القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

الشعب الفلسطيني يريد إنقاذ القضية الوطنية لا السلطة الفلسطينية

الشعب الفلسطيني يريد إنقاذ القضية الوطنية لا السلطة الفلسطينية

د. عبد الحميد صيام

تنص المادة 79 من قانون المجلس التشريعي الفلسطيني على ما يلي: ‘لا يجوز لرئيس الوزراء، أو لأي من الوزراء ممارسة مهام منصبه إلا بعد الحصول على الثقة به من المجلس التشريعي’. هذا البند لم يتم احترامه لا عند تعيين سلام فياض رئيسا للوزراء في 15 حزيران/يونيو عام 2007 ولا نعتقد أنه سيطبق الآن مع تعيين رئيس وزراء جديد هو الدكتور رامي حمدالله، رئيس جامعة النجاح الوطنية. لقد جرى تجميد عمل المؤسسات الفلسطينية بشكل كامل أو شبه كامل، خاصة بعد انقسام 2007. فالمجلس الوطني والمجلس المركزي والمجلس التشريعي والمجلس الثوري لحركة فتح واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، تكاد تكون كلها معطلة، كما أنها تجاوزت صلاحياتها بعد تعطل الآلة الانتخابية في كل تلك المؤسسات. لقد استبدلت كل هذه المؤسسات بالقرار الفردي غير المدروس منذ شهر تموز/يوليو 2007 ولغاية الآن. لا نعرف ما فائدة المؤسسات إذا لم تقم بدورها الجماعي في الرقابة والتشريع والتنفيذ، وما فائدة العملية الديمقراطية إذا كانت تختصر في الانتخابات الموسمية. فانتخابات المجلس التشريعي عام 1996 استمرت عشر سنوات، وانتخابات 2006 دخلت عامها السابع، رغم أن القانون الداخلي يحدد مدة عمل المجلس بأربع سنوات فقط ، وكذلك منصب الرئيس الذي حدد بأربع سنوات قابلة للتجديد، أي أن ولاية السيد محمود عباس قد انتهت منذ 9 كانون الثاني/يناير 2009.

ومع أننا، معشر الأكاديميين، نفرح عندما يتم تكليف أي زميل لنا بمهمة وزارية، لمعرفتنا بأن الشخص الأكاديمي يتمتع بخبرة وثقافة واسعتين، كما أن الأكاديمي يستخدم الأسلوب العلمي في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى أنه يتمتع بالروية والصبر والقدرة على التحليل السليم والتوصل إلى نتائج دقيقة وموثقة اكتسبها أثناء ممارسته البحث العلمي، لكن تجاربنا السابقة مع الأكاديميين الذين ولجوا باب السياسة مخيبة للآمال، حيث يبدأ الأكاديمي يستمرئ السياسة وأضواءها وامتيازاتها ويتعود على الحل والترحال ومقابلة المسؤولين الأجانب، وتهافت كاميرات الفضائيات لالتقاط تصريح أو تعليق أو ابتسامة، فما هي إلا سنة أو سنتان أو ثلاث، وإذا بالأكاديمي يبتعد عن مقاعد الجامعة ويلتصق أكثر بكراسي السلطة ويتحول من إنسان موضوعي ومتزن ومحايد إلى شخص آخر تماما، أعداؤه أكثر من أصدقائه يلتف حولة ثلة من الانتهازيين والفاسدين والمنتفعين، ويصبح هدفا للنقد والتهم والتجريح. ونتمنى على الرئيس عباس أن يتلفت حوله ليرى مجموعة من هؤلاء الذين وصلوا ساحات السياسة عن طريق الأكاديمية، فخسروا الاثنتين معا على طريقة الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة. كما نتمنى على السيد حمدالله أن يحافظ على السمعة الطيبة التي اكتسبها نتيجة عمله الدؤوب في الميدان الأكاديمي والإداري في جامعة النجاح.

التحديات الكبرى أمام رئيس الوزراء المكلف: نتذكر هذه البديهيات بعد أن سمعنا يوم الأحد الماضي عن تكليف الدكتور رامي حمدالله، رئيس جامعة النجاح الوطنية، بمهمة رئيس الوزراء، خلفا للسيد سلام فياض الذي بقي في هذا المنصب نحو ست سنوات. كان الله في عون السيد حمدالله لكثرة التحديات التي تواجهه، لدرجة أن أحد الكتاب شبه مهمته بالعمليات الانتحارية. أمام السيد حمدالله تحديات كبرى لا نعرف كيف سيجدف أشرعته في خضم تلك العواصف والتيارات المتعاكسة والأخطار القاتلة التي أطاحت بفياض، ولنذكر النزر اليسير منها حتى لا نثقل على الرجل أكثر وهو ابن البلد والعارف بشعابه ودهاليزه، ولا نريد أن نتأستذ على أستاذ علم اللسانيات، الذي قاد جامعة النجاح بامتياز وجعلها أفضل جامعات فلسطين، بل من أفضل جامعات الشرق الأوسط قاطبة.

التحدي الاقتصادي: من أولى مهمات رئيس الوزراء الجديد، كسب ثقة الدول المانحة، وبالتحديد الولايات المتحدة والاتـحاد الأوروبي، لضمان استمرار المساعدات المالية. وكي يضمن ذلك عليه أن يثبت باستمرار أنه جاد، عملي، عصي على الفساد، لا يتهاون مع التسيب المالي والتلاعب بالمناصب وهدر المال العام في مشاريع غير مجدية. لقد كسب فياض ثقة الدول المانحة وخسر ثقة حزب السلطة ‘فتح’، التي أرادت أن تستعمله كبش فداء لتراجع الحركة سياسيا وشعبيا وتنظيميا، فوجدت في فياض مشجبا مناسبا تعلق عليه خيبتها. لقد أصبحت السلطة الفلسطينية أكبر مؤسسة تشغيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهناك الآلاف من الموظفــين يعيشون من شهر إلى شهر بانتظـــــار الراتب، وأي خلل في هذا النظام سيدفع رئيس الوزراء الجديد ثمنه. فهو لا محالة واقع بين فكي كماشة الجيش البيروقراطي وشروط الدول المانحة.

التحدي السياسي: على رئيس الوزراء الجديد أن يتعامل مع كثير من القضايا السياسة الشائكة وأولها مسألة الانقسام بين سلطتي حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية. هذا الانقسام، الذي عززته تدخلات خارجية، يبدو أنه في اتساع مطرد، ولا نتوقع أن ينتهي قريبا. والانقسام العمودي والأفقي هذا يجب، في رأينا، ألا ينتهي بحفلة تبويس لحى وتحاضن بين المسؤولين، بل بالاتفاق على برنامج شامل وجذري للمرحلة القادمة. فبرنامج عباس القائم على المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات أثبت خطله للمرة الألف، أما برنامج حماس، الذي كان في ما مضي من غابر الأيام قائما على المقاومة إلى أن أوصلها سدة الحكم، تحول إلى برنامج سلطة تسعى لأسلمة مجتمع مسلم أصلا، وإلى جهاز يضبط الأمن ويجبي ضرائب الأنفاق ويمنع أي فصيل، ليس فقط في إطلاق ‘فتيشة’ على إسرائيل، بل يعرقل قيام مسيرة أو مظاهرة مناوئة. وعلى رأي صديقنا محمد أبو ميز (أبو حاتم) ‘لقد أصبح حاضر حماس كماضي فتح ومستقبل حماس كحاضر فتح’.

التحدي الوطني: وهو الأخطر، لا حاجة أن نذكر رئيس الوزراء الجديد بأن الشعب الفلسطيني ما زال تحت الاحتلال ويراقب صباح مساء أرضه تسلب وقدسه تهود والجدار العنصري يلتف كحبل المشنقة على أعناق القرى والمدن الفلسطينية، والمستوطنات تنتشر وتتمدد وتتقيح كبقع الجدري على الجسم الفلسطيني، بحيث لم يبق من الأرض ما يمكن أن يقام عليها دولة مستقلة. كما يشاهد رعونة المستوطنين واعتداءاتهم المتكررة على المواطنين وتكسير أشجارهم وحرق مزارعهم. المواطن العادي يسأل: إلى متى سيبقى آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية؟ إلى متى سيبقى الظمأ يقتل الشعب الفلسطيني ومياهه تتحول لبرك سباحة للمستوطنين ورشاشات مياه لأعشابهم؟ إلى متى يبقى التنسيق الأمني مستمرا؟ الرئيس الفلسطيني مشغول جدا ينتقل من بلد إلى آخر ويستعرض حرس شرف في كل مطار يحط فيه، ويضطر أن يمشي ببطء على السجادة الحمراء المفروشة خصيصا له. والرئيس يعمل حاليا بدأب وجدية لتحريك عجلة المفاوضات المعطلة، ويحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي وعربي، لقد تمكن ببراعة أن ينشر الأمن والأمان وأن يؤمن نوما هانئا للمستوطنين، حيث استطاع تفريغ البلاد مؤقتا من أية إمكانية لقيام انتفاضة ثالثة، وأعطى غطاء شرعيا للتنازلات العربية وآخرها وفد لجنة المتابعة العربية الذي قدم يوم 30 نيسان/أبريل الماضي في لقاء مع وزير الخارجية الأمريكية هدية مجانية بدون مقابل بقبوله فكرة تبادل الأراضي.

الخوف أن يلقي السيد عباس هذا الحمل الثقيل على كاهل رئيس الوزراء الجديد فيدخله في متاهة المفاوضات العبثية، التي اصبحت محرقة يسقط فيها الكثير من الأكاديميين وغير الأكاديميين من صغار المفاوضين إلى كبارهم.

في عام 2009 وعد السيد سلام فياض الشعب الفلسطيني بأن دولته المستقلة ستقام عام 2011. وقد كتبت على صفحات هذه الجريدة تعليقا في 3 تشرين الأول /أكتوبر 2010 أشكك فيه بهذا الوعد، يقول بالحرف: ‘أعد القراء أن أعتذر علنا للسيد فياض إذا ما قامت الدولة الفلسطينية المستقلة المترابطة جغرافيا والقابلة للحياة…. لكنني أخشى أن تمر السنتان ولا يبقى مكان نقيم عليه دولة المؤسسات العتيدة التي يبنيها السيد فياض، ويكون مثله كمثل الذي أعد العربة جيدا قبل التأكد من وجود الحصان’. مرت السنتان ومرت بعدهما سنتان ولم تقم الدولة. وسقط فياض من دون أن يُسقط الشعب الفلسطيني حقه في التحرر والاستقلال وتقرير المصير وحق العودة.

نتمنى على السيد حمدالله أن يتعلم من أخطاء الآخرين ويمتنع عن قطع الوعود وألا يتحمل أوزار كارثة أوسلو التي أحرقت الكثيرين من قبله وقضمت الكثير من الحقوق الفلسطينية، وما زال مهندسوها يبدلون الوزراء والوزارات ويمنحون الثقة ويسحبونها، ولا يدركون أن الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية ومناطق الشتات قد سحب الثقة منهم منذ زمن بعيد.

القدس العربي، لندن، 7/6/2013