الحراك الشبابي الفلسطيني الى اين؟
لم تكن الساحة الفلسطينية بحاجة لثورة شباب تونس، او مصر، او التحركات الجارية في اليمن وليبيا والبحرين وغيرها من الدول العربية لتدرك اهمية الانتفاضات والثورات لمواجهة انظمة فاسدة مستبدة قائمة على التوريث ومستمرة بالقهر، ولتغيير الواقع المظلم القائم...
فالساحة الفلسطينية تشهد منذ اكثر من مئة عام انتفاضات وثورات ومقاومة مستمرة، لم تتوقف الا لتتجدد وتتواصل ضد المشروع الاستعماري الصهيوني الاجلائي الذي هجر ابناء فلسطين بالارهاب والعدوان والمجازر البشرية، واقام كيانه العدواني في العام 1948 فوق الجزء الاكبر من ارض فلسطين التاريخية، ووسع رقعة احتلاله لما تبقى من ارض فلسطينية واراضٍ عربية في حزيران / يونيو العام 1967.
منذ ذلك التاريخ باتت المقاومة خيار الشعب الفلسطيني لتحرير ارضه واستعادة حقوقة الوطنية الثابتة التي لم تستطع هيئة الامم المتحدة ومجلس امنها وكل مقرراتها في إعادة اي حق، لا بل ولا توجيه ادانة واضحة للكيان الغاصب الذي لم يتوقف لحظة عن سياسته العدوانية العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، خاصة، والعربي، عامة... فظلت تلك القرارات طوال كل العقود طي الادراج المغلقة... فلا القرار 194 القاضي بحق عودة اللاجئين تحقق، رغم انه شرط من شروط استكمال الاعتراف الدولي بالكيان العنصري، ولا القراران 242 و338 القاضيان بالانسحاب الصهيوني من الاراضي المحتلة في العام 1967 نفذا، ولا القرار 425 الداعي للانسحاب من الاراضي اللبنانية المحتلة في العام 1978 قد تم انجازه، ومثلها مئات القرارات الدولية التي ظلت حبرا على ورق ولم تساو ثمن الحبر الذي كتبت به...
لذلك كانت المقاومة هي الخيار الوحيد امام الشعب الفلسطيني والعربي للدفاع عن نفسه وعن حقوقه الوطنية وعن كرامته المهدورة والمداسة من قبل الاحتلال الصهيوني البغيض، والسبيل الاوحد لتحرير الارض واستعادة الحقوق الوطنية الثابتة...
وعلى هذه الطريق المعبدة بآلاف الشهداء البررة، فجر الفلسطينيون ثورتهم المعاصرة، واشعلوا لهيب الانتفاضات ضد الغاصب المحتل، فكانت انتفاضة يوم الارض في الثلاثين من آذار / مارس العام 1976، الشرارة الأولى لميلاد شكل نضالي جديد في إطار معركة الدفاع عما تبقى من أراض عربية فلسطينية، بعد المصادرات الهائلة التي قامت بها سلطات الاحتلال الصهيوني غداة النكبة. ويعتبر يوم الأرض نقطة تحوّل بارزة في المسيرة النضالية لابناء الارض، وتحول بالعلاقة بين سلطة الاحتلال والجماهير العربيّة الفلسطينيّة بالدّاخل، حيث ساهم هذا اليوم العظيم بشهدائه وتضحياته ودلالاته بشكل مباشر بتوحيد وتكاتف الصّفّ الفلسطينيّ على المستوى الجماهيريّ بعد أن كان في العديد من الأحيان السّابقة نضال فرديّ لأشخاص فرادى أو لمجموعات محدودة. كما ساهم في تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج... وتجلى في انتفاضتي: اطفال الحجارة 1987 والاقصى 2000...
وقد شكلت هذه الانتفاضات منارة لكل المستضعفين في الارض، وفي الوطن العربي خاصة، ومثلا يحتذى. حيث شهد العالم حراكا لم يتوقف حتى وقتنا الراهن، تضامنا مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسله ونصرة لحقوقه الثابتة التي يعبَّر عنها بالتظاهرات والمؤتمرات حينا وبقوافل كسر الحصار المضروب على قطاع غزة حينا آخر.
اذن، فالانتفاضات الشعبية الفلسطينية، قد شكلت الخميرة والحاضنة التي نمت فيها شرارات الثورة والتغيير، والهمت الشباب العربي لتفجير غضبه في اطر جديدة واساليب ابداعية، لا نزال نشهد تجلياتها وفصولها هذه الايام في غير بلد عربي، وقدمت للمواطن المقهور المغلوب على امره الدليل القاطع على قدرة عين الحق في مواجهة مخرز الباطل، والحاق الهزيمة به، والانتصار عليه ايضا.
الحراك الشبابي الفلسطيني
ومنذ اندلاع ثورة الياسمين ونجاح شباب تونس ومصر في اسقاط الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، واندلاع الحراك الشبابي العربي في اليمن وليبيا والبحرين وغيرها من الدول العربية، شهدت الساحة الفلسطينية حراكا شبابيا عبر عن نفسه بتشكيل العديد من المجموعات والاطر على صفحات "الانترنت"، وفي نشاطات وطنية شملت معظم اماكن الوجود الفلسطيني بدون استثناء. تحت عناوين وشعارات تلتقي حينا وتتشعب احيانا اخرى، من دعم ثورات الشباب العربي الى طرح شعارات واهداف من ارض الواقع الفلسطيني...
وقد شهدنا أثناء الثورة التونسية ومن ثم المصرية، مبادرة المئات من الشباب الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية المغتصبة عام 1948 تظاهرات عفوية في الجامعات والبلدات العربية، وأمام السفارة المصرية، والتي كانت بمثابة البدء باستلهام تلك الثورات في النضال ضد النظام العنصري الصهيوني. "خطوة" هي نتاج لوعي سياسي أنتجته الأحزاب، لكنها في الوقت نفسه تجاوزا للعمل الحزبي التقليدي، وتوسيعا لحدود عمله جماهيريا وعمليا.
كما شهدت ساحات الوجود الفلسطيني في الداخل والخارج تحركات ونشاطات ميدانية شملت العديد من فئات الشعب وخاصة الشباب منها، وقطاعاته وهيئاته التقليدية والمستحدثة التي جاءت استجابة للنداءات المنتشرة على مواقع "الانترنت"، رافعة شعارات واهداف ابرزها ما يلي:
حق العودة، ومسيراتها المليونية؛
نعم لانهاء الانقسام... نعم لانهاء الاحتلال؛
اسقاط اتفاق اوسلو، وكل ملحقاته ونتائجه الكارثية على القضية الفلسطينية والشعب؛
وقف المفاوضات العبثية مع العدو الصهيوني، واعادة الاعتبار لخيار المقاومة؛
اعادة الروح للميثاق الوطني الفلسطيني؛
انتخاب مجلس وطني جديد من قبل الشعب الفلسطيني يكون مقدمة لاعادة صياغة "منظمة التحرير الفلسطينية" على اسس وطنية واضحة لتكون ممثلا حقيقيا للشعب الفلسطيني؛
كسر الحصار عن قطاع غزة،والى جانب هذه الشعارات والاهداف الكبرى تمحورت عشرات الطروحات الخاصة بهذه الساحة او تلك، تعبر عن مجموعات شبابية هنا وهناك، مما يدفع الناشطين كما القيادات والقوى الحية في الشعب الفلسطيني لوقفة جادة امام هذه الظاهرة الطيبة المبدعة التي تعبر عن رفض الشباب الفلسطيني للواقع القائم وللسياسات المهيمنة داخل الساحة الفلسطينية...
بهذا المعنى فان الحراك الشبابي بشكل عام هو وعي وطني حقيقي، لا غبار عليه، يحاول استلهام التجربة الشبابية العربية الثورية في الساحة الفلسطينية، وهو بالتالي يشكل ظاهرة موضوعية هامة تصب في خانة السعي الجاد لاخراج القضية من المآزق التي ادخلتها اليه اتفاقيات اوسلو المخزية، ودهاليزها الامنية التي كانت وبالا على القضية والشعب والمقاومة.ان الحراك الشبابي الفلسطيني محكوم بمواجهة التحديات المستمرة منذ ما قبل النكبة وما بعدها: فأرض فلسطين ما تزال مغتصبة ومحتلة، والمصادرة مستمرة ومتواصلة؛.. والبيوت تهدم والمستعمرات تبتلع البقية الباقية من ارض، والبساتين تجرف، والمقدسات تهود؛.. واللاجئون لم يعودوا الى ديارهم وبيوتهم وارزاقهم، وفلسطين التاريخية لم تحرر؛.. والمغتصبون يزدادون غطرسة وعنصرية وفاشية أمام انظار وسمع العالم وهيئاته الدولية؛..
فالاسباب التي دفعت الشعب الفلسطيني للمقاومة والانتفاضة والثورة ما تزال مستمرة...
فلم تنته اسباب الانتفاضة حتى تنتهي الانتفاضة!
ولم تنته اسباب المقاومة والجهاد حتى تنتهي المقاومة والجهاد!..ولم تتحرر فلسطين ويعود الفلسطينيون الى ارض الاباء والاجداد حتى نوقف الجهاد والنضال الذي تعمد بدماء غزيرة لقوافل الشهداء البررة لم تجف بعد، وبآلاف الاسرى الذي يقبعون في زنازين الاحتلال، ومئات الاف الارامل والايتام...
ان الحراك الشبابي الفلسطيني يجب ان يأخذ واقع القضية الفلسطينية بعين الاعتبار، وعليه ان لا يكون اقل جذرية من الحراك الشبابي العربي الداعي لاسقاط انظمة الفساد والاستبداد وبناء نظم وطنية حرة ديمقراطية حقة، تعمل لمصلحة الشعب وتعيد الاعتبار للمواقف الوطنية والقومية لهذا النظام او ذاك بعد التغريب المتمادي والارتهان لارادة القوى الاستعمارية الذي حول بعض تلك الانظمة العربية الى حراس للكيان الصهيوني وحصان طروادة للترويج لسياسة التطبيع معه...
فما احوجنا في الساحة الفلسطينية الى دعوة صريحة واضحة من اجل انهاء الظاهرة الشاذة التي أوجدتها اتفاقية اوسلو وملحقاتها، باسقاطها والحاق رموزها بزين العابدين بن علي وحسني مبارك، كخطوة اساسية لاعادة الاعتبار لنهج المقاومة خيارا وحيدا لمواجهة الاغتصاب والاحتلال واستشراء الظاهرة العنصرية والفاشية التي تهدد شعبنا بالقتل والاعتقال والتشريد (الترانسفير) وارضنا ومقدساتنا بالسلب والتهويد.ما احوجنا الى اعادة اللحمة للشعب الفلسطيني الذي جزأته وشرذمته اتفافية اوسلو، ومفاوضاتها العبثية... ان الحراك الشبابي الفلسطيني مدعو اليوم اكثر من اي وقت مضى ومن خلال موقعه، للمساهمة الجادة في صيانة القضية والنضال من اجل تحقيق الاهداف الوطنية الكبرى التي دفع شعبنا اثماناً باهظة على طريقها الطويل... وتجنب الانزلاق في شعارات تساهم في خلط الاوراق وتوفر الغطاء لمن ادخل القضية الفلسطينية الى الانفاق المظلمة... انها فرصة تاريخية لاخراج القضية الفلسطينية من تلك الانفاق، واعادتها الى سكة الخلاص الحقيقي... طريق المقاومة، التي كان ولا يزال جيل الشباب اساسها وعمادها الدائم.ان القضية الفلسطينية بحاجة مستمرة الى حركة نضالية جهادية شعبية مقاومة تعتمد على النفس الطويل، مستفيدة من دروس الثورات الشعبية في العالم العربي، والتي استمدت أساليبها من التجربة الفلسطينية الرائدة...
المصدر: القدس للانباء