الشتات الفلسطيني المتجدد
بقلم: عبّاد يحيى
كان يمكن لمتابع ما أثارته انتخابات الكنيست، أخيراً، من جدل بشأن مشاركة
القائمة العربية المشتركة، خصوصاً الجدل في المستويات العامة والشعبية فلسطينياً، أن
يلحظ إلى أي حد يحتاج النقاش إلى توضيحات وشروحات كثيرة لواقع الوجود الفلسطيني في
الأرض المحتلة سنة 1948، وطبيعة الممارسة السياسية وتاريخها ومستوياتها داخل دولة الاحتلال،
لدى أكثر الفئات انخراطا في العملية السياسية، بمعناها المؤسسي، وصولاً إلى الممارسة
السياسية القائمة على القطيعة مع الدولة ومؤسساتها، بوصفها كياناً استعمارياً. والثابت
أن الشتات الفلسطيني يتعقد ويتركب معرفياً إلى درجة غير مسبوقة.
اليوم لم يعد الفلسطيني، حتى المطلع المشغول بالشأن السياسي، قادراً على
الإحاطة بالظروف الموضوعية لحياة غيره من الفلسطينيين في مواقع الشتات، في الضفة وغزة
والداخل أو في الشتات العربي أو الغربي، وأسفر التعقيد المستمر في حالة الشتات وانحكامها
لظروف خاصة بالموقع الجغرافي والسياسي لكل فئة من الفلسطينيين إلى شروخ في فهم الفلسطينيين
أنفسهم. وانعكس هذا بوضوح في معظم النقاشات التي تكشفها وسائل التواصل الاجتماعي في
لحظة سياسية مهمة، كانتخابات الكنيست وموقف الفلسطينيين في الداخل منها، وبدا واضحا
أن هنالك غلبة لتصورات عامة ومجتزأة، مع شح المعلومات وعدم قدرة على تحصيلها، أو توظيفها
في سجال سياسي فعال ومفيد. وما زاد من حدة الأسئلة توحّد المشاركين في الانتخابات في
قائمة موحدة تشي - بتحفظ وتحرز- بفهم متقارب لطبيعة الممارسة السياسية الممكنة داخل
دولة الاحتلال، وهو الموقف الذي يصعب تمريره في المستويات الشعبية خارج الساحة السياسية
الخاصة بفلسطينيي 48، وظل الدفاع عنه إلى حد بعيد نخبوياً.
ويكشف الواقع، اليوم، أن البنية السياسية والاقتصادية والقانونية لكل جزء
من الشتات الفلسطيني ساهمت في توسيع افتراقه عن الأجزاء الأخرى من الشتات الفلسطيني،
وحالة الافتراق متصاعدة والتباينات تتكرس باضطراد، وهذا يفضي إلى القول إن تجاهل كل
الاختلافات السياسية والاجتماعية والقانونية لحالة جزء من الفلسطينيين في شتاتهم الخاص
سلوك غير سياسي، ولا عملي، تماما كالتعامل مع الاختلافات كأرضية وحيدة، تسفر عن خلق
برنامج خاص ضيق يتجاهل مجمل الشتات الفلسطيني. فحتى لا يغدو الحديث عن وجود فلسطيني
واحد مجرد تهيؤات وأوهام، لا بد من الإدراك الواعي لواقع الشتات الفلسطيني، وتفرد قطاعاته
وتمايزها، وتحديدا في البرامج النضالية الوطنية، وكذلك الحقوقية.
فالإصرار على وحدة غير موجودة، ولا متحققة، للفلسطينيين، أو الإصرار على
افتراق كامل لجزء من الفلسطينيين عن عمومهم، يجعل بناء تصور للممارسة السياسية غير
متوفر، وغير ممكن، ولا حتى خوض نقاش متقدم عن ممارسة سياسية لجزء من الشتات الفلسطيني.
خصوصاً في واقع يسفر، كل يوم، عن حقيقة أن الفعالية السياسية غير متصلة بالمواقف العامة
والمقولات العريضة والشعارات، بقدر اتصالها بالبرنامج السياسي القابل للتحويل إلى فعل
جامع. ويبدو سهلاً دوما الانحياز إلى مقولات عامة، تبدو مبدئية لتفسير أي موقف من الممارسة
السياسية في شتى مواقع وجود الفلسطينيين في العالم، لكن هذه المقولات، من فرط عموميتها،
قد تنتج حالة من السكون واستحالة الفعل السياسي، خصوصاً إن لم تكن تؤسس لممارسة نضالية
وسياسية أخرى، أو مناقضة للممارسات التي ترفضها.
ما يبدو واضحا، اليوم، في ظل تلاشي منظمة التحرير أن غياب البرنامج السياسي
الجامع، وعدم كونه متوفراً في هذه المرحلة، يفضي، بطريقة أو بأخرى، إلى اختلاف الاجتهادات
بين كل جزء من الفلسطينيين بما يرونه متناسباً مع حالتهم، ومع بداهة القول إن هذه حالة
اضطرارية وطارئة، لا تغني عن الجهد الدؤوب نحو مشروع متكامل، ولكن تشي، أيضاً، بأن
مجرد انتظار المشروع المتكامل الجامع ليس حلاً، خصوصاً في واقع يعيش فيه الفلسطينيون
تهديداً مستمراً، على كل المستويات السياسية والقانونية والحقوقية.
المصدر: العربي الجديد