الفلسطينيون بعد 66 عاماً من النكبة
د . عبدالله السويجي
يوم الخميس الماضي، أي في الخامس عشر
من شهر مايو/ أيار الجاري، أحيا الفلسطينيون في كامل مناطق فلسطين (ومن ضمنها
المناطق الخاضعة للاحتلال الصهيوني أو ما يسمى "فلسطين ال48") ذكرى
النكبة، وهو التاريخ الذي قامت فيه العصابات الصهيونية باحتلال العديد من المناطق
الفلسطينية وشردت أهلها عن طريق تدمير بيوتهم أو ارتكاب مذابح في عدد من القرى،
وأعلنت بعدها دولة سُميت ب"دولة إسرائيل" كان الولايات المتحدة
الأمريكية من أول المعترفين بتلك الدولة إضافة إلى ما كان يُسمّى ب"الاتحاد
السوفييتي". ويشير تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين إلى أن 66%
من الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 تم تهجيرهم، أي
تم طرد أكثر من 957 ألف فلسطيني. واستند التقرير إلى تقديرات الأمم المتحدة عام ،1950
وبعد حرب عام 1967 التي سيطر فيها الجيش "الإسرائيلي" على الضفة الغربية
(وكانت تحت الإدارة الأردنية) وعلى قطاع غزة (وكان تحت الإدارة المصرية)، تم تهجير
أكثر من 21 ألف فلسطيني إلى دول الجوار خاصة الأردن.
وبحسب تقرير الإحصاء الفلسطيني عام
2013 بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 2،5 مليون نسمة، وحسب
سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن 40% منهم يقيمون في
الأردن و9% في لبنان و10% في سوريا. أما عدد الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين فقد
بلغ حوالي 8،11 مليون نسمة، يتوزعون في دول العالم العربي والأجنبي.
مرت 66 سنة على تشريد الفلسطينيين من
أراضيهم، وفي كل عام يزداد عدد الذين يتم تهجيرهم بفعل الاحتلال أو ضيق فرص العيش،
وقد يصل عددهم في ذكرى النكبة في العام 2015 إلى 12 مليون مشتّت أو لاجئ أو نازح،
إذ لا توجد نقطة ضوء واحدة تدل على أن عودة هؤلاء أو نسبة ضئيلة منهم إلى أرضهم
ستتحقق، ليس بسبب السياسات "الإسرائيلية"، فهي سياسات عدوٍ يطمح أن يفتح
عينيه ذات صباح ليجد فلسطين بلا شعب فلسطيني، ولكن بقاء هذا العدد الضخم المعرض
للزيادة في الشتات والمهجر وبلاد النزوح يعود إلى السياسات العربية التي اتسمت
بالشرذمة واللامبالاة منذ حدوث النكبة قبل 66 عاماً حتى اليوم، ويزداد التشرذم
يوماً بعد يوم جراء خروج القضية الفلسطينية من سلّم الأولويات وانشغال السياسة
العربية بأعداء آخرين اخترعتهم السياسة الأمريكية الصهيونية، إضافة إلى ما يُسمّى
الحرب على الإرهاب، التي تقودها الولايات المتحدة، ولم تجد طريقة لمحاربته -
الإرهاب - إلا باحتلال أفغانستان ثم العراق ثم تدمير وتفكيك المجتمع والنظام
الليبي، لتترك ليبيا في أتون فوضى غير مسبوقة، وتصبح مرتعاً للمتطرفين، وإطاحة
الرئيس حسني مبارك في مصر ونشر الفوضى هناك، إضافة إلى تدمير سوريا تحت ستار
محاربة الاستبداد، وكانت النتيجة جمع كل المتطرفين والمهووسين في العالم ليدمروا
تاريخ وحضارة سوريا العريقة، أما الدعم الأمريكي ل"إسرائيل" منذ إعلان
قيامها حتى اليوم بكل أنواع السلاح والتكنولوجيا والخبرات، فليس في حاجة إلى دليل
لكن أبرز الأدلة هو استخدام الولايات المتحدة لحق الفيتو في مواجهة القرارات التي
تدين هذا الكيان العنصري المغتصب للأرض الفلسطينية.
القضية الفلسطينية الآن تعاني تحديات
كثيرة، بعضها مستجد وبعضها الآخر متراكم عبر 66 عاماً الإهمال والتراخي والتناسي.
أما ما هو مستجد، فيتمثل في الواقع الذي تعيشه الدول العربية بشكل عام، والدول
المحيطة بفلسطين بشكل خاص، فقد تراجع الدور السوري والأردني والمصري واللبناني
والعراقي بفعل المتغيرات التي طرأت في هذه الدول، رغم أن الواقع قبل بدء ما يُسمّى
بالربيع العربي لم يكن يشكل حالة حرب أو صدام مع الكيان الصهيوني، إلا أن مقدرات
هذه الدول لم تكن في مهب الريح كما يومنا هذا، ولم تكن الشعوب في هذه الدول منقسمة
ومتقاتلة تطحن بعضها بعضاً لأسباب مذهبية وطائفية ودينية، بينما تتفرج الدول التي
حرّضت على هذا الاقتتال على النيران التي تأكل كل الإمكانات، ومن بينها الإمكانات
البشرية، حيث تسببت بملايين اللاجئين السوريين والعراقيين والفلسطينيين والليبيين،
حتى غطوا على قضية اللاجئين الفلسطينيين الأصلية، بحيث لم يعد أحد يتحدث عنهم ولا
عن عودتهم ولا عن قضيتهم، وستبقى الحال على هذا المنوال إلى سنوات طوال قادمة،
وبذلك، تكون "دولة إسرائيل" قد ضمنت وجودها وتفوقها لسنوات طوال قادمة،
تُرسخها حالة الانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبع سنوات وتترك
ظلالها الكارثية على القضية الفلسطينية، وحولتها من قضية شعب إلى قضية أربعة شعوب،
واحد في الضفة الغربية والثاني في قطاع غزة، والثالث في فلسطين ال،48 ورابع في
الشتات، والشتات ينقسم إلى عدد يساوي الدول التي يلجأ إليها، ويمكن تقسيم شعب
الشتات إلى شعبين، شعب في الدول العربية وشعب في الدول غير العربية، ويتأرجح الشعب
الفلسطيني بالمجمل، شأنه شأن الشعوب العربية الآن، بين الانتماء الديني الذي يرفض
القومية، والانتماء القومي الذي يواجه التطرف، وهكذا، يعاني الشعب الفلسطيني منذ
سنوات (ويعاني الآن أكثر) تحدي الهوية والانتماء، فهو بين نار مطرقة الاحتلال
الصهيوني الذي يحاول تهويد فلسطين، وسندان الشتات الذي يكافح أبناؤه من أجل تأمين
لقمة العيش وتعليم الأبناء والحياة بكرامة، وفي الوقت ذاته فهو مطالب بالحفاظ على
هويته، وأتذكر الآن خبراً قرأته حول قيام مجموعة من الفلسطينيين في لبنان بمسيرة
رفعت لافتات تقول (نعم للتهجير)، أي الخروج من لبنان إلى بلاد الله الواسعة، وخاصة
الدول الغربية، بسبب ضيق العيش، إذ من المعروف أن الفلسطيني محروم من حق العمل
والتملك وإقامة أي مشروع، وهو يعيش على ما يقوم به الفلسطينيون العاملون في دول
الخليج والدول الغربية من تحويل للأموال.
أزمة الهوية هي أخطر التحديات التي
يواجهها الشعب الفلسطيني في ظل ميوعة التعامل مع حق العودة من قبل المفاوضين
الفلسطينيين ومن قبل السياسات العربية، وفي ظل الأزمات التي تعيشها الشعوب العربية
ودولها حالياً جراء الحراك الفوضوي، فإن هذا الحق آخذ في التراجع، ويضاف إليه
موضوع الأجيال وغياب المؤسسة الفلسطينية والعربية التي تعمل على صون الهوية
الفلسطينية من التلاشي والاندثار، وتنتهز السلطات الصهيونية في فلسطين هذا الواقع
المزري، فتقوم بالسطو على التراث الفلسطيني وتنسبه إليها، وغالباً ما شوهدت مضيفات
طيران العال الصهيونيات يرتدين الزي الفلسطيني المطرز.
في ظل هذا الواقع المتأزم، وبما أن
المقاومة المسلحة لم تعد خياراً لا في رام الله ولا في غزة، وبما أن دول الجوار
الفلسطيني ارتبطت باتفاقيات صلح وسلام مع العدو الصهيوني، يصبح الحفاظ على الهوية
ملحاً وحتمياً، ويجب أن توضع له الخطط وتُرسم له السياسات والبرامج الثقافية
والفنية والاجتماعية، فهو خط الدفاع الأخير عن القضية الفلسطينية، ويجب أن يكون
عنوان المرحلة القادمة، هو أن تتوحد الجهود، كل الجهود على اختلاف سياساتها
وانتماءاتها الحزبية والقومية والدينية، للمحافظة على الهوية الفلسطينية، ويجب على
الدول العربية، وخاصة وزارات الثقافة العرب، أن تقدم الدعم في هذا الاتجاه، حتى لا
يأتي يوم يخسر فيه الشعب الفلسطيني هويته، بما تعنيه من انتماء للتاريخ والجغرافيا
والتراث والثقافة والمعالم الحضارية والأماكن المقدسة.
إن مرور ستة عقود ونصف على شعب يتعرض
لمؤامرات مستمرة تحاك ضده جهاراً وخفية، ليست بالفترة الزمنية القليلة والسهلة،
فقد ماتت أجيال وولدت أجيال، والعدو الصهيوني يراهن على الزمن، ولهذا، لا بد من
عمل جاد يسحب البساط من تحت الخطط الجهنمية، كي يبقى الشعب الفلسطيني موحداً
وينتمي إلى هوية واحدة، وهذا أضعف الإيمان.
المصدر: دار الخليج