العنقاء الفلسطينية والنار
بقلم: يوسف رزقة
بأسلوب أدبي رمزي يقولون: (الفلسطيني عنقاء العصر)؛
لأنه يعود للحياة بعد الاحتراق قويًّا. ويقولون: الشعب الفلسطيني أسطورة الصمود والتحدي
على المستوى العالمي.
في قلب هذا الأدب بطولة لا شك فيها، ومأساة لا يمكن
تجاوزها أيضًا. قوة هذا الشعب هي مزيج من الأمرين معًا: (البطولة والمأساة)، فالذهب
بطل المعادن وسيدها، ويزداد جمالًا ونقاء بالنار.
كل من حول الجسد الفلسطيني ينهشونه، أو يحرقونه،
أو يحاصرونه، ولكنه يرفض الاستسلام. وقد استوقفتني في هذا الأسبوع حرائق أربعة تحرق
الأكباد: كان أولها -قيام الإرهابيين اليهود بإحراق عائلة دوابشة وهم أحياء، تحت سمع
وبصر العالم، وبمساعدة من قوات الاحتلال ومخابراته. وقد كتبت في هذا عددًا من المقالات.
وكان ثانيها -قيام مفوض عام الوكالة (كرهينبول)
_وهو شخصية لم تعد مرغوبة فلسطينيًّا، ولا تحظى بترحيب من اللاجئين_, بنشر سحب كثيفة
من القلق، والحصار، وقطع الأرزاق, عند موظفي وكالة الغوث، وأسرهم، وفي المجتمع الفلسطيني
كافة، دون التزام بقوانين العمل التي أنشأت الوكالة، ونظمت عملها، وما زالت النار التي
أشعلها بمواقفه السياسية تحرق أثواب اللاجئين. وقد كتبت في هذا عددًا من المقالات.
وقد آن الأوان أن أمرَّ سريعًا على نار ثالثة تشتعل
في قلوب وأجساد الفلسطينيين العالقين على معبر رفح من الجانب المصري، أو الراغبين بالسفر
من الجانب الفلسطيني، لأقول: لقد ذكر مركز حقوقي فلسطيني أن هناك مرضى، وعالقين (العدد
غير محدد) ينتظرون فتح المعبر ويعيشون الآن ظروفًا مأساوية لنفاد ما يملكون من مال.
وهناك (٢٠٠٠٠) حالة إنسانية مسجلة للسفر لأسباب مختلفة وينتظرون فتح المعبر. وذكر المركز
أن المعبر أغلق (٢٦٨( يومًا، وفتح استثناء (١٩) يومًا فقط منذ أحداث ٢٤ تشرين الأول/
أكتوبر ٢٠١٤م، ما جعل القطاع في مأساة إنسانية لا يملك لها حلًّا ذاتيًّا، والحل يجب
أن يأتي من الطرف المصري.
والنار الرابعة _وهي من أشد النيران حرقًا، وألمًا؛
لأنها تستهدف الفئة التي ضحت بشبابها من أجل فلسطين، والحرية، والمقدسات_، أعني الأسرى
في سجون الاحتلال، الذي اضطروا أمس للبدء بإضراب جماعي، وأعمال احتجاجية متفق عليها،
ضد السجان الصهيوني، لاستعادة حقوقهم المدنية التي سلبها منهم السجان بعد مقتل المستوطنين
الثلاثة في الخليل قبل عامين تقريبًا، ومنها: (الزيارة، ومخصصات الكانتينا، والقنوات
الفضائية، والتعسف في التفتيش، وتخريب حاجيات الأسير، ونقل الأقسام تعسفيًّا)، وغيرها،
ما اضطر قيادة الأسرى في "نفحة"، و"إيشل"، ورامون، و"عوفر"،
لحل الهيئات التنظيمية، وبدء الفعاليات الضاغطة على إدارة السجن للاستجابة لمطالب الحركة
الأسيرة، وفتح الباب للإضراب التطوعي عن الطعام.
هذه النار التي تحرق الأجساد الحية المضحية تحرق
من خلفها أكباد أسر عديدة، وهي تستحق من الكتاب، والفصائل، والإعلام، والجماهير عامة,
الوقوف بجانب الأسرى، وإسناد مطالبهم، وإطفاء النيران التي تشتعل في أجسادهم. الحركة
الأسيرة في حاجة إلى إسناد شعبي كبير، وتظاهرات جماهيرية كبيرة، تساعد الأسرى على النجاح
في معركتهم. قضية الأسرى قضية قومية، لا قضية حزبية، لذا يجدر بالشعب ومكوناته القيادية
أن تشارك في معركة الأسرى التي بدأت أمس بعد فشل المفاوضات.
هذه النيران التي وقفتُ عندها لا تقتل الشعب، ولكن
تكشف عن مأساته، وعن بطولاته، وسيبقى الشعب الفلسطيني كالعنقاء يخرج من الرماد، لأنه
يؤمن بالنصر والتحرير. والمسألة مسالة وقت، والله أسأل أن يعجل بالنصر، وبزوال الاحتلال
وكافة هذه النيران وغيرها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصدر: فلسطين أون لاين