الشعب الفلسطيني والأمواج العاتية
بقلم: مشهور عبد الحليم
إذا أردنا أن نؤرخ الابتلاءات مع بدايات القرن الماضي أي منذ أن حط الاستعمار البريطاني أقدامه على أرض فلسطين وما نتج عنه من احتلال ومصادرة للأراضي وملاحقة للثوار وقتل للأبرياء, ثم ما أقدمت القوى الاستعمارية من تسهيل مرور العصابات الصهيونية وجلبها إلى فلسطين وفاءً لوعد بلفور المشؤوم الذي صك في عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين, ثم التواطؤ والتغاضي عن العصابات اليهودية التي ارتكبت المجازر في دير ياسين وغيرها.. الأمر الذي أدى إلى تهجير قسري لأكثر من 700,000 فلسطيني باتجاهات مختلفة إلى لبنان وسوريا وجنوب فلسطين ومصر، وفي أيار عام 1948 تم إعلان دولة الكيان والتي كان قد سبقها في عام 1947 الجريمة المدموغة بقرار دولي يفضي إلى تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية تحت الرقم 181 الصارد عن مجلس الأمن الدولي في عملية اغتصاب مشرعة للأراضي الفلسطينية, ومن فصول التهجير والتشريد الذي حمل الناس على السير مشياً على الأقدام من قراهم في شمال فلسطين إلى حدود الدول المجاورة .
محطات هامة
وتلاحقت النكبات وفي عام النكسة 1967 وبعد أن تمكن الكيان الصهوني من هزيمة دول الطوق العربي واحتل أجزاء من أراضيها دفعت بهجرة جديدة للشعب الفلسطيني باتجاه الأردن ومصر بعد طردهم من الضفة الغربية وقطاع غزة, وكذلك احتلال هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية، وبعد انتقال العمل الفدائي الفلسطيني الى الأردن وما رافقه من تجاوزات دفع الفلسطيني ثمناً باهظًا لها, ثم أبعدت الثورة الفلسطينية من الأردن إلى سوريا ولبنان, وما هي إلا بضع سنين بعد العام 1968، من دخول الثورة الفسطينية للأراضي اللبنانية حتى انفجرت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 واستدرجت المقاومة الفلسطينية إلى مستنقعها ووحولها... فماذا كان الثمن ودون تفاصيل .. تدمير مخيم تل الزعتر في شرق بيروت وارتكاب المجازر بحق أهله ولا يخفى على أحد من هي العصابات التي ارتكبت المجازر ومن مولها وسلحها وحماها آنذاك.. ثم جاء الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 حيث قصفت المخيمات وهجر أهلها وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا في 16و17/ ايلول لعام 1982 على ايدي العدو وعملائه، وبعدما غادرت المقاومة الفسطينية لبنان حوصرت المخيمات واعتقل شبابها وزجوا في سجون السلطة اللبنانية، واستأسد البرلمان اللبناني وسن القوانين المجحفة بحق الشعب الفلسطيني.
وبين العام 1985و1987 افتعلت حرب المخيمات في الجنوب وبيروت تحت عناوين واهية لم تكن مقنعة لأحد أدت إلى مقتل وجرح الألاف وتدمير اجزاء كبيرة من المخيمات واستباحة بعضها؟... ويأتي ذلك ضمن سياسة التضليل المستمرة ,حرب المخيمات دامت أكثر من ثلاث سنوات على مخيمات برج البراجنة وشاتيلا في بيروت والرشيدية في منطقة صور ومناوشات على أطراف مخيم عين الحلوة عدا على الاهانات التي تعرض لها الفلسطيني على الحواجز والطرقات من خطف واغتيال.. ثم أدخلت بعض المخيمات في صراعات داخلية خصوصًا في صفوف حركة فتح بعد الانفصال والتي أدمت بدورها الشعب الفلسطيني وتحت عناوين متشابه جدًا ويقف وراءها من يقف.. وخلال الفترة الزمنية الممتدة من عام 1989 إلى 2006 جاءت (حرب العراق والكويت والعدوان الأجنبي على المنطقة وما نتج عنه بحق الفلسطينيين في كل من الكويت والعراق مجازر وتشريد وطرد والخ..).
نعود إلى لبنان حيث كانت المخيمات وما زالت تحت الإغلاق بالحواجز ولا أمن ولا استقرار فيها- بين المد والجزر- وخصوصاً مخيم عين الحلوة الذي تلعب في مصيره العصابات الداخلية والأجهزة التي تشجع على الاغتيالات والتصفيات بين أبنائه.
في العام 2007 وبغفلة عن أهالي مخيم نهر البارد اندلعت حرب جديدة على المخيم المذكور بين ما سمي بفتح الإسلام والجيش اللبناني في معركة دامت ما يقارب الخمسة أشهر نتج عنها تشريد أهالي المخيم البالغ عدده 45,000 نسمة والتي شكلت لهم نكبة أخرى دمر على أثرها المخيم وسوي في الأرض. وكانت الحكومة اللبنانية قد وعدت أهالي المخيم بالإعمار والعودة إليه وإلى الآن لم يعمر المخيم ولم يعد أهله اليه سوى أعداد قليلة، ناهيك عن سوء معاملة أهله عن الدخول والخروج منه.
وبعد العام 2006 وعندما فازت حركة حماس بالانتخابات المحلية والتشريعية قامت الدنيا ولم تقعد (هذه نسميها الحرب الكونية على المقاومة لما اجتمعوا بشرم الشيخ لتصفيتها وتجفيف الدعم عنها) فكان الانقلاب على الشرعية المنتخبة وتم حصار قطاع غزة، ثم شنت حربين كبيرتين على القطاع في 2009 و2012 من قبل العدو الصهيوني أدتا إلى سقوط الآلاف من الشهداء والجرحى.
ومن نتائج العدوان الكوني على المقاومة الفلسطينية الانقسام الفلسطيني الحاد الذي انعكس على مجمل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات والذي لا تزال آثاره قائمة حتى الساعة، ومع اندلاع الربيع العربي تفاءل الشعب الفلسطيني ورفع من سقف آماله بإمكانية إنهاء الانقسام الداخلي والمراهنة على قيادة عربية تنفض عن كاهلها سنين الهزيمة والاحباط..
سقطت بعض هذه الأنظمة التي شكلت سياجاً آمناً للكيان الصهيوني على مدى العقود الستة الماضية. الثورات العربية تجول كعاصفة لا تسكن، ولما دخلت سوريا في الأزمة كنا ندرك حساسية الوضع في سوريا لما تشكله من تاريخ وعمق حاضن للشعب الفلسطيني والمقاومة، وبعد اشتداد الأزمة حيث لم تفلح المبادرات نأت حركة حماس بنفسها عن الأزمة وخرجت قياداتها من الأراضي السورية.
ومع اتساع رقعة المعارك في الوسط والشمال طالت المعارك بعض المخيمات ومنها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الذي تعرض لقصف شديد وهجر سكانه البالغ عددهم ما يقارب 160,000 ألف لاجئ مجددًا، وهاهم بين السماء والطارق في برد وشتاء وصقيع قارص..
أهذا هو قدر الفلسطيني ؟؟ ولا ندري ما هو المخفي لكن نقول صبراً آل فلسطين فإن موعدكم الجنة إن صبرتم وتوكلتم على الله ( حتى ولو جرت الرياح بما لا تشتهي سفن البعض)، واثقون بوعد رسول صلى الله عليه وسلم.
المصدر: جريدة البراق، عدد كانون الثاني 2013