القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الجيل الجديد في فلسطين.. إن مصيركم بأيديهم

الجيل الجديد في فلسطين.. إن مصيركم بأيديهم

بقلم: حسني عايش

في مقالها القيم (جريدة القدس في 26/10/2015) بعنوان: "الحراك الشعبي وسقوط الأوهام"، تقول ريموندا الطويل: "إنّ الجيل الفلسطيني الجديد، لم يرَ من اتفاق أوسلو سوى المصادرات والاقتحامات والقتل والإذلال وإجهاض فكرة الدولة والشعب والجغرافيا وإمكانية التعايش. إن هذا الجيل هو الذي يخرج الآن إلى الشارع وهو الذي يغير الواقع ويكتب الوقائع، فمن هو هذا الجيل؟".

وتجيب قائلة هو "جيل أوسلو": هو جيل ولد عندما ماتت الايدولوجيا، وضعف الفصيل، وتغيرت قوائم الأعداء، وتبدلت الأحلاف. هو الجيل الذي ولد ليرى عالماً جديداً لا يشبه العالم ذي القطبين، ولا حتى القطب الواحد. هو الجيل الذي رأى العواصم العربية تدك وتضرب وتحتل، وهو الذي رأى ثورة التكنولوجيا، والفضائيات التي تبث كل شيء، ورأى الصلح مع اسرائيل، ورأى خيانة الأصدقاء والأقرباء، ورأى تغيرات الاقتصاد والكوارث البيئية.

هو جيل لا يتمسك بالأيدولوجيا ولا يعرفها، وهو حتى لا يعرف الجغرافيا إلى حد كبير، ويمكن القول انه سطحي، فهو يسرح شعره على طريقة "سبايكي"، ويلبس البنطلون الممزق، وله حسابات على "فيسبوك والتويتر والانستغرام"، ويسمع جاستن بيبر، ويشاهد براد بيت وانجلينا جولي، وقد يكون غير متدين إلى حد كبير أو قليل، وليس له علاقات تنظيمية، ولا يقرأ ماركس ولا أندريه جيد ولا نيتشه، ولكنه رغم كل ذلك، تعلم أن يكره الاحتلال، تعلم ذلك على جلده وعظمه، إذ أن هذا الاحتلال ضيق عليه فضاءه، وقطع طريقه إلى الجامعة، واعتقل شقيقه وهدم بيت جاره، وقتل رئيسه بعد محاصرته، وملأ منطقته بالمستوطنات، وصادر بئر الماء الذي يشرب منه، ومنع ابن عمه من السفر ليدرس الطب. استطاع اتفاق أوسلو أن يصنع جيلا لا يؤمن بالتعايش، ولا بالتكيف مع الاحتلال أو الاندماج معه. إن جشع الاحتلال وغباءه وغطرسته لم يترك للجيل الجديد أن يتنفس".

لا أحد، حسب ما أعرف وصف الجيل الجديد في فلسطين بوصف أدق. إنه جيل لا مثيل له في هذا العصر وربما في التاريخ، لأن واقعه اليومي يجعل أطفالاً وفتياناً غير مسلحين سوى بسكين أو بحجر يذهبون مختارين وبمنتهى الشجاعة (أو اليأس) إلى حيث الجندي والموقع العسكري الاسرائيلي ويتحدونهما بهما، وهم يعرفون مسبقاً أن الموت (أو الإستشهاد) أو الإصابة البليغة هي النتيجة الحتمية لذلك، ولكنهم به يجعلون لحياتهم أو لموتهم معنى وقيمة. إنهم الأطفال الذين شاهدوا منذ ولادتهم الجنود اليهود الإسرائيليين يقتحمون بيوتهم في منتصف الليل، ويعبثون بمحتوياتها ويجبرون آباءهم على المشي على أربع أو العواء أو النهيق وهم يقهقهون ويضحكون مستمتعين بإهانتهم وإذلالهم. لقد اختزنوا بذاكرتهم ووجدانهم هذه المعاملة التي تتكرر يومياً. فكان لا بد لهم أن يفجروا هذا المخزون في وجه العدو ولو بالسكين والحجر.

وبدلاً من أن يتعلم اليهود من تجربتهم المرة في ألمانيا النازية وأوروبا اللاسامية التي عاملتهم بمثل ذلك، كرروا هذه المعاملة مع الشعب الفلسطيني وتجاوزوا النازية واللاسامية في شدتهما، مصدقين أساطيرهم أن فلسطين هي أرض اسرائيل، أو أرض الميعاد، وليس أرض كنعان وأن السكين أو الحجر يهدد وجودهم فيها. وبذلك تكون الصهيونية واللاسامية والنازية توائم أو جامع مشترك للتعصب والتمييز والإقصاء والطرد والعنف والعدوان.

لو كان نتنياهو والفريق الذي معه أو يؤيده في هذه الإستراتيجية بالغين وراشدين وعقلانيين لكرّسوا جهودهم لمصالحة الشعب الفلسطيني، الذي اعتدوا عليه مرتين، قديماً وحديثاً، ولاستنفروا كل علماء النفس والاجتماع اليهود – وما أكثرهم – لتفكيك هذا العداء بتسوية تاريخية تكاملية ترضى بها جميع الأطراف.

لو كانوا بالغين وراشدين وعقلانيين لوضعوا الفلسطينيين على رؤوسهم ورقصوا بهم صباح مساء كي يرضوا عنهم بعد ما جاءوا من بلدانهم وراء البحار واغتصبوا أرضهم ووطنهم وشردوهم وحاصروهم وسجنوهم وعذبوهم، أفراداً وجماعات، وقتلوا الكثير منهم وجرحوهم. لكنهم بدلاً من ذلك – ويا لغبائهم – يطلبون منهم إبداء السعادة بهذا الاغتصاب والعدوان، والوقوع في حبهم، والاحتفال في كل 15 أيار بكارثتهم لأنهم دون غيرهم من شعوب الأرض يتمتعون بميزة استلاب إنسانيتهم ووطنهم على يد "شعب الله المختار".

إن الحيوانات يا نتنياهو تقاوم وتدافع عن كرامتها، وترد الصاع صاعين، بقرونها أو بحوافرها أوبأنيابها لظالميها. ألم تقرأ كتب Animal Resistence ؟ ومع ذلك تصفون هؤلاء الأطفال والفتيان والفتيات بالمخربين لتقتلوهم أو تعتقلوهم وتعذبوهم وتحاكموهم كراشدين مسؤولين.. لماذا لا تقرأون كتاب Prejudice لمؤلفه اليهودي David Allport – أحد أعظم علماء الاجتماع في القرن الماضي- الذي يحلل فيه عوامل التعصب والتحامل، التي تربون أطفالكم الآن عليها ضد الشعب الفلسطيني، مع أنكم كنتم ضحايا لهما باللاسامية والمحرقة كما يبين المؤلف في الكتاب؟

يتعجب Allport في كتابه العظيم كيف لجأ أذكياء ومثقفون في المانيا وأوربا إلى مثل هذا الانحطاط وترجموه في اللاسامية والمحرقة؟ ونحن نعجب مثله كيف يقوم اليهود الأذكياء والمثقفون وحملة جوائز نوبل بممارسته ضد الشعب الفلسطيني السامي؟ كيف تمارسون هذا الانحطاط السياسي والأخلاقي الفريد في حجمه وصيغه وابتكاراته ضد شعب بريء، لم يمارس اللاسامية يوماً، ولا شارك في المحرقة مطلقاً؟ كيف تتوقعون من أحد أعرق الشعوب في التاريخ السكوت على هذه الممارسات؟

يتباهى نتنياهو بالتقدم العلمي والتكنولوجي في اسرائيل، وكأنه يطلب من العالم غض الطرف عن هذه الممارسات ومد يده الى اسرائيل ليستفيد منها. لقد تباهى هتلر من قبل بمثل هذا التقدم فماذا كانت النتيجة؟ وتتباهون بأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فأي ديمقراطية هذه التي تقوم على اغتصاب اوطان الغير وإبادة أهلها أو تشريدهم؟

إن الشعب الفلسطيني مجرد جالية أجنبية (عربية) في نظر إسرائيل، جاءت للعمل هناك وبقيت، ولم تقدر حسن الضيافة والإقامة والعمل، وترفض العودة إلى بلادها، فاستحقت هذه المعاملة المذلة الأطول والأقسى في التاريخ المعاصر. ألا تراهم يحتفلون بقتل الطفل الفلسطيني الواحد، ويلقون السكين بجانبه بعد ذلك ثم يمزقون ثيابه ويعرّونه ويأخذون صوراً لهم معه ليراها أطفالهم ليكونوا نسخة عنهم، وإن كانوا بهذا العداء وهذه الطريقة المنحطة يهددون مستقبلهم أو وجودهم في فلسطين؟. وهم لا يكتفون بذلك بل يهدمون بيوت الأسر التي جاء منها الأطفال والفتيان والفتيات ويهجرونها ويسحبون هوياتهم، وكأن الأطفال والفتيان والفتيات استأذنوا أسرهم ليهاجموا العدو بالسكاكين والحجارة، أو حرضتهم عليه. إنهم يعرفون أن الأسرة اليوم لا تسيطر على سلوك أطفالها، أو حتى على عقولهم بعد خروجهم من البيت، ولا يبلغونها بما سيفعلون أو يطلبون إذناً منها عليه.

لا يوجد أبوان في العالم يحبان أو يرغبان في قتل طفلهما، حتى وإن كانت القضية مقدسة، ولكنهما يحتفلان به وقد سقط شهيداً من أجلها. سوف تنتهي هذه الهبة بعد فراغ شحنتها لتشحن من جديد وتنفجر في وجوهكم على نحو لم يخطر على بال أحد منكم؛ والزمن طويل. إن مصيركم بأيديهم.

المصدر: الغد الأردنية