما في الترحيل والتهجير أو ترانسفيرا
نهائيا من خلال الإبادة وجرائم القتل الجماعي والحروب المدمرة التي تستهدف كل الفلسطينيين.
وحقيقة الصراع هذه، وعبر
سوابق زمن الاحتلالات المختلفة في العالم، يلزمها منطلق أساسي في التعامل معها، وهو
أن أي احتلال وعدوان بحاجة إلى عموم المقاومة؛ إن كانت هذه المقاومة تقليدية راسخة
كما هو حال مقاومات الشعوب المسلحة والعسكرية أو شعبية سلمية عبر حراك معظم قطاعات
الشعب الواقع تحت الاحتلال، سواء في مقاطعة البضائع أو العصيان المدني أو فضح الاحتلال
وعنصريته سياسيا وإعلاميا، وغير ذلك من أدوات في مواجهة العنصرية والتمييز والفصل العنصري.
ومعروف تاريخيا، أن الانجازات
السياسية والدبلوماسية والحقوقية القضائية للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، محركها العام
والأساسي هو نضال هذه الشعوب، من خلال عموم المقاومة بكل جوانبها وبنودها المتنوعة.
في تحرك الفلسطينيين الشكلي
الرسمي، على اطر دبلوماسية وسياسية، خصوصا على الصعيد الدولي، كانت الثمار دائما من
جنس التحرك نفسه، فهي مجرد توصيات لا نجد لها صدى واقعيا على الأرض، بل إن الأرض والانتهاكات
القائمة عليها من مصادرة واستيطان وقتل للإنسان الفلسطيني واعتقاله والحكم عليه مئات
السنين وإيقاع العقوبات الجماعية عليه، حالها مناقض تماما لإمكانية إفراغ شكل دبلوماسي
سياسي وقضائي لصالح الفلسطينيين عليها؛ ذلك لأن مقومات التنفيذ غائبة وعلى رأسها الضغط
على الاحتلال من خلال المقاومة.
الأمرّ من ذلك، أن السلطة
الفلسطينية في الضفة الغربية تدعو في أدبياتها السياسية والرسمية، إلى ضرورة تبني شكل
المقاومة السلمية فقط، ولكنها في الممارسة تمنع الأشكال والمفردات الحقيقية لمثل هذه
المقاومة، من خلال التظاهرات والاعتصامات الشعبية الواسعة في مواجهة الاحتلال؛ بل إن
الحالة التأسيسية للمجتمع منذ عدة سنوات سواء في الثقافة والأخلاق أو السلوك الاجتماعي،
تتعارض ولا تطلق حالة مقاومة شعبية سلمية، فالمجتمع صار استهلاكيا وتبدلت اهتماماته
الوطنية، وأصبح اقل قدرة على الاحتمال والصبر، وأصبحت القضايا الوطنية في نظره أو تكاد
مسائل تراث شعاراتي لا تغني ولا تسمن من جوع؛ بعد ما تم إدخال الإحباط واليأس إلى قلبه
من خلال منظومة التأسيس الاجتماعي الاستهلاكي، التي لا تتناسب أو حتى تتوافر - على
الأقل- لدى شعوب عربية مجاورة.
وفوق ذلك كله، نجد فلسطينيا
عدم الاستفادة أو محاولة الاستفادة من توصيات دولية مهمة عبر قرارات قضائية دولية،
كقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي، بخصوص جدار الفصل العنصري لعام 2004، وما ورد
فيه من ضرورة تمكين الفلسطينيين من تقرير مصيرهم، أو من تقارير لجان تحقيقية واستقصائية
بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي تحديدا في قطاع غزة كتقرير غولدستون وغيره.
إن تغييب المقاومة في الضفة
الغربية حتى في شكلها الشعبي السلمي، وما يجري كذلك من حصار لقطاع غزة، يجعلنا أمام
نضال فلسطيني إما ممنوع أو محاصر، يجعل من الصعب تحقيق انجازات سياسية ودبلوماسية وحقوقية
قضائية للفلسطينيين.
ومن المؤسف، أن يتم التعامل
مع قضية الشعب الفلسطيني، والجرائم التي تلحقها إسرائيل به، كحالة موسمية بازرية استعراضية
داخلية بين قيادات الشعب الفلسطيني، في ظل الانقسام القائم منذ سنوات، دون أن يكون
هناك أي إجراء حقيقي في مواجهة المحتل، وإلا ما الذي تغير في حقيقة وواقع الجرائم الإسرائيلية
بين تدمير غزة وذبح أهلها في صيف 2014 وبين ما حدث مع الطفل علي دوابشة وآسرته في قرية
دوما بالضفة الغربية؟!!.
فالجريمة الإسرائيلية هي
هي على فداحتها ولا إنسانيتها، والتحرك الفلسطيني الرسمي هو هو على تسويفه وضعفه وتخاذله.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام