التلاعب بمنظمة التحرير
بقلم: عبد الستار قاسم
كيف أصبح أبو مازن، محمود عباس أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، وما
هي المؤهلات التي استند إليها من وضعه في هذا المنصب. لا أحد يعلم، ولم يقم من عينه
بشرح مؤهلات وكفاءات رجله.
حرد عباس في نهاية عهد عرفات احتجاجا وتوقف عن المشاركة في جلسات اللجنة
التنفيذية، وكان عليه أن يواجه حملة تشويه واسعة من قبل أبناء حركته، والذين وصفوه
بأنه كرزاي فلسطين، إشارة إلى خيانة كرزاي الأفغاني لقضية شعبه. وفجأة أصبح أبو مازن
رئيسا للمنظمة، ونصبه من كانوا يقفون ضده بالأمس. كيف حصل ذلك، ومن الذي جندهم أو مولهم
أو ساعدهم في اختياره رئيسا؟ شيء ما كان يجري تحت الطاولة ولم يعرف عنه الشعب الفلسطيني.
تم تعيين ياسر عبد ربه أمين سر المنظمة دون أن يعرف أحد لماذا هذا الشخص
بعينه وليس أحد غيره. وأقيل عبد ربه في الآونة الأخيرة دون أن يعرف أحد لماذا. هو لم
يستقل حتى الآن. وسمعنا أنه تم تعيين صائب عريقات أمين سر مؤخرا. لماذا عريقات بالتحديد
على الرغم أنه ثبت فشله في المفاوضات التي امتدت على مدى أكثر من عشرين عاما؟
لم تكن قيادة منظمة التحرير سوية أو مستقيمة في أي يوم من الأيام، وتعمدت
القيادة دائما استخدامها كأداة لإضفاء الشرعية على قراراتها. منظمة التحرير لم تكن
يوما مجلسا تشريعيا أو نضاليا فلسطينيا، وإنما مجرد حصن لاحتضان أهواء القيادة السياسية
لتمرير القرارات التي تخص القضية الفلسطينية دون مساءلة. وقد عمدت القيادة الفلسطينية
دائما إلى تشكيل مجلس وطني فلسطيني تحظى في داخله بالأغلبية.
كانت دائما تتعمد الانتقائية في تشكيل المجلس بخاصة فيما يتعلق بعضوية
من يسمون بالمستقلين. كانت القيادة تنحاز في انتقاء الأعضاء من النقابات والهيئات التي
تختار إدارتها انتخابيا، لكن تعيين المستقلين كان دائما الاهتمام الأكبر للقيادة، ومن
خلاله كانت تطمئن إلى توفر أغلبية لها تستطيع من خلالها تمرير أي قرار تريد.
وقد لعبت الأموال عبر الزمن الدور البارز في شراء الذمم، وثبت أن أعداد
الناس الذين لديهم الاستعداد لبيع أنفسهم مقابل المال ليست قليلة. لقد أتقنت القيادة
ألاعيب شراء الذمم وتمكنت دائما من تحويل منظمة التحرير إلى بيت للمساومة على القضية
الفلسطينية.
لم يكن يختلف الوضع بالنسبة للجنة التنفيذية عنه للمجلس الوطني الفلسطيني.
المفروض أنه يتم انتخاب اللجنة التنفيذية من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، وحيث أن
القيادة تسيطر على المجلس فإنه كان بإمكانها باستمرار اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية
وفق مزاجها الخاص.
لم يكن أبدا هناك لجنة تنفيذية تابعة لمجلس وطني فلسطيني تابع للشعب الفلسطيني،
وإنما كان هناك على الدوام مجالس ولجان تابعة لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
لا يختلف عباس عن سابقه في إدارة شؤون منظمة التحرير. الآن تتناقل وسائل
الإعلام نية عباس إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على الرغم من أن هذا
ليس من صلاحياته وفق الأنظمة واللوائح الداخلية المعمول بها في المنظمة.
لكنه يستطيع أن
يقنع أو يهدد بعض الأعضاء لكي يقدموا استقالاتهم. علما أن وجود كل أعضاء اللجنة التنفيذية
في اللجنة التنفيذية غير شرعي لأنه مخالف تماما للوائح الداخلية الخاصة بتنظيم عمل
اللجنة. حتى أن المجلس الوطني الذي من المفروض أن يختار أعضاء اللجنة التنفيذية غير
شرعي لأنه خالف نصوص الميثاق الوطني الفلسطيني عام 1988 واعترف بالكيان الصهيوني، وبلغ
قمة المخالفة عام 1996 عندما هشم الميثاق الوطني الفلسطيني الذي يعتبر مصدر شرعيته.
لم أر في العالم
مجلسا تشريعيا أو برلمانا يدمر دستور دولته الذي ينظم مسألة الشرعية في الدولة ومختلف
العلاقات الداخلية والخارجية إلا في فلسطين. المفروض أن يكون المجلس الوطني الفلسطيني
حارسا على الميثاق الوطني الفلسطيني وليس سمسارا عليه. كان عمل المجلس عملا مشينا وشكل
قمة الاستهتار بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
رام الله تشهد الآن نشاطا كواليسيا بين أشخاص محدودين بقيادة عباس حول
ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية، ودون أن يبوحوا للناس ماذا يجري. هناك طبخات غير مغذية
سيحقن بها الشعب الفلسطيني لكي يبقى دوخانا غير قادر على استعادة توازنه.
هم يريدون ترتيب أوضاع منظمة التحرير بطريقة تضمن لهم استمرار السيطرة
على المنظمة وسوق الشعب الفلسطيني إلى المربع الصهيوني. هناك الآن قيادة فلسطينية متصهينة،
وهناك أعداد غفيرة من المثقفين والأكاديميين الفلسطينيين تصهينت، ويبدو أن ذلك لا يكفي،
بل يجب صهينة الشعب الفلسطيني.
المنظمة خانت الشعب الفلسطيني، وخانت دماء الشهداء وآلام الجرحى والأسرى،
واعتدت على دموع الأطفال وأنات المرضى وصرخات الأرامل واليتامى. المنظمة طعنت الشعب
الفلسطيني في الظهر ومن كل جانب، وخانت الأمانة التي كان يجب أن تحملها. ولهذا نحن
بحاجة إلى إعادة ترتيب أوضاع المنظمة بمعزل عن تطلعات القيادة في استمرار السيطرة عليها.
المصدر: العربي21