القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الفلسطينيون في سوريا بين الثورة والقلق

الفلسطينيون في سوريا بين الثورة والقلق

بقم: نضال بيطاري*

يتتبع هذا التقرير الذي صدر في العدد الأخير من دراسات فلسطينية، أوضاعاً يمر بها الفلسطينيون في سوريا منذ بدء الثورة السورية قبل أكثر من عام، ويُظهر المواقف الفلسطينية المتنوعة وسط غياب تمثيل فلسطيني جامع. ويرصد الكاتب تعقيدات وأسئلة صعبة يمرّ بها فلسطينيو سوريا، في وقت يفتقدون الحماية الإنسانية من جانب المؤسسات المعنية بهم. وقد اخترنا مقاطع تتصل بموقع الفلسطينيين من الثورة السورية لنشرها.

اللاجئون الفلسطينيون في ظل الثورة السورية

حاول اللاجئون الفلسطينيون منذ بدء الثورة السورية البقاء على الحياد على الرغم من صعوبة هذا الأمر، وذلك لعدة أسباب أولها الوضع الاجتماعي الفلسطيني في السياق السوري الذي يُعتبر فيه الاندماج بين المجتمعَين الفلسطيني والسوري كبيراً. فوفقاً للمحددات الاقتصادية والسياسية للمجتمع الفلسطيني في سوريا، حصل الفلسطينيون على صفة "بحكم المواطن" التي تعني حصول الفلسطيني على جميع حقوق المواطنة عدا الترشح والانتخاب، والمقصود بذلك أن طبيعة الحياة التي يعيشها الفلسطينيون في سوريا هي انعكاس للوضع الاجتماعي السوري بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ويزيد في شدة هذا الاندماج كون مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مختلطة في معظمها، أي يقطنها مواطنون سوريون من معظم الفئات والطوائف السورية، الأمر الذي يجعل عملية التبادل القيمي سهلة ومؤثرة في كلا الجانبين، كما أنه يزيد في قوة الترابط الاجتماعي بين كلا المجتمعَين السوري والفلسطيني. ويتصل بهذا البعد الاجتماعي بعد مكاني، فعلى سبيل المثال، يقع مخيم اليرموك، أكبر مخيم فلسطيني في سوريا، تماماً بين أحياء القدم والتضامن والحجر الأسود والميدان في دمشق، وهي جميعها بؤر احتجاجية ساخنة، وبالتالي أماكن توتر أمني، كما أن مخيم العائدين في حمص ملاصق لحيّ بابا عمرو.

أمّا العامل السياسي فيمكن تقسيمه إلى مستويين يتعلق الأول منهما بتوزع القوى السياسية الفلسطينية في سوريا حيث تُعتبر كل من منظمتَي الصاعقة والجبهة الشعبية القيادة العامة من أقوى الفصائل الفلسطينية، وذلك بسبب التقارب الكبير بينهما وبين النظام السوري، فضلاً عن التوجهات السياسية السورية في ما يخص علاقاتها بالفصائل الفلسطينية، والتي منعت وجود مكاتب لبعض هذه الفصائل. وبالتالي، فإن مجال العمل الفصائلي محصور بتلك الفصائل التي يسمح لها النظام بالوجود على أراضيه بما يتوافق ورؤاه السياسية، والتي لم تخلُ عبر تاريخها من اضطرابات بين بعض الفصائل والنظام السوري، على غرار ما حدث في ثمانينات القرن المنصرم بين حركة "فتح" والنظام في سوريا.

أمّا المستوى الثاني فيتعلق بالوضع الذاتي الفلسطيني الذي تظهر فيه منظمة التحرير عاجزة عن مواكبة الحاجات السياسية للشعب الفلسطيني، وبالتالي غياب الممثل الشرعي والوحيد عن أن يكون محدداً سياسياً للوجود الفلسطيني في سوريا. ولذا، فإن هذا الوجود يظل محكوماً بالتوجهات السياسية للنظام والحراك السياسي في المجتمع السوري، بعد خروج المنظمة كمحدد أهم في إنتاج الحياة السياسية الفلسطينية للاجئين عامة.

وفي ما يتعلق بالعامل الجغرافي، فإن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وإن كانت محددة بمكان معين، إلاّ إن حدودها وهمية، إذ لا يمكن التمييز بين المخيم والأماكن المحيطة به، ولذلك فإن عملية التواصل مع المحيط تكون طبيعية بحكم هذه الجغرافيا، ويسهل تأثر المخيمات بما يدور في المحيط من حراكات سياسية واقتصادية واجتماعية.

موقف الفصائل الفلسطينية من الثورة السورية

منذ بدء الأزمة في سوريا انقسم موقف الفصائل الفلسطينية بين مؤيد بشكل واضح للنظام السوري، كالجبهة الشعبية القيادة العامة، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين «في سوريا»، والصاعقة، بينما لم تصدر مواقف واضحة من بقية الفصائل وعلى رأسها حركتا "فتح" و"حماس"، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أعلن في مقابلة متلفزة التزامَ الحياد في الأزمة الدائرة في سوريا، وأن الفلسطينيين ضيوف في هذه البلد.

واتخذ التأييد للنظام في سوريا من طرف بعض الفصائل الفلسطينية أشكالاً متعددة أبرزها السعي لدعم النظام من خلال الشارع الفلسطيني، إذ اعتقدت هذه الفصائل أن الفلسطينيين يقفون بمجملهم إلى جانب النظام لأنه لم يصدر عن الشارع أي موقف يبيّن اتجاهاته العامة من الثورة، إلى أن حدثت نقلة نوعية في تفصيلات العلاقة بين الشارع الفلسطيني والثورة السورية في 6 حزيران/ يونيو 2011، وهو اليوم الذي تحول فيه تشييع شهداء مسيرة العودة الثانية في ذكرى النكسة إلى تظاهرة مناهضة للنظام السوري وللفصائل الفلسطينية عامة، وخصوصاً لتلك المؤيدة للنظام السوري بشكل خاص، بينما أطلقت الجبهة الشعبية القيادة العامة النار على المتظاهرين السلميين بعدما توجهوا إلى مقر هذا التنظيم في الخالصة في مخيم اليرموك بدمشق، فقتلت عدداً منهم وجرحت العشرات.

ففي ذلك اليوم عبّر الفلسطينيون وفي مخيمات عدة عن رفضهم لأن يكونوا أداة لإخماد الثورة السورية، وأن يكون بعض الفصائل المؤيدة للنظام ممثلاً للفلسطينيين في سوريا عامة.

وكان موقف الجبهة الشعبية القيادة العامة في ذاك اليوم العامل الأبرز في شق الصف الفلسطيني في سوريا الذي يعاني أصلاً تبعات الانقسام بين حركتَي "فتح" و"حماس"، بمعنى أن هذه الحادثة عمّقت الانقسام العمودي في الشارع الفلسطيني، وظهرت علائم ومؤشرات هذا الشرخ في الأحداث اللاحقة التي شهدتها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا عامة.

ومن جهة أُخرى، لم تتقدم منظمة التحرير الفلسطينية بما من شأنه تطويق زج المخيمات واللاجئين الفلسطينيين في الأزمة السورية، كما لم تتخذ الفصائل الفلسطينية المحايدة كالجبهة الديموقراطية وحركة الجهاد الإسلامي موقفاً تتحمل فيه المسؤولية عن المخيمات وحماية اللاجئين الفلسطينيين فيها.

علاوة على ذلك، لم تتخذ "حماس" في بدء الأزمة موقفاً واضحاً من الثورة السورية إلى أن أعلن نائب رئيس المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق رفض "حماس" للحل الأمني في سوريا، واحترام الحركة لإرادة الشعب السوري، ونقل مكاتب الحركة من دمشق إلى الدوحة، علماً بأن ثمة تباينات هنا وهناك في تصريحات مسؤولي "حماس".

وبعد حادثة الخالصة، جاء اقتحام الجيش السوري وقصفه لمخيم الرمل الجنوبي في اللاذقية، كي يشكلا سبباً بارزاً في تشكيل حراك فلسطيني في الشارع السوري، وليُظهرا الانقسام الذي يشهده الشارع الفلسطيني، ويبيّنا بشكل جلي أطراف الانقسام.

ففي أواسط آب/أغسطس، وبعد ورود أنباء اقتحام مخيم الرمل، خرجت تظاهرة من جامع عبد القادر الحسيني في مخيم اليرموك، ضمت مئات من الشبان الفلسطينيين الذين هتفوا لمخيم الرمل ولوحدة الدم الفلسطيني والسوري، وكانت هذه أول تظاهرة تعبّر بشكل جلي عن تأييد شعبي للثورة السورية ضد النظام.

وفي إثر هذه التظاهرة أصبح الفرز داخل المخيمات الفلسطينية جلياً وواضحاً، فالموقف الشعبي ميّال إلى تأييد الثورة، وخصوصاً لدى فئة الشباب، أمّا الفصائل الفلسطينية فمنها مؤيد للنظام في سوريا بشدة، بل يود القيام بدور لدعم النظام، وأُخرى التزمت الصمت إزاء الأحداث، بينما لم يصدر عن منظمة التحرير الفلسطينية سوى بيان تلاه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه لوسائل الإعلام إذ قال معلقاً على قصف مخيم الرمل: "هذه جريمة ضد الإنسانية ونحن في ذات الوقت نشاطر الشعب السوري ذات الأهداف.. ذات الرغبة في الوصول إلى الكرامة والحرية" ("رويترز"، 16/8/2011)، وذلك في وقت لم تشهد سوريا حراكاً ديبلوماسياً فلسطينياً حقيقياً في ما يتعلق بحال اللاجئين الفلسطينيين.

* باحث فلسطيني

المصدر: المستقبل