التحرير والعودة إرادة ونية
بقلم: يوسف رزقة
نحن على مسافة (٦٧) عامًا من بداية النكبة التي
حلت بالشعب الفلسطيني، فهل نحن أقرب إلى تحرير فلسطين والعودة إليها، أم نحن أبعد عما
قرره الأجداد يوم الخروج من فلسطين مضطرين بسبب القتال، ومخدرات النظام العربي، التي
زعمت أن الجيوش العربية هي المسؤولة عن قتال العصابات الصهيونية والتحرير؟.
الإجابة عن سؤال القرب والبعد مثيرة للقلق. فنحن
إذا نظرنا إلى وضع دولة العدوان والاحتلال نجدها قد بلغت درجة التمكن العسكري من فلسطين
المحتلة، وأنها قادرة على مواجهة الفلسطينيين والدول العربية مجتمعة في أية معركة عسكرية
وتحقيق الانتصار. إضافة إلى أن إرادة النظام العربي لقتال (إسرائيل) بغرض تحرير فلسطين
باتت الآن تساوي صفرًا، بل إن (إسرائيل) باتت تتحدث اليوم عن تحالف إسرائيلي عربي غير
معلن، لمواجهة مشروع المقاومة الذي تتمسك به بعض الفصائل الفلسطينية، كما حدث في حرب
(الجرف الصامد) الأخيرة.
إن من تمتلئ نفسه بهذه النظرة المادية يجيب عن
سؤال القرب والبعد آنف الذكر بأننا بعيدون جدًا، والمسافة الزمنية والواقعية طويلة
ومخيبة للآمال، ومن ثم ينتهي أصحاب هذه النظرة إلى الاستسلام للواقع القائم بقتامته
التي لا يختلف عليها اثنان، كما استسلم السادات وعباس وغيرهما.
وإذا نظرنا من زاوية أخرى إلى تمسك الفلسطينيين
حيثما كانوا بوطنهم، وبحقهم في العودة، وارتفاع درجة الوعي عندهم بأهمية الوطن، وبحق
العودة إليه، ورفضهم لتنازلات المفاوض الفلسطيني، ونزع الشرعية عنه في تمثيل الكل الفلسطيني،
واتجاه الفلسطينيين نحو احتضان المقاومة، وتشجيع المقاومين على الاستمرار والثبات،
والفرح بقدرتها على قصف مطار بن غوريون، وتعطيل السفر فيه، وقصف مواقع أخرى في غوش
دان وغيرها، وهو فرح مشروع بدلالاته الرمزية، الدالة على تولي الفلسطيني مسؤولية مقاومة
العدو بنفسه، وعدم الالتفات إلى واقع النظام العربي المحبط، وأن ما كان أمنية بضرب
أعماق دولة الاحتلال صار واقعًا وحقيقة رغم محدودية النتائج المادية.
إن من تمتلئ نفسه بهذه الصورة المعنوية، وهي صورة
حقيقية من المشهد، يشعر بأننا أقرب اليوم إلى التحرير والعودة من أي وقت مضى. وإن إقبال
الشباب على الشهادة هو متغير كبير لم يكن موجودًا بهذه الصورة من صور التضحية والمسؤولية
من قبل، أضف إلى ذلك استناد هذا الأمل إلى معطيات إيمانية وتاريخية تقول بزوال دولة
الاحتلال والعدوان كما زالت غيرها من الدول الظالمة على غير مثال.
وهنا نقول: يجدر بكل فلسطيني أن لا يقف في إجابته
عن سؤال العودة والتحرير عند الواقع القائم والماديات العسكرية والمالية، لا لأنه وقوف
محبط، والفارق المادي بيننا وبين العدو كبير، ولكن يجب أن نتعدى النظرة الواقعية المادية
نحو المستقبل، ونحو الأمل الذي زرعه الإيمان والتاريخ في المؤمنين، فللنصر عادة أسباب
غير مادية أيضًا، وهذه الأسباب يمتلكها الفلسطيني بعد (٦٧) عامًا من النكبة بشكل وافر
لم يكن من قبل، لذا نحن على يقين بالعودة والتحرير في زمن قريب، ربما هو قريب كما قال
الشيخ أحمد ياسين، أو كما قال الشيخ بسام جرار في دراسته، أو هو قريب كما يشعر اليهود
الذين غادروا فلسطين المحتلة عائدين إلى أوطانهم الأصلية؛ لأنهم قرؤوا المستقبل كما
يقرؤه الفلسطيني المتفائل بالعودة والتحرير القريب. هذه هي الصورة بوجهيها المشرق والمعتم،
والإجابة عن السؤال المتقدم تعود إلى النفس وما يسكنها، لأن التحرير والعودة إرادة
ونية قبل أن يكونا قوة مادية وعسكرية.
المصدر: فلسطين أون لاين