السعودية وحماس.. مؤشرات
تقارب مدفوع بالمصالح
بقلم: شيماء مرزوق
لم ينقض أكثر من شهر
على تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في السعودية، ولم تنقطع في هذه المدة القصيرة
التحليلات والتكهنات المبنية على مؤشرات واقعية تتحدث عن تقارب متوقع ومرتقب في العلاقة
بين المملكة القوية والحركات الاسلامية المعتدلة، التي تدخل في اطارها حركة حماس والدول
التي تدعمها، وذلك بعد عامين من الجمود الذي ضرب العلاقة نتيجة الانقلاب على حكم الاخوان
المسلمين في مصر، والذي كانت السعودية الداعم الرئيس له مالياً وسياسياً.
التفاؤل بالتقارب بين
الطرفين ليس مبنيا على آمال واوهام، إنما على مصالح مشتركة مرتبطة بعدة ملفات في المنطقة،
وأي تغيير ولو جزئي في السياسة السعودية اتجاه هذه الملفات سيلقي بظلاله حتماً على
حماس وقطاع غزة.
"مصر، اليمن، سوريا"
أبرز الملفات التي يضعها الملك الجديد على أجندته، وإحداث اختراق حقيقي فيها يحتاج
تغييرا في السياسة الخارجية للمملكة، بعد أن أثبتت سياسة الاقصاء التام التي انتهجها
الملك عبد الله بن عبد العزيز ضد الجماعات الاسلامية المعتدلة فشلها ولم ينتج عنها
الا حالة واسعة من عدم الاستقرار ساعدت على توسع النفوذ الإيراني.
وجدت السعودية نفسها
بعد أربع سنوات من الربيع العربي الذي حاربته بشدة امام تحديات خطيرة وتمدد غير مسبوق
للشيعة في المنطقة وخاصة اليمن التي تعتبر الحديقة الخلفية للمملكة، لكنها غضت الطرف
في البداية عن تمدد الحوثيين على أمل أن يتصدى لهم حزب الاصلاح "الاخوان المسلمون"
المسلح والمنظم جيداً.
وكانت السعودية تهدف
إلى أن يصفي اعداؤها في اليمن بعضهم بعضا الا ان الاخوان أدركوا اللعبة وتركوا الجماعة
الشيعية المتحالفة مع إيران تتمدد حتى سيطرت على معظم اليمن وهو ما يشكل هاجسا للسعودية
اليوم ولن تجد له حلا الا بالتحالف مع الاخوان هناك لمواجهة جماعة الحوثي، وهو ما أكده
الصحفي المقرب من دوائر صنع القرار في المملكة السعودية جمال خاشقجي حين قال
"الإخوان المسلمون في اليمن متمثلين في حزب الإصلاح هم القوة الوحيدة القادرة
على كبح جماح الحوثيين والتصدي لهم".
بينما توقعت وكالة
"رويترز" أن يكون الملك "سلمان" أقل تشددًا اتجاه حزب التجمع اليمني
للإصلاح، مقارنة بسياسة الملك السابق التي قطعت العلاقات القديمة معهم، ورجحت أن تعيد
المملكة اتصالاتها بالحزب في ظل تنامي التهديد الحوثي - الإيراني.
وأمام هذه التحديات
يشكل الملف السوري الذي وصل الجميع فيه إلى طريق مسدود هاجسا أكبر للسعودية التي تسعى
لوقف الانهيار في المنطقة، خاصة وأن انتشار الجماعات الاسلامية المتشددة على طول حدودها
الشمالية يحتاج إلى تغيير سياساتها والبحث عن تحالفات جديدة صاحبة نفوذ وتأثير قوي
في سوريا يجابه النفوذ الايراني وهو ما يتوفر في تركيا بالدرجة الأولى التي تبدو قادرة
على لعب دور مهم في الملف السوري.
ويقول مراقبون إن التطورات
التي شهدتها السعودية حديثا تدفع باتجاه التفاؤل بحدوث تغييرات في السياسة الخارجية
السعودية وفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية السعودية، مع ترجيح ان الزيارة الخارجية
الأولى للملك ستكون إلى تركيا، وما عزز هذا الاتجاه هو الزيارة التي قام بها ولي ولي
العهد الأمير محمد بن نايف لقطر في أولى زياراته الخارجية.
جواد الحمد مدير مركز
"دراسات الشرق الأوسط" بالأردن، توقع بدوره تغير سياسة المملكة العربية السعودية
اتجاه النظام في مصر بعد تولي الملك سلمان أمور المملكة، مرجعًا ذلك إلى أن "السعودية
تشعر الآن أن مواقفها الخارجية خلال العامين الماضيين أنتجت حالة واسعة من حالة عدم
الاستقرار ساعدت على توسع النفوذ الإيراني، وهو ما سيدفعها لتغيير سياستها الخارجية".
وفي ظل المتغيرات الكبيرة
والنزيف الحاصل في المنطقة ينذر الوضع في مصر والمخاوف من تحولها الى دولة فاشلة بالمزيد
من التدهور الحاصل في المنطقة.
حماس دفعت ثمناً باهظاً
للانقلاب في مصر رغم عدم تدخلها في الشأن المصري وعاقبها النظام الجديد بشن حرب اعلامية
وسياسية ضروس على اعتبار انها جزء من معركته ضد الاخوان المسلمين، لذا فمن الطبيعي
ان تجني الحركة ثمار اي مصالحة او تقارب بين السعودية والاخوان في المنطقة ككل ومصر
بالتحديد.
وبعد عامين من الانقلاب
في مصر بات جلياً للمملكة ان نظام السيسي يسير بخطوات متسارعة نحو الفشل، فوضع مصر
خطير ومخيف في ظل الاضطراب الامني المتزايد والأزمة الاقتصادية الطاحنة فيها وهو ما
ينذر بانهيار وشيك للدولة، وهذا ما لن تسمح به السعودية حتى لو اضطرت بالتضحية بالنظام
الحالي فهي تعتبر مصر ركيزة الاستقرار في المنطقة.
وهنا نعود إلى ما قاله
الصحفي خاشقجي في مقال له "أوضاع مصر لا تبشر بخير، وأدت حماية نظامها من النقد
والمحاسبة إلى أن يتغول على الحريات، وبات سقوط قتلى مصريين كل يوم في شوارع القاهرة
وبقية المدن من أجل حماية النظام خبراً عادياً، ما عمّق الانقسام والاستقطاب، وجعل
المصالحة الوطنية المنشودة أصعب وأبعد، وليس هذا بالتأكيد ما تريده السعودية والولايات
المتحدة لمستقبل هذا البلد المهم".
الخروج من المأزق الحالي
في مصر لن تجد له السعودية إلا سبيلا واحدا وهو المصالحة واجراء صفقة كبيرة في مصر
تنهي الصراع بين الثورة ونظام مبارك وتجمع الطرفين، وسيكون التضحية بالسيسي أمرا مقبولا
من الجميع مقابل استقرار هذا البلد المهم.
ومن الواضح أن الولايات
المتحدة التي تنسق بالكامل مع السعودية في كل السياسيات المتعلقة بالشرق الاوسط أعطت
الضوء الأخضر لذلك حتى قبل وفاة الملك السابق، خاصة عندما أجرى مستشارون للملك سلمان
اتصالات مع قيادات بالمعارضة الليبرالية المصرية تربطها علاقات بجماعة الاخوان، الامر
الذي استفز السيسي وجماعته.
وتنبئ السياسة السعودية
الجديدة بتغيير فارق في المحاور الموجودة في منطقة الشرق الاوسط فمن المتوقع ان تهمل
المحور الاماراتي المصري، وتسعى لتكوين محور جديد مع تركيا وقطر والجماعات الاسلامية
المعتدلة وعلى رأسها الاخوان المسلمين على اعتبار انها الاكثر قدرة على التصدي للتمدد
الايراني الشيعي والجماعات السنية المتطرفة، ما يعني أن المملكة ستعود لسياسة الاحتواء
التي اعتمدتها في السنوات السابقة ونجحت من خلالها في عدة ملفات.
هذا التحول إذا ما جرى
فان تداعياته ستطال قطاع غزة وحركة حماس، وليس سراً أن الأزمة الحالية التي تعانيها
الحركة ومعها غزة صنيعة النظام المصري وليس الاحتلال الإسرائيلي، ولربما هذا التقارب
المتوقع هو ما يدفع حماس للتمهل والحذر اتجاه علاقتها بإيران خشية أن تغلق علاقتها
بالأخيرة الأبواب السعودية امامها والتي تبدو مواربة الان، وهو ما يستفز إيران وهذا
ما يبرر الهجوم الاخير على رئيس حماس خالد مشعل.
المصدر: الرسالة نت