التقسيم الزماني وتوابعه وَهْمٌ لن يكون
الشيخ
رائد صلاح
يظن الاحتلال الإسرائيلي واهماً أن في إمكانه الآن فرض
التقسيم الزماني على المسجد الأقصى، ويظن واهماً أنه إذا فرض هذا التقسيم فسيواصل
فرض التقسيم المكاني على المسجد الأقصى، ويظن واهماً أنه إذا فرض هذين التقسيمين
على المسجد الأقصى فسيباشر ببناء هيكل خرافي أسطوري على أنقاض قبة الصخرة التي تقع
في قلب المسجد الأقصى، وإن كل تصريحات الاحتلال الإسرائيلي وكل بياناته وخرائطه
وسلوكياته تشير إلى ذلك.
ولذلك هو يطمع واهماً أن يفرض التقسيم الزماني على
المسجد الأقصى، بمعنى أن يخصص ساعات محددة وثابتة لا يجوز فيها الدخول إلا لليهود
إلى المسجد الأقصى، في مقابل ساعات محددة وثابتة أخرى لا يجوز فيها الدخول إلا
للمسلمين إلى المسجد الأقصى، بشرط أن يلتزم جميع الأطراف بهذا التقسيم الزماني،
بمعنى أن يُحافظ الجميع على أجواء هادئة في كل ساعة تمر على المسجد الأقصى، سواء
أكانت هذه الساعة من ضمن الساعات المحددة والثابتة لليهود أم كانت للمسلمين،
وبمعنى أن يتوافق المسلمون واليهود على مبدأ "التعايش المشترك" في
المسجد الأقصى، وأن يُحافظ كل طرف منهما على أجواء الصلاة المطلوبة لكلا الطرفين
في المسجد الأقصى، بعيدًا عن مبدأ رفض وجود الاحتلال الإسرائيلي _أصلًا_ في المسجد
الأقصى.
وبعيدًا عن مبدأ رفض دخول اليهود _أصلاً_ إلى المسجد
الأقصى، وبعيداً عن مبدأ رفض السماح لهم _أصلًا_ بأداء صلواتهم التلمودية في
المسجد الأقصى، وبمعنى أن يتحول مصطلح "اقتحامات" اليهود للمسجد الأقصى
عند المسلمين إلى مصطلح "زيارات" اليهود للمسجد الأقصى، وأن يتحول مبدأ
رفض المسلمين فتح أبواب المسجد الأقصى لاقتحامات اليهود إلى مبدأ قبول هذا المبدأ
أو السكوت عنه أقل المطلوب..
وأن يتحول مبدأ التكبير في وجوه المقتحمين رفضاً لهذه
الاقتحامات إلى مبدأ الرضا بذلك أو التزام الصمت أقل المطلوب، وبذلك يتوهم
الاحتلال الإسرائيلي أن اقتحام اليهود للمسجد الأقصى سيتحول إلى مشهد طبيعي مألوف
عند المسلمين، لا بل سيتحول مشهد صلوات اليهود في المسجد الأقصى إلى مشهد عادي لا
اعتراض عليه عند المسلمين، وقد يتطور هذا المشهد وسيبدأ اليهود بالدخول إلى المسجد
الأقصى وهم يرتدون كامل ثيابهم الكهنوتية وهم يحملون كامل أدوات طقوسهم الدينية
المطلوبة، وقد يتطور المشهد أكثر وأكثر، وسيبدأ اليهود بإدخال قرابين أعيادهم إلى
المسجد الأقصى ثم ذبحها في المسجد الأقصى، وتحديداً في أقرب مساحة محيطة بقبة
الصخرة، لأنهم يَدَّعون واهمين أن قبة الصخرة التي تقع في قلب المسجد الأقصى قد
أقيمت على أنقاض الهيكل المزعوم، لا بل قد يتطور المشهد إلى أبعد من كل ما قيل،
وسيبدأ اليهود بإقامة الاحتفالات الجماعية لأعراسهم وختان أبنائهم في المسجد
الأقصى، نعم هكذا يظن الاحتلال الإسرائيلي أنه سينجح بفرض كل ذلك، وعندها يظن
الاحتلال الإسرائيلي واهماً أنه سيخطو خطوة أخرى وسيفرض التقسيم المكاني على المسجد
الأقصى، بمعنى أنه سيُخصص جزءًا من مساحة المسجد الأقصى التي تبلغ 144
دونماً لليهود فقط، ولا يحق للمسلمين الصلاة فيها، في مقابل تخصيص الجزء الآخر من
مساحة المسجد الأقصى للمسلمين فقط.
ما أقوله ليس تحليلاً مفترضاً من عندي، بل هناك خرائط قد
كشفناها قبل أكثر من سنة ونصف السنة كانت قد صدرت عن حزب (ليكود) الصهيوني الذي
ينتمي إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وهي خرائط تقسم مساحة المسجد الأقصى
إلى ألوان، وبعض هذه الألوان تبين المساحة المكانية التي ستخصص لليهود من ضمن
المساحة الكلية للأقصى، وبعض الألوان الأخرى تبين المساحة المكانية التي ستخصص
للمسلمين من ضمن المساحة الكلية للمسجد الأقصى، والذي يُمعن النظر جيداً في هذه
الخرائط وفي ألوانها وفي مدلول كل لون منها سيكتشف أن الاحتلال الإسرائيلي يطمع
واهماً أنه إذا ما فرض التقسيم المكاني على المسجد الأقصى؛ فسيخصص الجامع القبلي
ذي القبة الرصاصية الذي يقع في مقدمة مساحة المسجد الأقصى للمسلمين، وما سوى ذلك
سيخصصه لليهود، وسيكتشف الفاحص لهذه الخرائط أن الاحتلال يطمع واهماً أن يضبط
ساعات صلوات المسلمين ومكان صلاتهم في المسجد الأقصى، وأن يضبط ساعات صلوات اليهود
ومكان صلاتهم في المسجد الأقصى، ويطمع واهماً أن يوافق للمسلمين على الصلاة في كل
مساحة المسجد الأقصى في حالات استثنائية فقط، مثل: الصلاة في شهر رمضان وصلاة عيد
الفطر وصلاة عيد الأضحى وصلاة الجمعة..
وما سوى ذلك إن الاحتلال الإسرائيلي يطمع واهماً أنه
سيفرض على المسلمين أداء صلواتهم في المسجد الأقصى في الساعات التي يحددها وفي
حدود مساحة الجامع القبلي فقط، وفي المقابل يطمع واهماً أن يضبط صلوات اليهود في
المسجد الأقصى في الساعات التي يحددها وفي حدود مساحة كل المسجد الأقصى ما سوى
الجامع القبلي منه، إلا في حالات استثنائية سيجيز فيها لليهود الصلاة في كل مساحة
المسجد الأقصى حتى الجامع القبلي، وهكذا يطمع الاحتلال الإسرائيلي واهماً في
استدراج كل العاملين لنصرة المسجد الأقصى رجالًا ونساءً وشباباً وأطفالًا للموافقة
على هذا التقسيم المكاني، أو السكوت عنه أقل المطلوب، وهكذا يطمع الاحتلال
الإسرائيلي واهماً أنه سيفرض على الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني
الرضوخ لهذا التقسيم الزماني والمكاني والتسليم بكل تبعاته أو السكوت عنها أقل
المطلوب، وهكذا يطمع الاحتلال الإسرائيلي أن يفرض حالة هجينة على المسجد الأقصى
يستسلم فيها المسلمون للأمر الواقع، ويحافظون على الصلاة فقط في المساحة المخصصة
لهم من المسجد الأقصى في حدود الزمن المخصص لهم، وأن يذعنوا كامل الإذعان للاحتلال
الإسرائيلي في كل ذلك، وعندها يظن الاحتلال الإسرائيلي واهماً أن الفرصة ستكون
مواتية له لبناء هيكل خرافي أسطوري على أنقاض قبة الصخرة، وهذا يعني أن حديث
الاحتلال الإسرائيلي عن التقسيم الزماني هو المقدمة الضرورية _على وفق حساباته_
للوصول إلى التقسيم المكاني، والتقسيم المكاني هو المقدمة الضرورية _على وفق
حساباته_ للوصول إلى الفرصة المواتية لبناء هيكل خرافي أسطوري على أنقاض قبة الصخرة،
وعلى أساس كل ما ذكرت سالفًا أسجل هذه الملاحظات المصيرية والهامة:
1.
التقسيم الزماني على وفق أوهام الاحتلال الإسرائيلي يعني بناء هيكل خرافي أسطوري
في نهاية المطاف على أنقاض قبة الصخرة، ولذلك إن منع فرض التقسيم الزماني يعني منع
بناء هذا الهيكل الخرافي الأسطوري.
2.
أن نواصل تلبية كل نداء نفير إلى المسجد الأقصى، وكل نداء اعتكاف فيه أو رباط، في
الليل أو النهار، وأن نواصل شد الرحال عبر مسيرة "البيارق" يوميًاً إلى
المسجد الأقصى، وأن نصرّ على التضييق على صعاليك الاحتلال الإسرائيلي الذين
يواصلون اقتحام المسجد الأقصى، وأن نواصل التكبير في وجوههم وصدهم عن إقامة
صلواتهم التلمودية في المسجد الأقصى، وأن نؤكد رفض مبدأ وجود حق لهم في المسجد
الأقصى ورفض مبدأ وجود شرعية لهم للدخول إلى المسجد الأقصى.
ومبدأ وجود أية سيطرة لهم على المسجد الأقصى؛ هذا يعني
أننا نرفض مبدأ التعايش مع الاحتلال الإسرائيلي ومع صعاليكه في المسجد الأقصى،
وهذا يعني أنه لن يكون ذلك الذي قد نعطي فيه موافقة صريحة أو سكوتية على إمكانية
عد اقتحامات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى أمراً عاديًّا لا غرابة فيه، ولن
تكون الأجواء التي توحي بذلك، وهذا يعني أنه لن يكون هناك شيء اسمه التقسيم
الزماني ولا التقسيم المكاني، ولا التمهيد لبناء هيكل خرافي أسطوري على أنقاض قبة
الصخرة.
3.
قد يستطيع الاحتلال الإسرائيلي أن يُحاصر كل القدس المباركة وأن يغلق كل مداخلها،
وقد يستطيع أن يُحاصر المسجد الأقصى وأن يغلق كل أبوابه، وقد يستطيع أن يُخرجنا
كلنا من المسجد الأقصى ساعات وأيامًا، وقد يستطيع أن يُدخِل المئات من صعاليك
الاحتلال الإسرائيلي يوميًّا وفي ساعات مُحددة إلى المسجد الأقصى، ولكنه لن يستطيع
فرض أي تقسيم زماني على المسجد الأقصى ما دُمنا نقف في وجهه وفي وجه صعاليكه ومخططاته
ونرفضها ونتصدى لها، وسيأتي يوم تزول فيه كل آثار الاحتلال الإسرائيلي عن المسجد
الأقصى.
4.
لذلك نحن أهل القدس والداخل الفلسطيني الآن في امتحان رفض الاحتلال الإسرائيلي،
ورفض التقسيم الزماني وتوابعه، أما امتحان تحرير المسجد الأقصى فيجب أن تلتقي فيه
كل إرادة الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني.
5.
قضية المسجد الأقصى عصية على التقسيم الزماني وتوابعه، وهي منتصرة بشهادة القرآن
والسُنة، وفهم التاريخ والحاضر، وفهم عمق التصدع الذي بات يتغلغل في المشروع
الصهيوني.
فلسطين اون
لاين