الجدار الأخير
حول المخيم
بقلم: برهان
ياسين
وين ما في لبناني
في بن نجار، وين ما في فلسطيني في جدار".
عبارة استخدمها
أحد الأصدقاء الفيسبوكيين، في محاولة منه للتهكّم على واقع فرض عليه، كما فرض عليه
يوماً أن يولد في المخيم الذي يولد حوله كلّ يوم ألف إشاعة. لا بأس، فقد اعتاد أهل
المخيم، البالغ عددهم في أقل تقدير 85 ألف نسمة، على الاتهامات التي تطالهم ليل نهار،
لكن ما لفتني بعد قيامي ببحث سريع قبل كتابة المقال عن أخطر المدن في العالم من حيث
انتشار الجريمة، فكانت مدينة كاراكاس في فنزويلا تتصدّر القائمة تليها مقديشو الصومالية
وكيب تاون في جنوب إفريقيا وجواتيمالا وريو دي جانيرو البرازيلية، والغرابة في الموضوع
ليس أنّي لم أجد اسم عين الحلوة بينها، بل كوني لم أجد أيّا من أحيائها معزولاً أو
محاصراً بجدار فاصل، على الرغم من إعلان السلطات فيها عن خروج أحياء كاملة عن سيطرتها.
أبرز ما يميّز الجدار
العازل الذي تقوم السلطات اللبنانية ببنائه حول المخيم، نظافته، فالعبارات المكتوبة
على جدار الفصل في الضفة أو ما بقي من جدار برلين لم تتشكل بعد على أعمدته الإسمنتية
الشاهقة، على الرغم من أنّ كلّ ما دون ذلك يجمع بينهم الثلاثة، مجموعة من البشر تعيش
تحت حصار مشدّد، ويسمح لها بالتنقّل ضمن قيود محدّدة، تماماً كما يجري مع مرضى الكبد
الوبائي، خوفاً من العدوى، أو ربّما هكذا أرادوا للمشهد أن يبدو، فأبناء المخيم كما
محيطه يعرفون أنّ الحصار ليس جديداً، فمنذ الثلث الأخير من القرن الماضي، والمخيّم
يرزح تحت حصار مشدّد، ارتفعت وتيرته مع اتهام السلطات اللبنانية في منتصف التسعينات
لأفراد من المخيم باغتيال أربع قضاة في مدينة صيدا المجاورة له، وعلى الرغم من أنّ
الاتهام لا يزال مجرّد اتهام سياسي بحت، إلّا أنّ الدخول والخروج من المخيم يتم عبر
خمسة مداخل أساسية، يسيطر عليها الجيش اللبناني، ويقيم عليها نقاط التفتيش، فإذا كان
المخيم تحت هذه السيطرة منذ سنين، فلماذا الجدار اليوم؟
تتلخص الإجابات
في ثلاثة، فبين الكلام أنّه بطلب وتمويل من قوات الأمم المتحدة "يونيفيل"
لتأمين وحماية ذهابها وإيابها الى جنوب لبنان بمحاذاة المخيم، وبين حماية مشاريع اقتصادية
ضخمة ستقام على شاطئ مدينة صيدا، وصولاً إلى حماية عملية التنقيب على النفط والغاز
في البحر قبالة صيدا أيضا.
ما يجمع بين هذه
الأسباب كلمة حماية، والتي تعني في المقابل وجود خطر حقيقي في المخيم، الأمر الذي لم
يثبت حتى اليوم، وحتى إن تمّ إثباته جدلاً أو ليس المخيم أساساً يرزح تحت الحصار المحكم،
لنعود مجدداً إلى السؤال ذاته: لماذا الجدار اليوم؟
أوّل ردة فعل ضد
الجدار كانت شعبية من الأهالي :"لا نريد سجناً كبيراً، المخيم امتداد لمدينة صيدا،
فالمصاهرة والتجارة والعلاقة مع الجانب اللبناني أكبر من أن يفصلها جدار" ...
هي شعارات ردّدها الأهالي في محفل غضبهم، وذاك كان أول الأهداف الحقيقية من بناء الجدار،
فهو يهدف إلى زرع فكرة لدى اللاجئين الفلسطينيين، أنّكم كيان غير مرغوب فيه على الأراضي
اللبنانية، استكمالاً لسياسة الضغط من خلال الحرمان من الحقوق، وما قد ينتج عن ذلك
من تحويل المخيم إلى خطر فعلي، وإلى قنبلة قد تنفجر بوجه الظلم الذي تتعرّض له، أما
الهدف الثاني فيتطابق مع سابقه لكنه موّجه إلى الشعب اللبناني، بالقول إنّ السلطات
تحاول جهدها منع الخطر العظيم الذي بات يتسرّب من المخيم، وعليكم الحذر فهم يحضّرون
لكم كلّ مكيدة وشراً.
وفي انتظار ما ستؤول
إليه الأمور، مع محاولة جرّ المخيم إلى المجهول مجدّداً، فإنّ المؤكد أن ما يجري اليوم
ليست المحنة الأولى، فمخيمات لبنان، منذ تأسيسها، وهي تتجرّع ويلات الموت، من دون أن
تناله، لكنّها رسالة إلى من يعوّل على العهد الرئاسي الجديد الذي استطاع، مع أول يوم،
توفير ميزانية بناء جدار عازل حول مخيم كامل، ولم يستطع توفير موازنة أقل لحلّ أزمة
النفايات في إحدى مدن البلاد، ورسالة لمن لم يستيقظ بعد من أوهامه، لتقول له: ما دمتَ
فلسطينياً وتحمل صفة لاجئ، فينطبق عليك قول "صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنة"،
أو "أن يأتي الله بأمره" وحينها "يشفي صدور قوم مؤمنين".
المصدر: العربي
الجديد