القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

الفلسطينيون في لبنان بعد 64 سنة من النكبة

الفلسطينيون في لبنان بعد 64 سنة من النكبة

بقلم: فرانكلين لامب*

كل عام، في 29 تشرين الثاني، يحيي ما يقرب من ربع مليون لاجئ فلسطيني ممن اضطروا للجوء إلى لبنان، إلى جانب مواطنيهم الموجودين في أكثر من 130 بلداً حيث لجأوا بعد التطهير العرقي وطردهم من أراضيهم، يحيون الذكرى السيئة لقرار الأمم المتحدة رقم 181.

وفي الفترة بين 29 تشرين الثاني1947، و1 كانون الثاني 1949، قام الإرهابيون الصهاينة بتدمير أكثر من 530 من القرى والبلدات الفلسطينية وإخلائها من سكانها، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 13.000 فلسطيني، وطرد 750.000 منهم من ديارهم؛ أي ما يقرب من نصف عدد السكان الكلي.

وقد نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، الذي اعتمد في 29 تشرين الثاني 1947، على تقسيم فلسطين بين السكان الأصليين والمستعمرين الأوروبيين الذين وصلوا في مسعى لاحتلال فلسطين واستغلالها، وإنشاء وطن حصري لليهود.

وفي إطار خطة الأمم المتحدة، تم منح اليهود الأوروبيين أكثر من 56 % من مساحة فلسطين التاريخية، بينما عرضت على الفلسطينيين الأصليين، الذين يملكون 93 % من الأراضي، أقل من 44 % من أراضيهم الخاصة.

وقد استند التصويت للتقسيم على توصيات اللجنة الخاصة للأمم المتحدة (UNSCOP) بتقسيم البلاد إلى ثلاثة أجزاء: دولة فلسطينية يبلغ عدد سكانها 735.000، منهم 725000 من الفلسطينيين و10.000 من اليهود؛ ودولة يهودية جديدة تضم 499.000 من اليهود و407.000 من الفلسطينيين، مما يخلق دولة جديدة تضم أغلبية يهودية بنسبة 60 % تقريباً.

ولم يكن القادة الصهاينة قد أخفوا أبداً نواياهم، خصوصاً لدى إقامة التجمعات السياسية. وفي خطابه أمام اللجنة المركزية للهستدروت (حزب عمال أرض إسرائيل) بعد أيام من تصويت الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، أعرب ديفيد بن غوريون عن مخاوفه، وقال لقيادة الحزب:

"...إن إجمالي عدد سكان الدولة اليهودية في وقت إنشائها سوف يكون حوالي مليون شخص، بما في ذلك ما يقرب من 40 % من غير اليهود. ولا يوفر مثل هذا التكوين (السكاني) أساساً مستقراً لدولة يهودية. ويجب أن ينظر إلى هذا الواقع (الديموغرافي) بكل وضوحه ودقته. مع مثل هذا التكوين (السكاني)، لا يمكن أن يكون هناك حتى يقين مطلق بأن السيطرة ستبقى في يد الأغلبية اليهودية... لا يمكن أن تكون هناك دولة يهودية مستقرة وقوية طالما كانت تتمتع بأغلبية يهودية بنسبة 60 % فقط".

وفي شهر كانون الأول من العام 1947، قال بن غوريون للقادة الصهاينة: "لا يهمني إذا كان سيترتب على نصف اليهود في أوروبا أن يموتوا حتى يأتي النصف الآخر إلى فلسطين"، وقال حاييم وايزمان فيما بعد: "فيما يتعلق بالمسألة العربية -قال لنا البريطانيون إن هناك مئات الآلاف من الزنوج هناك، لكن هذا أمر غير ذي صلة".

ومن أجل ضمان وجود أغلبية يهودية مطلقة، شنت "لجنة الترحيل (الطرد)" الصهيونية حملة إرهابية لتطهير الجانب اليهودي من السكان غير اليهود. وقد خصصت "لجنة الحرب (الطرد)" تحت قيادة بن غوريون، لعملياتها العسكرية لغة التطهير العرقي من الأسماء العبرية: مثل Matateh (المكنسة)، Tihur (التطهير)، Biur (تعبير شبه ديني يعني "تطهير خميرة")، وNiku (تنظيف).

وبعد إعلان إسرائيل استقلالها من جانب واحد في العام 1948، تسارعت استراتيجية الاستيلاء على الأراضي لتأمين الغالبية المطلقة اليهودية. وقام الصهاينة بمهاجمة، وتفريغ، واحتلال نسبة 30 % من الأراضي التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية المستقبلية في إطار خطة الأمم المتحدة.

ومنذ العام 1967، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 24.000 منزل فلسطيني، بينما يستعمر أكثر من 600.000 يهودي الضفة الغربية والقدس حالياً. ومنذ العام 1967، اعتقل الجيش الإسرائيلي أيضاً أكثر من 700.000 فلسطيني -20 % من السكان- وفقا للإحصاءات الصادرة عن المؤتمر الدولي الأول حول حقوق السجناء والمعتقلين الفلسطينيين الذي عقد في جنيف في آذار 2011. ويوجد حالياً ما يقرب من 5.700 فلسطيني محتجزين في السجون داخل إسرائيل، في انتهاك مباشر للقانون الدولي. وبالإضافة إلى ذلك، عمل الحصار المفروض على غزة وجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية والقدس على تقييد حرية حركة الفلسطينيين بشدة.

وبعد 64 عاماً من صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 يوم 29 تشرين الثاني 1947، وبعد 20 عاماً من المفاوضات مع إسرائيل، ما يزال المجتمع الدولي يسمح باستمرار الوضع الراهن، في حين تنقض إسرائيل على نسبة 20 % من الأراضي المتبقية وتعتدي عليها ببناء المزيد والمزيد من المستوطنات المقصورة على اليهود فقط.

وبعد 64 سنة في لبنان؛ حيث فرّ 129.000 لاجئ فلسطيني خلال النكبة 1947-1948، ما يزال هناك ما يقرب من 250.000 في لبنان، ينحشر 130.000 منهم في 12 مخيما بائسة للاجئين. وتوثق كل دراسة جديدة عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان انحداراً اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً، فيما تنحدر هذه الشريحة السكانية الأكبر والأقدم نحو مزيد من التدهور. واليوم في لبنان، ما يزال اللاجئون الفلسطينيون يعيشون في ظروف أقل إنسانية من أي مكان آخر على وجه الأرض؛ بما في ذلك العقود الستة من المعاناة التي يتحملها أخواتهم وإخوتهم، تحت الاحتلال الصهيوني لبلدهم؛ فلسطين.

بعد ستة عقود من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، ما يزال لبنان يمنع اللاجئين الفلسطينيين، ضمنياً تحت طائلة عقوبة التوقيف والسجن، من العمل في أكثر من 50 من الوظائف والمهن. ويمثل هذا الحظر انتهاكاً مباشراً لمجموعة كبيرة من القوانين الدولية التي تدين هذه الممارسات، وتحديداً العديد من قرارات الأمم المتحدة، والاتفاقات متعددة الأطراف، وأعراف القانون الدولي، وحتى الدستور اللبناني نفسه، فضلاً عن إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، الذي أسهم بعض زعماء لبنان في صياغة مسودته في العام 1949.

منذ العام 2001، حظرت الحكومة اللبنانية أيضاً على اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم للمستعمرين الصهاينة، حتى شراء قطعة من الأرض لبناء كوخ من غرفة واحدة، أو موضع لخيمة، حتى رغم أن معظم الفلسطينيين ربما يكونون على استعداد للموافقة على أن تكون ملكيتهم للعقارات اللبنانية ستكون صالحة فقط حتى يحين الوقت الذي يستطيعون فيه العودة إلى فلسطين.

وبسبب هذا الفشل في تطبيق القانون، يواجه لبنان على نحو متزايد احتمالات فرض عقوبات دولية، فضلاً عن الاضطرابات المدنية. إنما ما يسعى إليه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، والذي لديهم الحق في التمتع به، تماماً مثل كل لاجئ في أي بلد، هو أن يعيشوا بكرامة، وأن يكونوا قادرين على التقدم بطلب للحصول على وظيفة، والتمكن من رعاية أسرهم. ويشمل الحق في العيش بكرامة الحق في العيش خارج المخيمات المزدحمة والقذرة، وشراء سكن أفضل إذا كانوا قادرين.

وثمة انتهاك إضافي مقلق لحقوق الفلسطينيين في لبنان، هو حقيقة أن القوات المسلحة اللبنانية تعمد بشكل متزايد إلى إغلاق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، مما يزيد من تأكيد وواقعية الاضطهاد الحكومي، وممارسة المزيد من الضغوط على الحياة اليومية لهؤلاء الضيوف غير المرغوب فيهم.

الآن، بعد 64 عاماً من صدور قرار الجمعية العمومية رقم 181، يقوم كل حزب سياسي وكل سلطة دينية في لبنان، بجرأة بانتظام، بتقديم خدمة كلامية غير مخلصة النية لـ"القضية الفلسطينية المقدسة"، باعتبارها "القضية التي تسري في دم كل عربي ومسلم". ويجزم الجميع في لبنان بأن "إخواننا يجب أن يعيشوا بكرامة حتى يتمكنوا من العودة إلى فلسطين"، وأنه "بالنسبة لنا نحن اللبنانيين، كمضيفيهم، حرمانهم من الحقوق الإنسانية حتى أقل مما يعطيهم مضطهدوهم الصهاينة، إنما ينتهك واجبنا الديني الذي سوف يعاقبنا الله (المسيحيين عادة ما يدرجون كلمة "يسوع" أو "الله القدير") ويعذبنا في الجحيم لقاء عدم الوفاء به يوم القيامة".

الأحزاب السياسية اللبنانية والحركات التي ضحت فعلاً من أجل فلسطين والتي تسعى إلى تحريرها، والأحزاب السياسية اللبنانية التي ذبحت ميليشياتها المدنيين الفلسطينيين، من النساء والأطفال والمسنين في مخيمات اللاجئين، لديها التزام خاص بالعمل الآن وإعطاء معنى عملي وحقيقي لكلامها.

وبالتأكيد، ينبغي على هؤلاء الساسة اللبنانيين الذين تتماهى ملصقاتهم وصورهم المنتشرة في كل مكان مع القضية الفلسطينية، لكنهم ارتكبوا في خدمتهم للحكومات الأجنبية، مذابح في المخيمات الفلسطينية، وشخصوها للتضليل باسم "حروب المخيمات"، ينبغي عليهم التوبة فوراً واستخدام سلطاتهم اليساسية وثرواتهم المالية التي كسبوها من السياسية من أجل إحقاق العدالة.

ليس للساسة اللبنانيين، ولا للأحزاب السياسية، ولا للمؤسسات الدينية، عذر مشروع لعدم تخصيص جلسة مسائية في البرلمان المنعقد حالياً في دورة، من أجل تخليص البلد من الانحطاط الذي فرضه على نفسه، بإلغاء قانون العام 2001 العنصري الذي حظر على اللاجئين الفلسطينيين ملكية المنازل. وكجزء من العمل البرلماني نفسه، يجب أن يُمنح للاجئين الحق في العمل الذي يتمتع به كل اللاجئين الآخرين في لبنان، والذي يكفله القانون الدولي، والعقائد والأديان، والأخلاقيات المشتركة التي يلتزم بها جميع الناس ذوي الإرادة الطيبة.

أما أي شيء يقل عن ذلك، فيديننا جميعاً، ويجعل من لبنان الذي يفترض أنه مجتمع متحضر، محلاً للازدراء والسخرية.

*باحث مختص في الشأن اللبناني والفسطيني، يجري أبحاثه الميدانية في كل من ليبيا ولبنان