القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

"العودة" لفلسطينيي سوريا

"العودة" لفلسطينيي سوريا

بقلم: د.عصام عدوان

الفلسطينيون في سوريا أمام خيارات صعبة، فالبقاء مكانهم يُعرضهم للقتل والدمار تمامًا كالشعب السوري، وهذا يحصل لهم بالفعل، سواء انخرطوا في الأزمة السورية إلى جانب الشعب أو النظام أم بقوا على الحياد، والخيار الثاني: أن يتسللوا لواذًا في موجة لجوء جديدة إلى دول الجوار، التي لم يكن من بينها حتى الآن اللجوء إلى أراضيهم المحتلة عام 1948م داخل ما يسمى (إسرائيل)، وهم لا يحصدون حياة كريمة، ولا أمنًا جرّاء لجوئهم إلى دول الجوار.

لا أحد يتناول مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، ويبدو أن مصيرهم حتى هذه اللحظة رهينة لتطورات الأزمة في سوريا، وهذا يعني أنهم يسيرون نحو المجهول، ولا يمكن أن تستوعب القيادات الفلسطينية على اختلافها فكرة تجاهل مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، بل إن المسئولية والأمانة تقتضيان أن تبذل القيادات الفلسطينية كل ما بوسعها لتوفير مكان آمن لهم، بالتواصل الكثيف والمباشر مع كل دول الجوار السوري التي استقبلت أعدادًا من الفلسطينيين، لبحث فرص إقامتهم المؤقتة، وتوفير الحياة الكريمة والأمن لهم، إن هذا الجهد المسئول _إذا ما بُذِل_ قد يخفف من وطأة معاناة فلسطينيي سوريا، لكنه لن ينهها، ولن يعوضهم عن أرضهم السليبة التي احتلها الكيان العبري عام 1948م، وهو جهد لا يصب بكل الأحوال في طريق عودتهم إلى فلسطين، بل يرسِّخ شتاتهم بداعي النوايا الحسنة.

إن الخيار الصعب لكنه الأكثر جدّية هو توجُّه فلسطينيي سوريا نحو أراضيهم المحتلة عام 1948م، مرورًا بالجولان المحتل أو عن طريق الأراضي اللبنانية، إن هذا الخيار بحاجة أولًا إلى تبني القيادة الفلسطينية له وتوفير كل وسائل الدعم والغطاء الإعلامي واللوجستي والدبلوماسي لتنفيذه، ثم تشجيع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا على خوض غماره، إن حقوق الفلسطينيين يجب أن تُنتزَع انتزاعًا، مستفيدة قدر الإمكان من القرارات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، ومن حالة الإرباك التي تعيش فيها المنطقة والعالم جرّاء الأزمة السورية.

من الواجب على القيادة الفلسطينية تهيئة الظروف الدولية لتقبُّل فكرة عودة هؤلاء إلى موطنهم الأصلي من فلسطين، ويجب توجيه وسائل الإعلام ومراكز الدراسات لدعم هذه الفكرة وتوجيه الفلسطينيين والرأي العام لها. ويجب توفير فِرق ومجموعات عمل توجِّه اللاجئين الفارّين من سوريا باتجاه فلسطين المحتلة، وتوفير الخيام واحتياجاتهم من الطعام والماء والكساء في طريق عودتهم إلى فلسطين، وعلى القيادة الفلسطينية إجراء اتصالات مع القيادة السورية بأي طريقة كانت لتوفير خروجٍ آمن للفلسطينيين من سوريا، ويجب الاتصال مع قيادة حزب الله لتوفير طريق آمن للاجئين الفلسطينيين بالجنوب اللبناني.

ويجب التواصل مع وكالة الغوث الدولية لتوفير احتياجات اللاجئين اللوجستية، ولتكون معهم في أثناء تنقلهم باتجاه فلسطين أو عند مرابطتهم على حدودها أو عند محاولتهم دخولها، فمن الواجب أن ترفع (أونروا) علم الأمم المتحدة على تجمعات اللاجئين الفلسطينيين، لأن تحركهم نحو فلسطين يأتي في سياق قرارات الأمم المتحدة لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ومن الواجب أن تعلو أصوات الفلسطينيين في كل مكان لتطالب (أونروا) بتأمين حياة اللاجئين وهم يحاولون دخول أرضهم المحتلة.

إنه لا مبرر البتة للخوف من الكيان وردّة فعله؛ فليفعل ما بدا له؛ فإن قوة الحق الفلسطيني ستغلب حتمًا باطلهم، فقال الله (تعالى): "بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ .." (الأنبياء 18)، وسيترتب على هذه الخطوة التاريخية فوائد، منها:

1. بعث قضية عودة اللاجئين إلى موطنهم في فلسطين، بعد أن نسي العالم هذه القضية أو كاد.

2. توفير هدف سامٍ يُجمِع عليه الفلسطينيون ويستحق منهم التوحد عليه والعمل في سبيله.

3. إنقاذ فلسطينيي سوريا من عواقب الأزمة السورية.

4. إحراج الكيان العبري ووضعه في الزاوية، فمن الواجب ألا يكون في مأمن مما يحصل في سوريا، ويجب أن يتحمل نصيبه في الأزمة كما تحملت دول الجوار السوري ذلك.

5. سيصبح الكيان وجهًا لوجه مع ما يخافه ويحذره، ألا وهم اللاجئون الفلسطينيون، وستنكشف سوأته أمام العالم وعبر الإعلام الكثيف الذي سيغطي هذه اللحظة التاريخية، فادعاء المدنية والتحضُّر شيء، وممارستهما شيء آخر.

6. وضع العالم والأمم المتحدة والدول العربية أمام مسئولياتهم تجاه اللاجئين الفلسطينيين، إذ يُجمِعون جميعًا على حقهم في العودة، فها هم يعودون، وعلى العالم دعم خطوتهم تلك والضغط على الكيان.

7. في أسوأ الأحوال سيتمكن الكيان من منع اللاجئين من اقتحام الحدود الشمالية، وفي هذه الحالة سيرابط اللاجئون على السياج الحدودي؛ لتبدأ حرب إعلامية ضاغطة على الكيان وحلفائه.

8. سيدرك العالم المتهاون تجاه الشعب السوري المنكوب أن استمرار الأزمة السورية ستكون له عواقب ستطال الكيان العبري، وقد يكون هذا الحراك الفلسطيني مدخلًا للإسراع في معالجة الأزمة السورية منعًا لأي تطورات تنال من الكيان.

إن الخيار الصعب في هذه الحال هو الخيار الأمثل الواجب القيام به في أقرب وقت، ولا نامت أعين الجبناء.

المصدر: فلسطين أون لاين