القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

الطريق إلى فلسطين (2).. تاريخ المقاومة ومعاينة معالمها في غزة

الطريق إلى فلسطين (2)

تاريخ المقاومة ومعاينة معالمها في غزة

بقلم: ياسر علي

خاص/ لاجئ نت

وأنت في غزة، لا يمكن أن يمر وقت من دون أن تسمع اسماً تردد كثيراً في وسائل الإعلام، أو مكاناً تحفظه باسم عملية أو اغتيال.. أردنا في رحلتنا القصيرة هذه، أن نرى كل الأماكن والأسماء التي حفظناها.. فضاقت الرحلة على كل الأسماء..

نزلنا في فندق قرب «المنتدى الرئاسي» وطائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات منتصبة هناك. مقابل الميناء، حيث المعاناة اليومية للصيادين، ونصب شهداء سفينة مرمرة.. «مستشفى الشفاء» قريبة منا، وهي الأشهر في وسائل الإعلام التي تنقل أخبار غزة.. في كل زاوية من القطاع يحدثك مُرافقك عن آثار الدمار، ومعالم المقاومة..

أولى المعالم التي تراها عند دخولك قطاع غزة، عند معبر رفح، سيارة «جيب كيا» مدمرة الخلفية، جديدة من المقدمة، عليها صورة القائد الشهيد أحمد الجعبري، تلك هي السيارة التي استشهد فيها..

وفي منزل بعض الأصدقاء، تلتقي أحد الذين كان يسكن عندهم سراً الشهيد يحيى عياش، تتواطأ النظرات من دون السؤال عنه، فقد أنجز مضيفونا معهم ملفاً كاملاً لمجلة البراق (حين كنت رئيساً للتحرير)، يقول: استهدفتني جماعة الدحلان ثلاث مرات، إحداها الحصار في مكان عملي الخاص لعدة ساعات، وفي إحداها جرى تحطيم سيارتي..

برفقة الإعلاميَّين مؤمن ووليد، قطعنا أشواطاً في قطاع غزة.. هنا المستوطنات، وهنا عملية فلان، وهنا استشهد فلان، وهذه آثار تفجير فلان.. وهنا عملية «براكين الغضب» وبداية حرب الأنفاق، وهنا عملية «الوهم المتبدد» حين جرى أسر جلعاد شاليط. وهنا مستوطنة «عتصمونا»، حيث نفذ الشهيد محمد فرحات عمليته.. ما تسمعه يختلف عما تراه.. تراودك أسئلة ميدانية تختلف عن المتخيل مسبقاً لديك. سألتهم: كيف وصل فرحات إلى هنا؟ قالوا: كان السلاح جاهزاً في غرفة حارس في المستوطنة.. أخبروني عن الشخص الذي أوصله إلى حدود المستوطنة.. كنا نعلم أن العملية كانت ناجحة جداً عسكرياً، لكن لم نعلم الخطورة الأمنية التي أوصلت الشهيد إلى هذا المكان، إلا عند معاينة الموقع؟!

هناك جسر مشاة على شارع صلاح الدين، قالوا هذا من عهد الاحتلال، لم يكن جسر مشاة، بل كان جسراً محصناً ببرجين وبإسمنت مسلح، ليكون معبراً آمناً بين مستوطنتين، أو جناحي مستوطنة.. لقد كان مبهراً ومتجذراً، وتحسبه أبدياً، التأسيس والتجهيز الذي كان يهتم بمستوطنات العدو في غزة.

عند معبر نتساريم، هنا استشهد الطفل محمد الدرة.. ويصف الزميلان المشهد، ومن أي الاتجاهات جاء الرصاص، وأين كان المصوّر طلال أبو رحمة؟!

وهنا الشهيد طارق فجر سيارته بجيب عسكري، وهنا قرب هذا المسجد الصغير، مسجد عزالدين القسام في الزيتون، فجر الشهيد «عماد عقل» منذ عشرين عاماً عصر العمليات العسكرية المصورة في غزة، وها هي في سقف الشرفة رصاصات من عمليته الشهيرة المصورة، ما زال مكانها محفوظ منذ عشرين عاماً.. حين استخدم بندقية كارل غوستاف في عمليته، وبهدوء خارق، صوّر العملية وغنم الأسلحة وغادر المكان..

في منزل «أم نضال فرحات»، بندقية معلّقة على الحائط، سألتها عنها، فقالت هذه «بندقية كارلو» أهداها لها رجال القسام في تكريم خاص، وقالت إنها من أولى البنادق التي استخدمتها الكتائب!.. يا الله! مددت يدي لأتلمسها، فقام ابنها وفكّها وحمّلني إياها.. ما أروع أن تحمل ينبوع التسليح في كتائب القسام.. من يصدق أن هذه البندقية تحولت لاحقاً إلى صواريخ أم75..؟ تطارد العدو في المنازل والملاجئ والساحات..

في منزل أم نضال أيضاً، وُلد «صاروخ القسام» ذو التسعين سنتم، الذي كان مشروع حياة ابنها الشهيد نضال، نضال ستشهد في مشروع آخر، وهو مشروع تفخيخ طائرة شراعية. أم نضال تحفظ مراحل صاروخ القسام، قالت: إن أول صاروخ جرّبه نضال وضع في حشوته الانفجارية رملاً.. وأنه ذهب إلى الشيخ الشهيد، فقال له: يا ابني إحنا بتوع صواريخ؟! ثم ذهب إلى القائد صلاح شحادة، فأعجبته الفكرة وشجعه عليها.. وعايش نضال مرحلتي القسام 1 والقسام 2، ووصلت «رسائله» إلى 4 كلم.

لم تنته المعالم بعد.. في مواقع متقدمة، قال لنا أحد المقاومين، هذا التراب مضمخ بدم الشهيد الفلاني، وذلك الحائط عليه أثر الرصاصات التي قتلته.. كيف يمكن لغزة أن تكرم هذا الكم من الشهداء؟! بات يمكن أن تأخذ معك هدية لأهلك رملاً من أي مكان في غزة، وسيكون فيه أثر من دماء شهيد.

ذهبنا إلى منزل آل الجعبري، حيث يقام بيت العزاء.. وزرنا منزل الشيخ أحمد ياسين.. كل غزة أصبحت معالم للجهاد والشهادة.. آلاف الشهداء ضمخوا أرض القطاع وبحره وأنفاقه..

سألت مؤمن: أين استشهد فارس عودة، قالوا هنا على تلة المنطار! كنا نقف على مسافة قريبة من مكان استشهاده، الصورة الأسطورة التي أصبحت رمزاً لعزة المقاومة تزاحم صورة الظلم الذي قتل محمد الدرة.. لطالما حلمت أن أرى ذلك المكان!

مؤمن يعدد الأماكن والمعالم، حتى نمرّ سريعاً امام مقبرة الشيخ رضوان، فيقول: هنا دفن والدي، استشهد بعد ولادتي بأسبوع في أيلول 1987، وكان استشهاده أحد دوافع الانتفاضة الأولى.. وهناك كانت إحدى عملياته.. وهنا جرى حصار آل أبو هين، وسألته: أين استشهد رامي سعد، فقال لي عند ذلك الباب، عندما ذهب للدفاع وفك الحصار عن الشباب المحاصرين.

لا يمكن أن تمرّ بطريق أو زقاق أو مبنى بدون أن يخبرك أحدهم عن عملية جرت أو شهيد ارتقى في ذلك المكان..

إنها غزة.. معالمها شهداء، مناراتها مقاومة.. الطريق السريع فيها أنفاق.. عطورها صواريخ.. طوبى لها ولأهلها!