القيادة
الفلسطينية تدرس وتقرر وتنفي التوقيع على معاهدة روما؟!
*علي
هويدي
في
الوقت الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة السلطة الوطنية الفلسطينية،
كدولة فلسطينية تحمل صفة "دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة" بتاريخ
30/11/2012، أصبح بإمكان "الدولة غير العضو" التقدم للتوقيع والانضمام
لمعاهدة روما للعام 2002، التي بموجبها تم انشاء المحكمة الجنائية الدولية ومن
خلالها تستطيع ملاحقة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني
منذ ذلك التاريخ، على اعتبار أن لا مفعول رجعي للمعاهدة، لكن ما الذي يشكل حائل
للتوقيع على المعاهدة؟ وألم يحن الوقت لملاحقة ومحاسبة (إسرائيل) على جرائمها؟!
بشهادة
القاصي والداني، دولة الإحتلال ترتكب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة
الجماعية في قطاع غزة، وعلى التوازي لا تتوقف الإنتهاكات وجرائم الإستيطان
والتهجير والتهويد وهدم المنازل ومصادرة الأراضي وقتل المحتجين الفلسطينيين فى
القدس والضفة الغربية.. وبالتالي لم يعد أمام الرئيس محمود عباس والسلطة فى رام
الله بعد إجرام (إسرائيل) فى غزة والضفة، إلا التوقيع والتصديق على الإتفاقية
والإنضمام للمحكمة الجنائية الدولية وهذا التوقيع "سيمكن من ملاحقة مجرمي
الحرب الصهاينة في المحاكم الدولية وإنهاء الحصانة القانونية التي يتمتعون بها
وضمان تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا الفلسطينيين" كما يقول خبراء القانون
الدولي والقانون الدولي الانساني.
هذا
وقد وقعت حتى الآن 14 دولة عربية على النظام الأساسي للمعاهدة ولم تصدق عليه سوى 4
دول عربية فقط هي الأردن وتونس وجيبوتي وجزر القمر، وقد تجاوز عدد الدول المصدقة
على النظام الأساسي للمعاهدة 120 دولة في العالم، وترفض الولايات المتحدة
و(إسرائيل) الإنضمام إليها.
بعد
مسلسل المجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق شعبنا الفلسطيني لا
سيما منذ بدء العملية التي أطلق عليها "الجرف الصامد" في قطاع غزة،
ومرور 26 يوم على استمرار آلة القتل اليومي التي لا تميز بين امرأة وطفل ومسن
ومسعف وإعلامي ودور عبادة ومستشفيات ومدارس وبنى تحتية وسقوط اكثر من 1400 شهيد من
المدنيين، واكثر من 8100 جريح، والمئات من المعوقين والأيتام.. وإبادة عائلات
بأكملها من السجل المدني الفلسطيني، بعد كل هذا من المستغرب حتى الآن، عدم إقدام
القيادة الفلسطينية على الانضمام على معاهدة روما.
في
18/6/2014 طالبت كتلة حركة حماس البرلمانية الرئيس محمود عباس بضرورة التوقيع على
المعاهدة، وفي 3/7/2014 قال نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض
العلاقات الدولية بأن (القيادة الفلسطينية "تدرس" التوجه للجنايات
الدولية)، وبعد تأخر نتيجة الدراسة، وبتاريخ 9/7/2014 ومن خلال مؤتمر صحفي دعا
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان باسم المؤسسات الحقوقية في غزة، الرئيس للتوقيع
على المعاهدة، تبعه بيان آخر صدر باسم نقابة المحامين العرب، والمنظمة العربية
لحقوق الإنسان ولجنة حريات المحامين العرب والسفير الفلسطينى لدى الأمم المتحدة
بتاريخ 13/7/2014 ناشدوا فيه الرئيس عباس للتوقيع على اتفاقية روما، وفي 17/7/2014
طالبت الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الانسان الرئيس بالتوقيع على المعاهدة،
وفي نفس التاريخ طالب مؤتمر الإتحاد البرلماني العربي في دورته الحادية والعشرين
الطارئة التي عقدت في القاهرة حول العدوان على الشعب الفلسطيني، "دولة فلسطين
بالتوقيع على اتفاقية روما كمدخل للوصول الى محكمة الجنايات الدولية مما يؤهل
فلسطين لرفع قضايا ضد مرتكبي جرائم الحرب ضد أبناء الشعب الفلسطيني
ومقدساته".
استبشر
الفلسطينيون ومناصريهم خيراً بما جاء على لسان شعث صبيحة يوم الأربعاء 30/7/2014
بأن (القيادة الفلسطينية "قررت" التوجه للجنايات الدولية)، لكن عادت
الأمور الى نقطة الصفر مع خيبة أمل، بعد أن ما جاء من كلام لرياض المالكي وزير
خارجية فلسطين في برنامج على إحدى الفضائيات العربية مساء يوم 30/7/2014 نفى فيه
توقيع محمود عباس على معاهدة روما الدولية للإنضمام لمحكمة الجنايات الدولية.
وما بين "الدرس" و
"التقرير" و"النفي"، وانتظار الانتقال الى مرحلة
"التنفيذ"، يقف الفلسطيني ومناصريه موقف الحائر المصدوم بمواقف القيادة
الفلسطينية المتأرجحة، وبالمقابل، لا تنفك الحناجر تصدح بالمطالبة بالتوقيع على
المعاهدة حتى من داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ففي تاريخ
11/7/2014 قال عضو اللجنة التنفيذية صالح رأفت بأن "القرار الذي اتخذناه في
اللجنة التنفيذية وفي المجلس المركزي لمنظمة التحرير التوجه فوراً للإنضمام الى
بقية المعاهدات والاتفاقات الدولية وفي مقدمتها نظام روما الخاص بمحكمة الجنايات
الدولية"، وأضاف رأفت "من المفترض أن يبدأ الأخ الرئيس التوجه للجهات
المعنية في القيادة الفلسطينية ووزارة الخارجية من أجل البدء بعمليات الإنضمام
للمعاهدات والإتفاقيات، وعلى رأسها نظام روما".
لا
شك أن التوقيع على المعاهدة بحاجة لقرار سياسي، ولكن ماذا بعد ما يجري في غزة من
جرائم إبادة يرتكبها الاحتلال يمكن توظيفها واستثمارها لقرار سياسي نوعي يساهم في
عزل الكيان الصهيوني ويحرج مناصريه، ويحقق أهداف المقاومة التي تم التوافق عليها
بين جميع القوى والفصائل؟!..
*كاتب
وباحث في الشأن الفلسطيني