السلام وقضية اللاجئين
بقلم: فاتنة الدجاني
ليست جديدة محاولات "إسرائيل"
تقويض «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين» (أونروا)، ولا المحاولات الأميركية
المماثلة منذ «مشروع جونستون» (1953). وليس خافياً أن المستهدف هو اللاجئون الفلسطينيون
وحقهم في العودة إلى وطنهم. ولا هو اعتباطي أن يُعاد طرح هذه المسألة في هذا التوقيت
تحديداً، في ظل انحياز أميركي كامل للدولة العبرية، وضعف فلسطيني لا سابق له، واحتقان
إقليمي.
الأخطر هو ما لا يقال، لكن تشير إليه الحملة
الإسرائيلية لتصفية «أونروا». إن الجوقة الكاملة المتناغمة في حكومة بنيامين نتانياهو
التي تعزف لحن الوداع الأخير لوكالة الغوث، تؤشر الى دنو الحلول السياسية، وربما ما
يُطلق عليه تفاؤلاً «صفقة القرن».
تنظر الحكومات الإسرائيلية الى وكالة الغوث
على أنها الشاهد الذي يذكّر العالم بجريمة اقتلاع الفلسطينيين وطردهم وتهجيرهم بالقوة.
تعتقد أن تصفيتها تلغي الجريمة وتخفي آثارها وضحاياها، وربما تعيد كتابة التاريخ. وقبل
شهرين، أطلق نتانياهو حملة جديدة لتفكيك «أونروا» بذريعة أنها تُخلّد مشكلة اللاجئين
وتُديمها. كأنما هي من أوجد مشكلة اللاجئين! الحل من وجهة نظره هو حلّ الوكالة ودمج
فروعها في المفوضية السامية للاجئين. وقبل أيام، ابتدع العقل الإسرائيلي فكرة تغيير
التفويض الأممي الممنوح لـ «أونروا» بحيث يُمنع توريث صفة اللاجئ إلى الأبناء والأحفاد
الفلسطينيين! ثمة مشكلة بسيطة. لا يمكن حلّ الوكالة أو تغيير تفويضها إلا بغالبية الأصوات
في الجمعية العامة. وتوافر هذه الغالبية مستحيل، قياساً بسجل التصويت السابق ضد إسرائيل.
في هذا السياق، تُفهم الحملة الإسرائيلية المحمومة في أوساط البيت الأبيض والكونغرس
لتفعيل كل الممكن من الضغوط والتهديدات، خصوصاً سحب التمويل من الأمم المتحدة، من أجل
كسب هذه المعركة. وفي المنظمة الدولية، السفيرة الأميركية نيكي هايلي كفيلة بممارسة
كل ما أمكن من ضغوط على الدول لتغيير مواقفها.
في هذا السياق أيضاً، تفهم الحرب الديبلوماسية
الضروس التي تدور بين الفلسطينيين وإسرائيل على كسب تأييد دول العالم لضمان أصواتها.
وفي مقابل إعلان الفلسطينيين الانتصار في معركة كسب القارة السوداء بعد أن نجحوا في
إلغاء قمة أفريقية - إسرائيلية في توغو، يتشدق نتانياهو بزيارته «التاريخية» لأميركا
اللاتينية.
صحيح أن هذه المعارك تأتي فيما يبحث نتانياهو
عن انتصار في ضوء التحقيق معه ومع زوجته بشبهات فساد، ثم وصول إيران قريباً من حدود
إسرائيل، لكن صحيح أيضاً أن "إسرائيل" تسعى الى حسم قضية اللاجئين قبل طرح
أي مبادرة سلام أميركية.
يعرف الفلسطينيون، كما يعرف العالم، أن
الدولة العبرية مُنحت عضوية في الأمم المتحدة مشروطة بأن تقبل من دون تحفظ الالتزامات
الواردة في ميثاق المنظمة الدولية وتتعهد تطبيقها، ومن بينها قرارا التقسيم وحق عودة
اللاجئين الفلسطينيين. فما الذي يمنع العرب والفلسطينيين من المطالبة بإسقاط عضوية
"إسرائيل" في المنظمة الدولية بناء على تنكرها لالتزاماتها هذه؟
تفكيك الوكالة سيزيد العبء على الدول المضيفة
للاجئين. وليس صحيحاً أن "إسرائيل" ستكون أمام أزمة إنسانية، تضطر خلالها
الى تحمل كلفة إعانة مئات آلاف اللاجئين في الأراضي الفلسطينية. هذا كلام إسرائيلي
للاستهلاك. ما من عبء أكبر من الاحتلال، وهذا دام حتى الآن 70 عاماً، وما من أزمات
إنسانية تفوق ما يجرى على الأرض الفلسطينية. أما كلفة إعانة اللاجئين، فلدى الحكومات
الإسرائيلية خبرة طويلة في توزيع أعباء الاحتلال وأثمانه على الدول الغربية والعربية
على السواء.
العبء الأكبر ستتحمله الدول المضيفة للاجئين،
وبعضها مثقل بأعباء لاجئين آخرين فاضت بهم أزمات دول مجاورة. ومثلما شكلت «أونروا»
عامل استقرار في المنطقة بالنسبة الى الدول المضيفة للاجئين منذ تأسيسها عام 1949،
فعلى الأغلب سيتحول اللاجئون في حال تصفيتها الى عنصر قلق وقلاقل. متاهات جديدة تضع
"إسرائيل" العالم والفلسطينيين أمامها، هرباً من تنفيذ التزاماته، وعلى رأسها
القرار 194.
قضية اللاجئين لا حل لها سوى الحل السياسي،
الحل العادل. وإذا كان المقصود بالسلام الإقليمي إلغاء حق العودة، فعلى السلام السلام.
المصدر: الحياة