العزل العنصري
لعاصمة الشتات الفلسطيني
بقلم: سلوى محمد
ساق الله
على غرار جدار
الفصل العنصري الذي أقامته قوات الاحتلال الإسرائيلي في ظل انتفاضة الأقصى عام
2002 بغرض عزل الضفة المحتلة؛ تخضع اليوم عاصمة الشتات الفلسطيني "مخيم عين الحلوة”
في مدينة صيدا وتحت إشراف الجيش اللبناني لحصارٍ كامل عبر جدار اسمنتي يعزل المخيم
عن المدينة ليصبح أشبه بسجن كبير يقطنه ما يزيد عن 100 ألف نسمة من اللاجئين الفلسطينيين،
على أن يكون المرور منه بأذونات خروج عبر حواجز يقيمها الجيش اللبناني. من المعروف
أن مخيم عين الحلوة هو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأعلاها كثافة سكانية،
ويعيش كغيره من المخيمات الفلسطينية في كثير من الدول استقلالاً ذاتياً في ظل حصار
عسكري وسياسي واجتماعي واقتصادي من الدولة المستضيفة. لكن الواقع يفيد أن حال المخيمات
في لبنان أكثر بؤساً من غيرها، حيث تُفرض قيوداً على ممارسة الفلسطينيين أكثر من
150 مهنة، وقيوداً خانقة على الصناعات وأخرى على التوظيف والتعليم المهني والتقني والجامعي،
وغيرها من القيود التي لا تنتهي. وعلى الرغم من عدم تدخل القوى الأمنية اللبنانية في
إدارة المخيمات الفلسطينية، والاكتفاء بما جاء في اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية
وبيروت ينص على إدارتها من قبل الفصائل الفلسطينية كنوع من الأمن والاستقلال الذاتي
داخل المخيمات والحفاظ على الهوية الفلسطينية، إلا أن المخيمات الفلسطينية ما تزال
في دائرة الاستهداف وتعيش ظروفا معيشية صعبة، لا سيما في ظل التشريد والحرمان من الحقوق
المدنية والمعاناة من الفقر المدقع وارتفاع نسبة البطالة خاصةً مع تزايد أعداد اللاجئين
الفلسطينيين الفارين من الحرب في سوريا خلال السنوات الأخيرة وتحديداً مخيم اليرموك
الى مخيم عين الحلوة. تقوم خلفيات التناحر السياسي والصراعات والاشتباكات المستمرة
بين عناصر من الفصائل الفلسطينية وحركة فتح أكبر التنظيمات في المخيم وآخرين من جند
الشام على أهداف إحكام سيطرة كل طرف على المخيم والتي تنتهي دوماً بأحداث دامية بين
قتلى وجرحى وتهجير. نجمت هذه الأحداث عن تبعات سيئة على الفلسطينيين. فمن ناحية؛ تردى
الوضع الأمني في المخيم، الأمر الذي دفع الجهات اللبنانية لإيجاد حلول مناسبة لمعالجة
الأوضاع. ومن ناحية أخرى؛ وصلت الظروف الأمنية والمعيشية- بسبب الانقسام والتشتت –
مستويات صعبة للغاية، الأمر الذي أدى إلى اهمال الفصائل للشؤون الاقتصادية والاجتماعية
للمخيم والتفرغ للصراعات وحثيثاتها.
تحت مزاعم الحفاظ
على أمن المخيم والمنطقة المجاورة له في مدينة صيدا؛ تبرز نظرية المؤامرة، حيث يأتي
بناء الجدار بأيدٍ ملوثة بالشرور، ولا يُستبعد أن تكون لإسرائيل يداً في إثارتها، في
خطوة عهدناها في نهر البارد حيث تم إدخال تنظيم فتح الإسلام الذي سبب الدمار للمخيم
بأكمله بسبب سياسات القتل والتهجير، والتي على ما يبدو أنها سياسات إسرائيلية مبطنة
تستخدم من أجل القضاء على مخيمات اللجوء الفلسطيني واحد يلو الأخر في محاولات للقضاء
على حق العودة للفلسطينيين، والقضاء عليهم. زُج بالفصائل الفلسطينية للتناحر مع أطراف
خارجية بهدف نزع سلاح المقاومة الفلسطينية تحت مزاعم محاربة داعش، وحماية الأراضي اللبنانية
من الإرهاب والعنف، وانتشار السلاح والجريمة التي تضر بصورة المجتمع اللبناني، وزعزعة
الاستقرار في بعض المناطق فيها وتحديداً المجاورة للمخيم.
فقد أفضى المشهد
الدراماتيكي تشييد جدار العار في ظل غفلة واستغفال القوى والفصائل الفلسطينية في المخيم
كحلاً – في الظاهر – لمعالجة النزاعات والصراعات باعتبارها تهدد الأمن اللبناني، لكن
الأهداف المبطنة هي حصار الفلسطينيين ومعاقبتهم أمنياً، ضمن سياسات التضييق والتهجير،
والقضاء على هويتهم. إن إقامة جدار الفصل والحصار في عين الحلوة هو أمر مرفوض جملةً
وتفصيلاً وغير مرحب به على الإطلاق، فهو يمثل انتهاكاً لكافة المواثيق والأعراف الدولية،
وشكلاً من أشكال التفرقة والتمييز العنصري، ويعتبر جريمة ضد الإنسانية، وهي خطوة ستعزز
فقط الحياة البائسة التي يحياها الفلسطينيون داخل المخيم منذ الهجرة في عام 1948، وحرب
1976. من المؤكد أن الفلسطينيين لم يحتلوا لبنان، وإنهم يرفضون أي تدخل في السيادة
اللبنانية، بينما يتمسكون بالثوبت الوطنية، وحلم العودة إلى فلسطين. ولا شك أن غاية
وجود سلاح المقاومة هو تعزيز للأمن الفلسطيني، وحماية للمخيمات من أي اعتداءات محتملة
على أهالي المخيمات من قبل إسرائيل، وإن نزع سلاح المقاومة هناك إنما هو مؤامرة تنم
عن قرارات غير وطنية وتصرف خائن وغير مسؤول تحت ستار دواعي أمنية واهية من أجل تشتيت
فلسطينيي المخيمات المهجّرين.
قطعاً أن الانقسام
بين حركتي فتح وحماس في أرجاء الوطن وخارجه أضعف الاهتمام بالفعاليات التي تحيي التمسك
بالثوابت، والحلم بالعودة إلى أرض الوطن، كما أنه أضعف الاتفاق على وحدة المطالب الفلسطينية
من الجهات الرسمية من أجل تحسين الوضع المعيشي داخل المخيمات الفلسطينية بشكل عام،
وداخل مخيمات اللجوء الفلسطينية في الداخل اللبناني بشكل خاص، حيث تعتبر للأسف الشديد
أكثرها سوءاً في أوضاعها المعيشية على مستوى المخيمات أجمع، من حيث ضعف الرواتب، والبنية
التحتية وانتشار الأمراض. إن المخيم بحاجة إلى التخفيف من صنوف المعاناة والظروف الصعبة
التي يواجهها، بدلاً من إقامة الجُدر العنصرية، والحفاظ على ملف الوجود الفلسطيني في
لبنان بكل جوانبه السياسية والإنسانية والاجتماعية والقانونية والأمنية في ظل احترام
سيادة لبنان، والتمسك بحق العودة ورفض مشاريع التوطين والتهجير فسيبقى مخيم عين الحلوة
محطة نضالية على طريق العودة إلى فلسطين، وهي غايات لا يمكن الوصول إليها إلا بوحدة
الفصائل.
وإن الشعب اللبناني
الأصيل مُطالب اليوم باستكمال رحلة دعمه لصمود الشعب الفلسطيني من خلال دمج الفلسطينيين
في التعليم والوظائف في المجتمع، بدلا من زيادة حلقات الحصار الخانقة. كما وإننا كفلسطينيين
جميعاً ندعو الحكومة اللبنانية إلى التعقل قبل بناء جدار العنصرية المرفوض والمنتهك
للحقوق الأساسية للسكان، والذي سيسيء إلى صورة لبنان ودعمه للشعب الفلسطيني المناضل،
في ظل تكالب الأمم وتخليها عنه ولهثها وراء تطبيع العلاقات مع العدو الإسرائيلي ناسين
ومتناسين القضية الفلسطينية من أجل تحقيق أجنداتهم ومصالحم الخاصة.
المصدر: الحياة برس