القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

القوانين الغامضة بخصوص حق العمل والضمان الاجتماعي للفلسطينيين

القوانين الغامضة بخصوص حق العمل والضمان الاجتماعي للفلسطينيين

سهيل الناطور

على الرغم من ان المجلس النيابي اللبناني تشجع وناقش مقترحات قوانين قدمتها كتلة اللقاء الديمقراطي، تتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في مجالي العمل والضمان الاجتماعي، فقد اجمع الفلسطينيون، خاصة نقابات عمالهم ومنظمات مجتمعهم المدني بمؤازرة كاملة من الفصائل جميعها، على ان ما نتج من تعديلات قانونية، ونشر في الجريدة الرسمية، لم يعط تبديلا جوهريا في صيغ الحرمان التي يعانيها اللاجئون، واقتصر على صيغ مبهمة في المهن العادية والصيغة الالزامية للحصول على اجازة العمل، كما اكتنف الغموض صيغة الزام الاجير الفلسطيني ورب عمله بدفع رسوم للضمان الاجتماعي، دون امكانية الاستفادة من خدماته.

ان محاولة تخفيف حدة الحرمان، واشتداد الفقر في الوسط الفلسطيني، لم تتكلل بإزالة الغبن، لأن علاج وضع الفلسطيني في بلد يطلق على نفسه دولة القانون، لكن مؤسساته السلطوية ما زالت تفرض حالة لا قانونية على اللاجئين الموجودين لأكثر من ستين عاما.

الجزء الاول، هي الاكبر، وهم لاجئون مسجلون رسميا في قيود وزارة الداخلية، ممنوعون من العمل في المهن الحرة، وهذا استمر ظلما كريها مفروضا، يمس حاضر ومستقبل الاف الشبان المتخرجين من الجامعات والمعاهد العليا ولا يمكنهم وضع طاقاتهم في خدمة مجتمعهم، بسبب القانون التمييزي السلبي الجامد باصرار عنيد من النواب ان لا يبدلوه وان لا يحققوا العدالة. هذه المجموعة التي تمثل العنصر الحيوي القادر على الانتاج وحل مشكلة دخل اسرة كل منهم، بما ينهي جزءا من الفقر واسع الانتشار، تجد نفسها مستمرة في الاضطرار للبحث عن عمل خارج لبنان وفي الظروف العربية المضطربة في العديد من البلدان، واغلاق الدول الخليجية ابوابها امام عمالة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، يصبح المخرج المحتمل هو بلاد المهاجر البعيدة، ليعيش الفلسطيني هناك في اجواء اقتصادية واجتماعية وسياسية، بعيدا عن اطاره الفلسطيني والحضانة العربية، ومع مرور اعوام التهجير فإن الجيل الثاني، خاصة من الذين يولودون في المغتربات، وتكون امهاتهم غير فلسطينيات، يتعزز فقدان الرابط الوطني لديهم، بما يحقق بعض ما تصبو اليه اسرائيل الصهيونية ، بان تنسى الاجيال الفلسطينية القادمة حق العودة.

الجزء الثاني من الفلسطينيين في لبنان، وهم لا يتجاوزون الخمسة الاف، المعروف انهم لا يحملون اوراقا ثبوتية معترف بها في لبنان، فإنهم لم يكونوا يتمتعون بأي حق انساني، لا في العمل، والضمان وحرية الحركة وغيرها. ومع ما اطلق عليه التعديلات على قوانين العمل والضمان الاجتماعي، فقد أصر النواب اللبنانيون على استثناء هذه المجموعة من الاعتراف بها أولا، ومنحها بطاقة هوية فلسطينية كاللاجئين، وبالتالي استمروا محرومين من العمل والضمان، ولم يتبدل وضعهم.

من جهة اخرى شمل تغييب البرلمان اللبناني اي نقاش، لا جدي ولا سطحي، للمطالبة الفلسطينية الملحاحة بإلغاء القانون اللاقانوني والتمييزي سلبا ضد حق الفلسطيني بالتملك العقاري، علما ان الدولة اللبنانية لن تتصدى لمعضلة ازدياد الكثافة السكانية الفلسطينية في مخيمات لبنان، ولم ترد في خاطر اي من النواب فكرة ضرورة ايجاد حل عملي لسكن اللاجئين الفلسطينيين، لا بل ان اجتماع الحرمان من حق العمل (لا دخل ثابت يوفر احتياجات الاسرة)، والضمان الاجتماعي ( لا تقديم للخدمات التعليمية والصحية حتى ممن يدفعون رسوم الضمان الاجتماعي)، ولا توافر المأوى (منع حق الملكية العقارية بالتزامن مع منع ادخال مواد الاعمار الى المخيمات لتطوير البنية التحتية وزيادة الوحدات السكنية والحؤول دون توفير ارض لمخيمات جديدة او لتوسيع المخيمات القائمة). كل ذلك سلسلة من الممنوعات الهادفة لجعل حياة الفلسطيني دائما مقهورة مفقرة ومهمشة.

ان الحكومة اللبنانية القادمة، ستجد نفسها ورثت ركاما من القوانين والاجراءات التمييزية في مسألة حقوق اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد، وتواجه غليانا، يزداد أواره غضباً في المخيمات عموما وفي مخيم نهر البارد على وجه الخصوص، وتحملت الحكومات المتعاقبة مسؤولية الالتزام بإعادة اعماره، الامر الذي لم يتم رغم الوعود المتكررة بمواعيد تتخذ، وسرعان ما يتم تبديلها، بما اثار الغضب الجماهيري من الاهمال واللامبالاة ازاء حياة الأسر المشردة، في ظروف قاسية لسنوات متتالية.

وكي تنجح أي حكومة لبنانية قادمة، عليها ان تنتصح بعدم اغماض العيون عن واقع اللاجئين، وان لا تكتفي بتحريك بسيط، وشكلي افرغ من مضمونه الحقيقي كما في حق العمل والضمان، بل ان تتصدى بجرأة لحل معضلات السكن، الملكية العقارية، العمل كاملا كما اللبناني في القطاع الخاص، الضمان الاجتماعي كاملا وانهاء الادعاء بان ذلك يؤدي الى التوطين او لالغاء الاونروا، فالتجربة وضعتنا جميعا ان بالامكان عبر تعاون المجتمعين اللبناني المضيف والفلسطيني الضيف المكره على ذلك، بأننا قادرون على تجاوز مخاوف مبثوثة لا صحة لها. وعليه فالمأمول ان تبدأ ورشة عمل قانونية تنفض الغبار عن القرارت والقوانين والاجراءات المستقرة في تعامل سلبي لحقوق اللاجئين، وانجاز التعديلات الضرورية واصدار الجديد اللازم، لتتجه العلاقات المستقبلية الى الامام وللبناء التفاعلي الايجابي، بعد ان عبرنا معا العام الثالث والستين على النكبة، وبعد ان نفخت نسائم التحركات والثورات الشعبية العربية في تونس ومصر بأن التغيير هو البديل لكل جمود المرحلة الماضية، وهو العافية للشعوب العربية جميعها.

المصدر:المستقبل