القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

التوتّرات المتنقّلة في محيط المخيّمات أكبر من قدرة الفصائل على لجمها ومعالجتها!

التوتّرات المتنقّلة في محيط المخيّمات أكبر من قدرة الفصائل على لجمها ومعالجتها!
 

بقلم: ابراهيم بيرم

ليست المرة الاولى التي تتوارد فيها الأنباء عن اشكالات وتوترات في محيط هذا المخيم الفلسطيني او ذاك، فالأمر جزء من المشهد اللبناني عموماً. لكن الاكيد ان التطورات الاخيرة في محيط مخيمي نهر البارد في الشمال وعين الحلوة في الجنوب كانت هذه المرة مختلفة بدرجة كبيرة وتنطوي على جملة مخاطر واحتمالات ومخاوف ما اوحى للكثيرين بأن القضية قد تكون اكبر من ان يطفئها لقاء هنا واجتماع هناك وبيان من هنالك.

القضية كبيرة من حيث الامتداد الجغرافي، فأن تنفجر أولاً في محيط المخيم المنكوب بالقرب من طرابلس ثم تنتقل فجأة الى محيط المخيم الأكبر والأكثر عصيانا على السلطة امر جديد ويستبطن ابعاداً.

وان يتجرأ سكان من المخيمين على عناصر الجيش المتمركزين منذ اعوام في محيط المخيمين على نحو ما تناقلته الانباء ليل اول من امس، مشهد مستجد وغير مألوف منذ زمن بعيد، الى درجة ان ثمة من تحدث بعد معاينته ما حصل عن "انتفاضة" المخيمات الفلسطينية في وجه السلطات الامنية اللبنانية والاجراءات والتدابير المشددة التي تتخذها حول المخيمات ولا سيما منها ذات الكثافة السكانية العالية.

الوضع المحتقن، استهولته بالأصل المراجع الفلسطينية المتعقلة، لذا كان ايفاد أحد القيادات الفتحاوية المعروفة والتي لها خبرة عريقة بالوضع الفلسطيني في لبنان وهو عزام الاحمد.

وقبلها كان اللقاء الذي انعقد بين ممثلي فصائل ورئيس مجلس النواب نبيه بري والذي طرحت فيه من جانب الوفد هواجس ومخاوف تذهب كلها باتجاه الخشية من عدم القدرة لاحقا على لجم الاوضاع وضبطها.

والواضح ان المخاوف والهواجس نفسها نقلها الوفد الفلسطيني الذي اجتمع مع مدير المخابرات في الجيش العميد ادمون فاضل مضافا اليها بطبيعة الحال تمنيات على القيادة العسكرية بالتجاوب مع جملة مطالب منها تخفيف الاجراءات المشددة في محيط المخيمات بغية خفض منسوب الاحتقان المتعاظم لدى سكان هذه المخيمات وبالتحديد مخيم نهر البارد الذي بالكاد تعافى من تداعيات اشتباكات عام 2007 بين الجيش و"فتح الاسلام"، والتي افضت كما هو معلوم الى تدمير شبه تام لهذا المخيم الذي كان عبارة عن ثاني اكبر تجمع للاجئين في لبنان بعد مخيم عين الحلوة.

لكن كل هذه اللقاءات والتمنيات التي قوبلت بوعود من جانب قيادة الجيش بالقيام بما يمكن القيام به بغية المساهمة في تهدئة غضبة الغاضبين في المخيم إثر مقتل لاجئ وجرح آخرين في نهر البارد برصاص الجيش، لم تحل دون انفجار الموقف في اليوم التالي في محيط مخيم عين الحلوة.

وما نقلته القيادات الفلسطينية في لبنان والقيادات الاعلى في داخل فلسطين المحتلة الى المسؤولين اللبنانيين فحواه ان ليس لدى اي فصيل او تنظيم او قيادي فلسطيني اي قرار مضمر او معلن بدفع الامور في مخيمات اللاجئين في لبنان نحو الانفجار، بل بالعكس ثمة قرار حازم وجازم بألا ينزلق الفلسطينيون في لبنان الى وضع يحاصرون فيه مجددا بتهمة ضرب الاستقرار اللبناني او الاساءة الى السلم الاهلي، لا سيما ان القيادة الفلسطينية تبذل منذ اندلاع الاحداث في سوريا جهوداً جبارة لئلا تظهر في صورة هذه الاحداث لا على النقيض مع النظام السوري ولا على تماهٍ مع معارضيه والمتمردين عليه، رغم ان ثمة فصائل فلسطينية في مقدمها حركة "حماس" دفعت ثمناً جسيماً لتكريس هذه الصورة المحايدة من دون ان تفلح تماماً في بلوغ هذا الهدف، فضلا عن الجهود الاستثنائية التي كانت بذلتها المرجعيات والفصائل الفلسطينية ابان "ازمة" الانقسام والاصطفاف اللبناني بعد عام 2005 للبقاء في وضع المحايد بين "المعسكرين" لتحاشي العودة الى تجربة عام 1975.

وعليه فان المسؤولين والمرجعيات في لبنان هم على يقين بأن لا قرار "رسمياً" فلسطينيا بإدخال المخيمات الفلسطينية مجدداً في اللعبة الداخلية اللبنانية، وبالتالي لا مصلحة لها في اظهار المخيمات كأنها في مواجهة مع الدولة اللبنانية وأجهزتها. إلا أن ذلك على اهميته لا يسقط من حسابات المعنيين بالأمر، لبنانيين وفلسطينيين، ان ثمة على الارض وقائع ومعطيات ما قد تتمرد على هذه الرغبة وتتجاوز قدرة الذين يستبد بهم، ومن ابرز هذه الوقائع والمعطيات:

- ان الأجيال الجديدة التي صارت هي التي تملأ ازقة المخيمات وشوارعها حراكاً وضجيجاً لم تعد هي نفسها التي تعرف قيمة القضية الفلسطينية وقيمة النضال المكرس في سبيل هذه القضية التي تعلو سواها من الاهتمامات، إنما اجيال ذات اهتمامات مختلفة وثقافات بعيدة، بل ان بعضها ذهب عميقا في لعبة التعصب المذهبي والطائفي والتدين.

- ان ثمة ثقافات وقيماً جديدة وفدت الى المخيمات غريبة عن القضية الأم.

- ان الفصائل الفلسطينية العريقة بما فيها حركة "فتح" صارت في الآونة الاخيرة عبارة عن هياكل "سلطوية" وعلى مسافة من سكان المخيمات. وعليه فقد صارت المخيمات في احيان كثيرة ملاذاً للهاربين من القانون والعصاة والطفار اللبنانيين وغير اللبنانيين.

- ان الأحداث في سوريا وقبلها الانقسام في لبنان زاد منسوب الضياع والتشتت والتمزق في داخل سكان هذه المخيمات ولا سيما الاجيال الطالعة التي اضاعت البوصلة، فصار من السهولة بمكان زجها في الانقسامات والصراعات الحاصلة بعد العزف على الوتر المذهبي.

- لقد استغلت المجموعات السلفية والتكفيرية الاوضاع ونجحت في "التسلل" الى داخل المخيمات واقامت لها فيها رؤوساً وجسوراً وبؤراً قابلة للتوسع والتمدد والفعل حين تدعو الحاجة الى ذلك.

لذا لم يعد مفاجئاً الاشارة الى ان القيادات والمرجعيات الفلسطينية المتعقلة والواعية باتت تعي منذ زمن كل هذه المستجدات التي تغلغلت في اعماق المخيمات الفلسطينية وحوّلتها بشكل او بآخر الى "احتياط" جاهز للزج به في اتون هذا الصراع او ذاك، او جعله جزءاً من هذا المحور او ذاك. لذا كان هذا الجهد الاستثنائي الذي تبذله القيادة "الرسمية" الفلسطينية لمعالجة الموقف قبل اندفاعه نحو الاحتمالات الخطرة.

وبطبيعة الحال، ووفق اكثر من مصدر، ان هناك عوامل جذب واغراء لبعض المجموعات الفلسطينية لكي تمضي قدما في تجرؤها على الجيش اللبناني ومواقعه وعلى النظام العام خصوصاً في الشمال، ومنها ان الجيش بدا في المرحلة الاخيرة ولا سيما بعد احداث طرابلس ثم عكار في وضع "المتهم" والمحاصر لا سيما بعد الحملة الشرسة التي تعرض لها وطالب بعض المشاركين فيها "بمعاقبته" وبإجلائه عن مناطق بعينها بعدما فقد برأيهم صفته الوطنية الى درجة ان ثمة من رفض انتشاره في مناطق معينة وطالب بعناصر من قوى الامن الداخلي بديلاً منه. وهو تقليد غير مسبوق، ومن الغرابة انه حظي بموافقة من جهات رسمية عليا.

اضافة الى ذلك، فان ثمة حالة من الفوضى في المشهد السياسي والامني في البلاد، فالحكومة غارقة في عجزها والخلافات بين مكوناتها، فيما رئيسها آثر الغياب وقائد الجيش يطلق تحذيراته من "الاعظم الآتي".

من هنا السؤال الذي بات يفرض نفسه: هل يكرر الجيل الفلسطيني الحالي تجربة من سبقوه واحرقوا اصابعهم وكووا جنوبهم عندما لعبوا حتى النهاية بالنار اللبنانية وهم مقتنعون بأن ذلك يوفر لهم طريق العودة الى الوطن السليب؟

المصدر: النهار