العد التنازلي
لخلافة عباس
بقلم: عدنان
أبو عامر
حرب طاحنة تعيشها أجواء
المقاطعة في رام الله، حيث مقر الرئاسة الفلسطينية، في ظل التحضير لما بات يعرف
"باليوم التالي" لغياب الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن الساحة، سواء بقرار
سياسي من إسرائيل والإقليم، أو سبب صحي يتعلق بتجاوزه عامه الثمانين.
في الوقت ذاته، أثار خبر
أورده التلفزيون الإسرائيلي قبل أيام بشأن استقالة وشيكة لعباس التكهنات بشأن الخليفة
القادم له، وسط فتح بازار الترشيحات المزمعة للمواقع التي يشغلها الرجل.
مؤتمر فتح
ما زال عقد المؤتمر السابع
لحركة فتح في علم الغيب، وقد تم تحديد عدة مواعيد له منذ سنوات، رغم اكتمال معظم التحضيرات
اللوجستية والفنية لانعقاده، لكن السبب الرئيسي في تأجيله مرة تلو أخرى يتعلق أساسا
بطبيعة التركيبة المتوقعة للأجسام التنظيمية التي يفترض انتخابها خلال المؤتمر المذكور،
مثل المجلس الثوري أو اللجنة المركزية، وغيرها من التشكيلات الإدارية لحركة فتح.
لم يعد سرا أن هناك استقطابات
حادة تجري خلف الكواليس لإنضاج تركيبة تحظى بموافقة عباس، وتتماشى مع خطه التنظيمي،
وهو ما يفسح المجال لمشاكل داخلية طفت على السطح، تعلقت بتجاذبات مناطقية ومنافسات
شخصية بين قادة فتح، ولذلك تصل تقديرات كثيرة إلى أن المؤتمر السابع لفتح قد ينجم عن
زلزال تنظيمي سيؤدي إلى ثوران بركان داخلي في الحركة، ولذلك تكرر تحديد مواعيد لانعقاده،
ثم ما يلبث أن يؤجل بعد ذلك.
على كل الأحوال، فإذا عقد
مؤتمر فتح وفق الموعد الأخير، وليس النهائي، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، فإنه سيحدد
بصورة أوضح التحالفات في السياسة الفلسطينية، ويعطي مؤشرات على من قد يخلف عباس الذي
قال إنه لن يرشح نفسه لولاية رئاسية جديدة في أي وقت تعقد فيه الانتخابات القادمة،
لكن الثابت أن مكيدة ما يتم التحضير لها في مؤتمر فتح القادم.
بازار الترشيحات
تتزايد التسريبات وتتكاثر
عن اجتماعات مكثفة يعقدها عباس وطاقمه المصغر للبت في ملف خلافته في المواقع الثلاثة
التي يترأسها: السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، ورئاسة فتح، مقابل حرمانه باقي السياسيين
الفلسطينيين من التطرق لهذا الملف الأخطر، ويتوعدهم بالإهمال والإبعاد عن مركز القيادة،
حيث يضع بنفسه هو خطط خلافته.
المفاجأة ثقيلة العيار التي
فجرها عباس في التحضير لملف خلافته تتعلق بمنح صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في
منظمة التحرير مسؤولية أمانة سر المنظمة، خلفا لياسر عبد ربه، الذي جرده عباس من مهامه
بصورة مهينة، وهو ما لفت الأنظار إلى رغبة عباس في تهيئة عريقات ليكون خليفته المنتظر،
مع العلم أن عبد ربه كان إلى وقت قريب يعد واحدا من أقرب مساعديه، وجاءت إقالته في
خطوة مفاجئة، بعد اكتشاف عباس أن عبد ربه يفتح قنوات خلفية مع عدوه اللدود محمد دحلان.
وقد بات واضحا أن هناك اعتراضا
من أعضاء في اللجنة المركزية لفتح على تولي زميلهم في اللجنة عريقات مهام أمين سر اللجنة
التنفيذية، لأن المنصب الجديد هذا يؤهله لقيادة السلطة الفلسطينية والمنظمة بعد عباس،
في ضوء توفر نوايا جادة لدى الأخير بترك المنصب بعد عشر سنوات في رئاسته تخللتها الكثير
من الأحداث القاسية على الساحة الفلسطينية، أهمها استمرار الانقسام بين قطاع غزة والضفة
الغربية.
عريقات -باعتراف عديد من
قادة فتح- لا يصلح لخلافة عباس، لأنه ليس متعمقا بالدرجة الكافية في شؤون حركة فتح
والقضايا الأمنية، ولا يمتلك سيرة ذاتية نضالية ضد إسرائيل، وقد يعينه عباس في منصب
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بينما يتصارع آخرون على منصب الرئيس.
التغيير الأكثر وضوحا في
ملف خلافة عباس يتعلق بموازين القوى على الساحة الفلسطينية في طريق افتتاح مشوار خلافة
عباس، وهناك تبدل للتحالفات في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أن هناك تغييرا يجري، وهو
ما يترافق مع لقاء مفاجئ عقد في الأردن بين عريقات ووزير الداخلية الإسرائيلي
"سيلفان شالوم" المسؤول عن الملف الفلسطيني، ونتيجة لهذا فإن المكونات المختلفة
على الساحة السياسية الفلسطينية تتحرك كلها في الوقت نفسه، وهو ما يذكي الانطباع بأن
هناك تغييرا وشيكا.
أوساط أوروبية تزور رام
الله بين حين وآخر تؤكد أنه يجري الإعداد لخلافة عباس منذ فترة، سواء بإقالة عبد ربه،
أو وضع اليد على أموال سلام فياض، أو استمرار الصراع مع محمد دحلان، الذي بات جزءا
مهما من مكونات المشهد الفلسطيني، حتى ولو ظلت تفصله مسافة عن الأنشطة السياسية اليومية
على الأقل في الوقت الراهن.
معارضة عباس في تصعيد عريقات
لمنصب الرئاسة، لم تمنعه من إجراء بعض التغييرات الجذرية التي شملت مختلف مفاصل قيادات
منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، بوصفها جزءا من خطة محكمة لتعزيز مكانة عريقات في
القيادة، استعدادا للصراع المرتقب على سدة الحكم في المستقبل القريب.
ومن هذه الخطوات استبدال
المسؤولين القدامى لمنظمة التحرير بأعضاء جدد عديمي الخبرة، مما سيوفر له قدرا أكبر
من الحرية والاستقلالية في اتخاذ القرارات في إطار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير،
وبلورة مؤتمر لمجلس فلسطيني خاص يضم ممثلين عن فتح وحماس والجبهتين الشعبية والديمقراطية،
لفتح المجال أمام الجيل الصاعد للمشاركة في اتخاذ قرار فلسطيني وطني حقيقي، بجانب عدم
إعادة تعيين بعض أعضاء اللجنة التنفيذية بشكل تلقائي، بحيث يضطرون لإعادة ترشيح أنفسهم
أسوة بأي مرشح آخر يرى نفسه ملائما للمنصب.
وتحدثت أوساط نافذة في المقاطعة
عن أن هناك توجها لدى عباس لتشكيل جهاز خاص من المجلس الوطني سيشكل بدوره من ممثلين
عن الأحزاب كافة والمجلس التشريعي، ورئيس الحكومة ونائبه وغيرهما من المسؤولين القياديين،
على أن يبدأ ذلك بانتخاب كل حزب ممثليه، ثم تعيين الأعضاء من قبل الممثلين في المناصب
المختلفة بالتنسيق بين الفصائل والأحزاب، مما سيتيح المجال أمام عريقات لجمع الفصائل
والأحزاب كافة تحت سقف واحد.
هذا فضلا عن تغيير طريقة
صرف الأموال لموظفي منظمة التحرير، وتحويل الأموال من الآن فصاعدا للصندوق القومي الفلسطيني،
وهو تحت إشراف عريقات في منصبه الجديد، مما سيقلل من التأثير الخليجي عامة والإماراتي
خاصة على ما يجري في الساحة الفلسطينية، في ضوء الدعم الذي تقدمه دولة الإمارات لدحلان.
العامل الإقليمي
ليس خافيا على أحد أن الساحة
الفلسطينية تعد مشاعة لكثير من الدول العربية والعواصم الإقليمية، تتدخل فيها طولا
عرضا، سرا وعلانية، وشمل ذلك في الآونة الأخيرة ملف خلافة عباس، حيث لم يعد البت النهائي
في هذا الموضوع المصيري للفلسطينيين يحسم في غزة أو الضفة الغربية، بل في الدول المجاورة.
مصر -على سبيل المثال- لا
تخفي مع دولة الإمارات تفضيلها دحلان على عباس ومرشحيه، ودحلان بات يعتبر القاهرة وأبو
ظبي مقر إقامته الدائمة، يلتقي فيهما مع صناع القرار على أعلى المستويات، ويتشاور معهم
في مسائل مصيرية تخص القضية الفلسطينية، وهو ما يستفز عباس وفريقه، حتى لو كظموا غيظهم
من هذا السلوك العربي، مع العلم أن الخلافات بين هذه العواصم وعباس ليست سياسية البتة،
بل تتعلق بأجندات شخصية، ومصالح ذاتية بين فريقي دحلان وعباس.
إسرائيل من جهتها، ليست
لديها مشكلة في أي مرشح يقود السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير أو حركة فتح، ما دام
أنه "يقدس" التنسيق الأمني" معها، كما اعتبره عباس ذات مرة، ويحافظ
على أمنها، ويلتزم بنهج ملاحقة المقاومة المسلحة، ويطارد حماس لاستئصالها من الضفة
الغربية، وهي في هذا السياق لا تفرق بين دحلان وعريقات والرجوب، وأي مرشح آخر قد تفرزه
المنظومة الفلسطينية.
الإدارة الأميركية والاتحاد
الأوروبي يبدوان ضالعين بصورة مباشرة في التغيير القادم للسلطة الفلسطينية، على اعتبار
أن أي تغيير متوقع سيلقي بظلاله على مسيرة الصراع مع إسرائيل، وهذان الطرفان خاصة
-واشنطن وبروكسل- حريصان كل الحرص على عدم وصول هذا الصراع إلى خط اللارجعة، سواء باتجاه
اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، أو إعلان فشل مسيرة التسوية، ويبدو أن جميع المرشحين
الفلسطينيين حتى الآن مع بقاء هذه التسوية، ولو أنها باتت فارغة من أي مضمون.
أخيرا، من الملفت أن ما
تعيشه الساحة الفلسطينية من حالة إنضاج على نار هادئة للرئيس القادم، يقتصر على حركة
فتح فقط، دون إشراك باقي القوى الفلسطينية، لا سيما حماس، الشريك الأساسي لفتح في الساحة
الفلسطينية، وكأن الأمر مسألة تنظيمية تخص فتح دون سواها من الفصائل والقوى، وهو ما
يفسح المجال لعدم اعتراف تلك القوى بأي تغيير في رأس السلطة الفلسطينية دون إشراكها.
مع العلم أن أي غياب متوقع
لعباس عن المشهد الفلسطيني يفترض قانونيا أن يفسح المجال لرئيس المجلس التشريعي عزيز
الدويك لتسلم رئاسة السلطة، وهو أحد قادة حماس البارزين في الضفة،
بيد أن الرجل الذي قضى سنواته
الأخيرة في السجون الإسرائيلية يبدو مغيبا من حسابات السلطة ورئيسها، وهو ما سيطعن
بالضرورة في أي شرعية للرئيس القادم، رغم أن جميع "الشرعيات"
الفلسطينية تحت الاحتلال
الإسرائيلي ليس لها معنى، وهو ما أثبتته التجربة خلال أكثر من عشرين عاما من عمر السلطة
الفلسطينية.
المصدر: الجزيرة نت