عرض أممي للبنان لتحمل
عبء اللاجئين وحده!
الفلسطينيون يطالبون
برفع الظلم: كرة النار تكبر
بقلم: عمار نعمة
هي الخطوة الأخطر على
صعيد استهداف الشعب الفلسطيني في لبنان: التقليص الكبير في ميزانية «وكالة غوث اللاجئين»
(الأونروا).. على طريق التفلت النهائي من أية مسؤولية دولية إنسانية تجاه الشعب الفلسطيني
في لبنان خاصة وفي الشتات عامة.
لا تتردد الفصائل الفلسطينية
في لبنان في استخلاص ذلك، وهو الأمر الذي لطالما حذرت منه في الفترة السابقة، وقد توجهت
بنداءات كثيرة الى المجتمع الدولي كما الى السلطات اللبنانية.. من دون جدوى.
والحال أن الفلسطينيين
كانوا قد حذروا منذ أشهر طويلة من تقليص مساعدات الأونروا التي تعتبر بحسبهم الشاهد
الحي على قضية اللجوء، وهم يضعون ذلك في إطار المخطط الدولي المستمر لاستهداف المخيمات،
وقد أبلغوا الأونروا بشكل مستمر من ان هذا التقليص سيكون وبالاً على الوجود الفلسطيني
في لبنان، وخاصة على الصعيد الطبي.
ويضع الفلسطينيون هذا
التقليص في إطار «مخطط إسرائيلي وأميركي» لضرب اللجوء الفلسطيني في لبنان تمهيداً لضرب
مواز لحق العودة. ويرى البعض أن هذا الاستهداف يساعد أيضاً في توريط فلسطينيين في مخطط
يعد لتوريط هذه الساحة، انطلاقاً من المخيمات، بما يخرج اللاجئين عن هدفهم الأول المتمثل
في حق العودة الى ديارهم في بلدهم الأم.
ويحذر البعض من دقة
المرحلة، كون هذا الأمر يأتي في ظل العواصف المذهبية الدموية في المنطقة، مخافة أن
يشكل الفلسطيني في لبنان هدفاً هشاً لتيارات من أهدافها تصفية حسابات مذهبية أو تخريب
الساحة اللبنانية.. وهنا ثمة مسؤولية لبنانية عما يجري، حسب بعض الفلسطينيين.
ويرى هؤلاء أن المجتمع
الدولي يريد تحميل لبنان مسؤولية عبء اللاجئين في إطار مخطط للتملص نهائياً من تلك
المسؤولية، في الوقت الذي تبدو فيه الدول العربية وكأنها هي الأخرى في صدد التخلص من
هذا العبء.
والواقع أن الفلسطينيين
يطلبون من لبنان التحرك على هذا الصعيد، إذ إن هذا البلد سيتأثر بشدة من تراجع الحالة
الاجتماعية للفلسطينيين على أراضيه، وقد يقع ضحية ما يحصل لهم، سواء لناحية التوطين
على أراضيه أو لناحية تحول الساحة اللبنانية مرتعاً لأعمال أفراد فلسطينيين متورطين
بمخططات خارجية إرهابية.
من ناحيته، يبدو لبنان
عاجزاً، خاصة في ظل حوار مبتور مع الفلسطينيين الذين يناشدون السلطات اللبنانية رفع
الصوت عالياً أمام المجتمع الدولي مع المطالبة المستمرة بتوفير الحقوق المدنية لهذا
الشعب المتشرد.
ويبدو أن الأمور تتجه
نحو الأسوأ، إذ إن لبنان قد تلقى، حسب أوساط فلسطينية، عرضاً، بالحصول على مبلغ مالي
نظير تحمل مسؤولية اللاجئين، الأمر المرفوض فلسطينياً كونه سيساعد المجتمع الدولي على
التنصل من تحمل أعباء اللاجئين ورميها على لبنان، من دون ضمانات أن تلك المساعدات سوف
تستمر في المستقبل. في المقابل، يبدو لبنان منشغلاً بأزمته التي يرى الفلسطينيون أن
جانباً منها يتعلق بمحاولة إشغاله عن تأدية واجباته تجاه اللاجئين..
على أن الفصائل الفلسطينية
ومعها جمعيات من المجتمع المدني الفلسطيني، ستستمر في تحركاتها التصاعدية في إطار خطة
معدة للمواجهة، والتي ترى فيها رد فعل طبيعياً على استهداف اللاجئين، وهم يطالبون بالتراجع
عن جميع القرارات الظالمة التي لم تنصف اللاجئ الفلسطيني وحقوقه كما كفلتها المواثيق
والمؤسسات الحقوقية الدولية.
وقد أغلق اللاجئون في
لبنان أمس مراكز الأونروا في عدد من المخيمات، ويلمح البعض على الساحة الفلسطينية الى
أن تلك التحركات قد لا تقتصر على حيز جغرافي يحدها في المخيمات، ويذهب البعض الى التهديد
بالتوجه نحو الجنوب، تحديداً نحو الحدود اللبنانية الفلسطينية، لرفع الصوت أمام هذا
المخطط الذي تُجمع الفصائل في «منظمة التحرير الفلسطينية» كما في «تحالف القوى الفلسطينية»
على وجوب مجابهته. حتى أن بعض الفلسطينيين قد ذهب الى مطالبة الأمم المتحدة بتشكيل
فريق تقصي حقائق من أجل الوقوف على ما يقولون إنه فساد داخل إدارة الأونروا، مطالبين
بترشيد الأموال باتجاه خدمة اللاجئين داخل المخيمات.
في هذه الأثناء، استمهلت
الأونروا، التي تتذرع بعدم وجود أموال كافية لمشروعاتها وتقول إن سياسة التقشف تشمل
مجالات عملها في المناطق الخمسة وهي لبنان والأردن والضفة وغزة وسوريا، الفلسطينيين
حتى يعود مديرها في لبنان بردّ من الجهات المانحة حول وقف سياسية التقليصات وزيادة
الخدمات المقدمة، بعد عشرة أيام من المنتظر ان تشهد من الناحية الفلسطينية تصعيداً
غير مسبوق، فهل تكبر كرة النار؟
«بو عزيزي الأونروا»
كان الجميع مُدركاً
لما سيحصل. تقليص خدمات منظّمة «الأونروا»، لا سيّما الصّحّية منها، سيترك أثراً كبيراً
على حياة اللاجئين الفلسطينيين داخل المخيّمات. وبالفعل، هذا ما حصل. أمس، أقدم شابٌّ
على إحراق نفسه. عمر خضير يئس من عدم قدرته على علاج المرض. تقف «الأونروا» وراء عجز
الشّاب، ذي الـ23 عاماً، على التّخلّص من التّلاسيميا بتقليصها خدماتها، ورفضها إعطائه
تحويلاً للعلاج في المستشفيات. أمام عيادة المنظّمة في مخيّم البرج الشّمالي في صور
وقف الشّابّ غاضباً. حانقاً للحال الّتي وصل إليها. حمل غالون كازٍ، صبّ منه الكثير
على جسده، وأضرم النّار بنفسه. فأصيب بحروقٍ بالغة في أنحاء مختلفة من جسده نُقل على
إثرها إلى مستشفى «جبل عامل» في صور للعلاج.
بلبلة ولغط، وكلام عن
ارتفاع كلفة علاج الشاب بحسب ما قالت عائلة خضير، غير أن ذلك لم يكن صحيحاً، فمستشفى
«نبيه بري الجامعي» في النبطية حجز مكاناً للشاب وأعرب عن الاستعداد لاستقباله. وأوضح
مدير المستشفى الدكتور حسن وزنة أن «الأونروا» قد تتحمل جزءاً من كلفة علاجه، وفي حال
لم تفعل ذلك فإن المستشفى سيقوم بعلاجه من دون أي مقابل. وعما إذا ما كان أحد أقربائه
قد قام بدفع مبلغ من المال مقدَّماً لإدارة المستشفى، كما أشيع في بعض وسائل الإعلام،
أكد وزنة «عدم حصول هذا الأمر مطلقاً»، مشيراً من ناحية أخرى إلى أن «فترة علاجه قد
تستغرق من شهر إلى شهر ونصف على الأقل».
وكان بعض أفراد العائلة
قد قالوا إن المستشفى الحكومي في النبطية طلب مبلغ 25 مليون ليرة ليقبل استقبال الشاب،
ما اضطر العائلة للتواصل مع رئيس بلديّة البرج الشمالي الّذي كفِل الشّاب حتّى يتمكّن
من تلقّي علاج الحروق. أمّا مصير علاج «التّلاسيميا» فما زال رهن «كرم الأونروا».
ما يعاني منه خضير ليس
حالةً فريدة. عشرات آلاف الفلسطينيين يُعانون من تبعات «شحّ» المنظّمة. يُترجم هؤلاء
وضعهم غضباً.
أمس، توفّيت امرأة
(عائشة حسين نايف) بسبب عدم تغطية «الأونروا» لعلاجها. وفاة المرأة، وحرق الشّاب لنفسه،
إضافةً إلى الحالات المشابهة التي حصلت في مخيّم «نهر البارد» أخيراً، أشعل الأوضاع.
حيث أقدمت «اللجان الأهلية والشعبية» في البص على إقفال مكتب مدير المخيم للشؤون الاجتماعية
في المنظّمة. وفي مخيّم «عين الحلوة» أيضاً قامت بإقفال مكتب مدير خدمات «الأونروا»
وإخراج الموظفين منه.
وعبّر وفد «اللجان الأهلية»
عن غضبه واستيائه لما وصفه بـ «إهانة وإذلال اللاجئ الفلسطيني بحرمانه من أبسط حقوقه
في تلقّي العلاج والاستشفاء».
سياسة تخلّي «الأونروا»
عن تقديم المساعدات ليست جديدة. أفادت»المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان» (شاهد) بأنّه
«منذ عدّة أشهر فوجئ الفلسطينيّون بقرارٍ لا إنساني من قسم الصحة في (الأونروا) يقضي
بتخفيض خدماتها الصحية لمرضى المستوى الثاني، وهم الأغلبية من المرضى الفلسطينيين،
الذين يقصدون المستشفيات للعلاج إلى 20 في المئة حيث باتت تغطي المنظّمة فقط 80 في
المئة في المستشفيات الخاصة، بدلاً من 100 في المئة كما كان سارياً في العام الماضي».
ومن الشّروط التي وضعتها
المنظّمة «لجوء المريض أوّلاً إلى مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، وإذا تعذّر وجود
العلاج فيها يتم تحويله إلى المستشفيات الحكومية، وإذا تعذّر علاجه أيضاً فيها يمكن
تحويله إلى المستشفيات الخاصة».
المصدر: السفير