الدستور بين
الحقيقة والمناورة
بقلم: يوسف رزقة
منذ أن نشأت السلطة الفلسطينية
بموجب اتفاقية أوسلو وحتى تاريخه وهي تعمل نظريا من خلال ما يسمى ( القانون الأساسي
وتعديلاته)، ولا تعمل من خلال الدستور، لأن الأخير غير موجود، والأول حلّ محله على
مدى زمني يبلغ عشرين عاما.
أضف إلى ذلك أن قيادة السلطة
في زمن الراحل ياسر عرفات، وفي زمن محمود عباس كانت تتهرب من صناعة دستور دائم ، كم
تتحدث مراكز الأبحاث ومؤسسات حقوق الإنسان، خشية أن يحدّ الدستور من صلاحياتهم كأفراد
، ويخضع إجراءاتهم إلى الدستور وأحكامه، وقد تعودوا من سنين طويلة أن يعملوا بالأبوة
لا بالدستور؟!.
حين صنعت السلطة القانون
الأساسي وصفته في العنوان ( بالمؤقت)، أي أنها ستعمل بموجب مواده وأحكامه (مؤقتا) لحين
وضع دستور دائم، بعد خمس سنوات من قيام السلطة، وشكلت لهذه المهمة لجانا، ولكنها جمدت
عملها، على قاعدة "إذا أردت إماتة قضية فشكل لها لجنة".
ومع ذلك فإن جل المواد الموجودة
في القانون الأساسي هي مواد دستورية جيدة وصالحة، ولكن المشكلة الحقيقية ليست فيها،
أو في النقص الذي يعتريها، وإنما في العقلية الفردية الاستبدادية التي تعمل من خارج
القانون غالبا، وتلجأ إلى القانون الأساسي عند الحاجة التي تخدمه فقط.
ولنضرب مثلا توضيحيا فنقول:
القانون الأساسي الذي تفردت قيادة السلطة بتشكيل اللجنة التي وضعته يفصل بين السلطات
الثلاث بشكل جيد، ولكن الواقع العملي يقول: إن السلطة التنفيذية ممثلة برئيس السلطة
تمارس السلطات الثلاث: ( التنفيذية، والتشريعية، والقضائية)، فالمجلس التشريعي معطل
منذ فوز حماس بأغلبية مقاعده، والسلطة القضائية تخضع لتوجيهات رئيس السلطة وأجهزته
الأمنية، فلا يستطيع مواطن قطع راتبه بقرار سياسي متعسف من مقاضاة رئيس السلطة بصفته
المسؤول المباشر عن هذه الجريمة.
لقد حدد القانون الأساسي
المدة القانونية لرئيس السلطة في الدورة الواحدة بأربع سنوات، ويلزم لتجديدها إجراء
انتخابات جديدة، ومع ذلك فإن رئيس السلطة يمارس عمله في الرئاسة من خارج القانون الأساسي،
وخارج إرادة الناخبين، لذا فهو في نظر خصومه غير شرعي ومغتصب للمنصب، وعليه تصحيح وضعه
بالدعوة لانتخابات جديدة.
الحديث في القانون الأساسي،
وفي الدستور أيضا هو حديث في القانون وليس في السياسية، ولا مجاملات في الأحاديث القانونية،
والفلسطينيون كانوا في حاجة إلى دستور منظم لحياتهم، قبل أن يحوزوا على صفة دولة مراقب
في الأمم المتحدة، كما هم في حاجة له الآن، ومن ثمة ليست الدولة المراقب هي المبرر
الحقيقي لقرار عباس بتفعيل لجنة الدستور، وعلينا أن نبحث عن أسباب أخرى وراء هذا القرار
في هذا التوقيت؟! فالإجراء فيما يبدو منارة لا حقيقة؟!
أما اعتراض حماس والجهاد
على تشكيل لجنة وضع الدستور بقرار منفرد، وبأعضاء من لون سياسي واحد، فهو اعتراض سياسي
وقانوني في محله، لأن الدستور يُوضع للدولة ولكل الأحزاب والشعب، وليس لحزب واحد، لذا
يلزم إشراك كل المكونات السياسية والشعبية والمدنية, إضافة إلى الخبراء ورجال القانون
في وضعه، ليكون ما يخرج عن اللجنة معبرا عن الجميع بلا تحيز لحزب أو لفئة.
المصدر: فلسطين أون لاين