العلاقة مع حماس مصلحة أردنية - فلسطينية وهدف بحاجة
إلى إنجاز
بقلم: د.عبد الرحيم العرقان
أخذت العلاقة بين الأردن وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" مناحي أمنية
وسياسية متوتّرة إلى حدّ ما، تحت تأثُّرها بطبيعة تشكيل الحكومة التشريعية الفلسطينية.
وقد رافق ذلك التوتر اتهامات واتهامات مضادة ومشادات إعلامية، كما تأثّرت بعوامل إقليمية
منها العلاقة مع "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، وفق هذا الوضع الجديد
ظهرت انعكاسات عميقة في عدة مجالات، فمن ناحية، انعكس ذلك على القضية الفلسطينية، وفق
رؤية القوى التي ساهمت بصورة مباشرة وغير مباشرة في توقيع الاتفاقيات، وبالتحديد على
طبيعة الاتفاقيات العربية – الإسرائيلية والاستعداد بقبولها وتطبيقها.
وهكذا، فقد شهدت الساحة الفلسطينية تحولاً استراتيجياً كبيراً بعد أن سيطرت
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على الانتخابات البرلمانية، وتشكيل حكومة
عام 2006، ممّا أدى إلى تحجيم نفوذ فتح، ومن ناحية أدى ذلك إلى تعطيل عملية التسوية
السلمية، ومنع التوصل إلى اتفاق مع "إسرائيل" لا يُناسب برنامج الحركة القائم
على رفض التنازل وعدم الاعتراف بـ"إسرائيل"، وهو ما تسبب بإشكاليات لسياسة
الأردن تجاه القضية الفلسطينية، وتبني الأردن مع الولايات المتحدة الأمريكية خارطة
الطريق لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإشكاليات إزاء مكونات الأردن الداخلية
في ظل رهاناتها السابقة على حركة فتح التي شكّلت طرفاً شريكاً في تكوين العلاقة بين
فلسطين والأردن، وفي إبرام اتفاق سلام مع "إسرائيل"، لا يكون على حساب الأردن،
من خلال ما عُرِف "بالوطن البديل".
ومنذ أن قام الأردن بإبعاد قادة حركة حماس خارج أراضيه عام 1999، شهدت العلاقة
بين الطرفين حالة من التوتُّر وعدم الثقة. وشرعت الحكومة الأردنية باتخاذ إجراءات عملية
لمنع تقدم الحركة الإسلامية في الأردن، حليفة حركة حماس، انتخابياً سواء عبر البلديات
أو البرلمان في محاولة منه لتحجيم نفوذها، وهكذا فقد عجز الأردن عن قراءة المتغيرات
الجديدة، فبدأ يزيد من تحالفه ودعمه لحركة فتح على حساب علاقاته مع الحكومة الجديدة
برئاسة حماس.
ورغم العجز الذي أبدته محاولات فتح لإنهاء نفوذ حماس وقوّتها في القطاع والضفة،
إلاّ أنّ الحكومة الأردنية ظلّت تقف إلى جانب حركة فتح حتى عام 2008.
بالمقابل لا يوجد نزاع مُعيَّن بين الأردن وحماس باستثناء مخاوف الأردن من الدور
السياسي لحماس، بعد سيطرتها على الانتخابات التشريعية في غزة منذ عام 2006، وزيادة
التعاطف الشعبي مع رؤية حماس للصراع العربي الإسرائيلي، بالإضافة إلى ما أثارته الحكومة
الأردنية من محاولة حماس تهريب وتخزين الأسلحة عبر الأراضي الأردنية، ما زال هناك مؤثرات
عالية في مجال العلاقة بين الطرفين.
خاصة عندما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية،
وفي ظل عجز حركة فتح عن إنهاء قوة حماس، وقد شكّل ازدياد قوة حماس لدى الداخل الفلسطيني
والعربي ووجود ثنائية في السلطة الفلسطينية عاملاً مقيِّداً للأردن عن المضي قدماً
في عملية السلام، والمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، للتوصُّل إلى حل نهائي للقضية،
يتضمَّن القضايا الشائكة، وفي ظلِّ التوجيهات الرامية لحل قضية اللاجئين والدولة المستقلة
على حساب الأردن، فإنّ الأردن يرى أنّ التأخير في هذه العملية يُشكِّل تهديداً للأمن
القومي، والأمن الوطني الأردني، لذلك فقد فرض العديد من المعطيات على صانع القرار السياسي
الأردني ضرورة إعادة قراءة الواقع السياسي في المنطقة، سواء بسبب تغيرات النظام الدولي
أو تزايد أهمية وقوة حماس ونفوذها سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً وأمنياً، أو بسبب
تراجع الأطراف الأخرى على الساحة الفلسطينية.
وبالإضافة لهذه العوامل وضمن إطار إعادة الأردن لقراءة علاقاته الإقليمية ودوره
فيها تأثرت إعادة التقييم هذه بأسباب منها:
1. محورية الأردن وحركة حماس في الصراع العربي –
الإسرائيلي.
2. البعد
الجغرافي والديمغرافي للأردن بالنسبة لحركة حماس، والذي يُعطي فرصة قوية بعدم تُباعد
الطرفين سياسياً عن بعضهما البعض.
3. ليس
من مصلحة حماس والأردن أن يكونا بعيدين عن محيطهما السياسي، وليس من مصلحة الأردن أن
تكون حماس في فلك أحد الأطراف الأخرى. فقد بادر الأردن إلى دعوة حركة حماس إلى حوار
مباشر لإعادة تنظيم العلاقة وترتيبها وبناء علاقات جديدة تقوم على تحقيق المصالح الإستراتيجية
المشتركة، ومن هذه المصالح المتبادلة التي يسعى الطرفان لرعايتها ما يلي:
1- حماية
الأردن من مشروع "الوطن البديل" أو الخيار الأردني لتصفية القضية الفلسطينية.
2- حماية
مصالح الأردن في الضفة الغربية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين في الأردن.
3- تخفيف
حالة الحصار السياسي والاقتصادي المفروض على حركة حماس.
4- تشكيل
حالة توافقيّة مع الحركة الإسلامية في الأردن بما يُمكن أن يُساعد على تحقيق الاستقرار
السياسي والاجتماعي في الأردن.
5- دعم
الشرعيّة العربية لحركة حماس في ظلّ الحُكْم في السلطة.
6- المساعدة
على تفعيل دور الأردن إقليمياً ومحلياً، بما يعود إيجاباً على الواقع الأردني الفلسطيني.
ويبدو أنّ التحولات الدولية والإقليمية والمحلية المؤثرة استراتيجياً على الواقع
الأردني الفلسطيني، وفشل المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية في إنجاز أيّ اتّفاق بات
يتطلّب من الأردن دوراً مضاعفاً في إدارة الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين
لمدّ علاقة متوازنة مع أطراف الصراع، وبما أنّ حماس أصبحت طرفاً محوريَّاً في الصراع
لا يُمكن تجاوزها تأكيداً، ولا يُمكِن للأردن أن يتجاهلها دون أن يُعيد صياغة وقراءة
العلاقة من جديد، وإعادة النظر بالتغيُّرات التي تحصل على الساحة الفلسطينية.
ومن مجمل ما سبق يمكن التأكيد أنّ للأردن مصلحة حيوية إستراتيجية مع حماس في
ظل رفض الحركة الثابت لمشروع "الوطن البديل"، باعتبارها قوة وطنية تتمسّك
بالثوابت الفلسطينية، خاصة مبدأ حق العودة، والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو ما
يجعل هذه الثوابت الردِّ الأقوى في وجه الخيار الإسرائيلي حول الوطن البديل، الذي بات
يُهدّد أمن واستقرار الأردن ويُشكِّل مصدر قلق مستمر.
ووفقاً لما تقدّم من تقصّي ومن تحديد المنظورين الأردني وحماس لمصالح كل منهما
من العلاقات المتبادلة بينهما، وبعد ثلاثة عشر عاماً من حالة الجمود في العلاقة بين
الجانبين، بعد أن أذابت الدولة قطر جليد العلاقات وتقريب وجهات نظر صاحب القرار السياسي
الأردني وحماس، بالرغم من رؤية كثير من الباحثين في هذا المجال بعدم إدارة الأردن ظهرها
لحماس، خاصة أنّ الأردن هي الدولة الوحيدة التي لا تستطيع التدخل في الشأن الفلسطيني
بارتباطها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكل ما يجري على الساحة الفلسطينية، سواء
كان إيجابياً أم سلبياً، تتأثّر به الدولة قبل الشعب، لذلك العلاقة مع حماس هي مصلحة
أردنية - فلسطينية، وهو هدف بحاجة إلى إنجازه من قبل الطرفين لمصلحة كل الأردنيين والفلسطينيين،
هذه العودة تمنح الفلسطينيين فرصة تاريخية من أجل المحافظة على ما تبقّى من فلسطين.
السبيل، عمّان، 12/5/2012