القدس في يومها العالمي تئن وتصرخ
بقلم: د. مصطفى اللداوي
عاماً بعد آخر نحيي مناسبة يوم القدس
العالمي، التي أعلن عنها مرشد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني، وذلك
في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، فيما اعتاد الفلسطينيون أن يسموها
بالجمعة اليتيمة، وفيها يحاولون أن يؤموا المسجد الأقصى بكثافةٍ ما استطاعوا، رغم
الظروف الصعبة التي تحيط بالقدس، والإجراءات الصهيونية القاسية التي تمنع المسلمين
من التوجه إلى الحرم لأداء الصلاة فيه، فالحواجز المؤدية إلى المدينة القديمة
وحرمها المقدس كثيرة، تنتصب في كل مكان، وتقام على مداخل مدينة القدس، وعلى مخارج
مدن الضفة الغربية، فلا يسمح لكثيرين بالمرور، حيث تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي
شروطاً عديدة على الراغبين في الصلاة، فلا تسمح لمن لم يتجاوز عمره من الرجال
الخمسين عاماً بالدخول، كما تتشدد جداً في إجراءات السماح للنساء بدخول المسجد
الأقصى، في الوقت الذي تمنع فيه الصبية والأطفال، والوافدين والزائرين المسلمين،
بينما تحرم على أبناء قطاع غزة منذ سنواتٍ طويلة دخول القدس، أو الصلاة في المسجد
الأقصى المبارك.
شكراً لكل من يتذكر مدينة القدس
الحزينة، والمسجد الأقصى الأسير، ويحيي في بلاده أو خارجها فعالياتٍ وأنشطةٍ عامةٍ
وخاصة، تذكر المسلمين بمسجدهم، وتؤكد على الواجب الملقى على عاتقهم، وتعلن أن
مدينة القدس، مدينةٌ عربيةٌ إسلامية، وأنها لم ولن تكون يوماً مدينةً يهودية، وأنه
مهما طال الزمن فإنها ستعود إلى ماضيها العربي الإسلامي، ولن يعمر فيها اليهود،
ولن تكون عاصمةً لكيانهم، ولا قلباً لمملكتهم، ولن يتحقق حلمهم فيها بهدم الحرم
واستعادة الهيكل، وأنه مهما اشتدت إجراءاتهم التهويدية فإن المسلمين لن ينسوا حقهم
في مدينتهم، ولن يفرطوا في مسرى نبيهم، وأنهم على استعداد للتضحية بكلِ غالٍ ونفيس
لإستنقاذها وتحريرها من دنس الإحتلال.
شكراً لمن أعلن عن يومٍ عالمي لمدينة
القدس، وجعله في يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان الكريم، ليقول للفلسطينيين أنكم
لستم وحدكم في مواجهة الإحتلال الصهيوني، وأنكم لستم ضعافاً أمامه، وأن المسلمين
لن يتأخروا عن نصرتكم، ولن يترددوا في الدفاع عنكم، ولن يتركوكم وحدكم في مواجهة
الإجراءات الصهيونية، ولن يسلموا بما يقوم به من إجراءاتٍ تهويدية، لشطب هويتها
العربية والإسلامية، وستبقى مدينة القدس والمسجد الأقصى وصيةَ كل قائدٍ، وهم كل
مسؤول، ومسؤولية كل مسلم، فرضاً لا يسقط، والتزاماً لا تحلل منه، ولا تخلي عنه
بغير التحرير، فشكراً للقائد الذي أعلن، وشكراً للأمة التي وفت، وللشعوب التي حفظت
الوصية، والتزمت بالتكليف.
شكراً لكل من تضامن مع القدس
وسكانها، وذكَّر بمأساتهم وحجم معاناتهم، وعرَّف بالأخطار التي تحيق بها، وتتعرض
لها، فهذه مدينتنا، كانت لنا وستبقى لأجيالنا من بعدنا، وهي قلب الصراع وعنوان
المواجهة الأبرز، إنها أكثر ما يوجع الإسرائيليين ويؤلمهم، وهي أكثر ما يقلقهم
ويخوفهم، وهي أكثر ما يجمعهم ويوحد صفهم، فلا تجعلوهم يأمنون فيها ويطمأنون، ولا
تتركوهم يركنون ويهنأون، ولا تسمحوا لهم بأن يتفقوا على سلبنا، وأن يتوحدوا على
تجريدنا من مدينتنا، أو أن يتمتعوا أكثر في بلادنا وعلى أرضنا.
واعلموا أن المسلمين والعرب أعزةً
وكراماً ما بقيت قدسهم حرة، وأقصاهم مطهراً، وأرضهم مبرأةً من كل احتلال، وقد عرف
قادتها الأوائل أنها عنوان السلامة، ودليل العافية، فوجهوا إليها حاميتهم، وسيروا
إلى مسجدها جيوشهم، وساروا إليها مع زحف جيوشهم، وقبل جنودهم، وشاركوا في حصار
أسوارها، ودك حصونها، حتى دخلوها أعزةً، وحافظوا عليها رجالاًن ويدرك الإسرائيليون
أن القدس هي المعيار، وهي الأساس الذي تحكم على أساسه، فما بقيت القدس في أيديهم
فإن العرب والمسلمين سيبقون أذلةً ضعافاً، لا يقوون على فعل شئٍ عزيز، ولا
يستطيعون حماية أنفسهم، ولا الدفاع عن بلادهم.
القدس أيها العرب والمسلمون في
حاجتكم جميعاً في يومها العالمي وفي كل يومٍ آخر، إنها تتوقع منكم النصرة، وتنتظر
منكم النجدة، وتتطلع إلى هبةٍ تقومون بها، وغضبةٍ تنتصرون من خلالها، وانتفاضةٍ
تنقذها من مصيرها، إنها ترنو إلى وقفة رجال، ويقين عجائز، وعناد أطفال، فما
يتهددها أكبر من قدرتها وأهلها على الصمود، وما تتعرض له أخطر مما تتصورون، وأسوأ
مما تعتقدون، فالإسرائيليون لن يبقوا فيها على شئٍ يذكر بكم، أو يشير إليكم، أو
ينطق بحضارتكم، أو يدل على إسلامكم، فقد أعلنوا حربهم الضروس على شوارعها
وحاراتها، وغيروا أسماءها ومعالمها، وشطبوا ما يميزها ويدل عليها، وطردوا الكثير
من أهلها، وسحبوا هوية الكثير ممن بقي فيها، وحددوا لهم مدة الإقامة، وحجم
الملكية، وحدود العمل، ومساحة الحرية.
القدس أيها الناس جميعاً ليست أرضاً
ولا تلالاً، وليست حجارةً أو قبوراً، ولا مساكن ولا دوراً، وهي ليست حضارةً أو
تاريخاً، ولا معالماً أو آثاراً، وهي ليست سكاناً ولا مواطنين، ولا أحياء أو
ميتين، إنها عقيدةٌ ودين، وإيمانٌ وقرآن، وهي بقية عهد، وجزءٌ من أمانة، سلمها لنا
الفاروق عمر، وأبقاها بين أيدينا وقفاً إلى يوم القيامة، حفظها لنا من بعده السلف،
ودافع عنها الخلف، إنها القدس المدينة التي تسكن الحنايا والقلوب، وتعمر الصدور
والنفوس، فهي مسرى رسول الله، وآيةٌ في كتاب الله، وهي أطهر أرض، وأقدس بقاع، إنها
أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، فيها بذل المسلمون دماءهم، وقدموا على
أرضها أرواحهم، ورووا ترابها بسيل دمائهم، وفي ثراها سكن الكثير من الأنبياء ومن
صحابة رسول الله، فلا تنسوها في يومها ولا في غيره، دافعوا عنها ما استطعتم،
واعملوا لأجلها غاية جهدكم، واستعدوا ليومٍ تصلون فيه في مسجدها، ليكون لكم شرف
وفضل السجود فوق ثراها.