القيادة الفلسطينية.. جذب الأتباع وتحريك الشعب
بقلم: ناجي الظاظا
لا تزال الحياة البشرية تتطلب القادة، ولا تزال
الأمم تتخير في نفسها من يسوسها ويقوم على شأنها، هذه هي طبيعة الكيانات البشرية، بل
لعل ذلك من نواميس الكون التي جبلت عليها الكائنات الحية، من يعقل منها ومن لا يعقل.
فما من مجموعة من الناس _سواء أصغيرة كانت أم
كبيرة_ إلا وتحتاج إلى قائد وزعيم، وما من شعب من الشعوب _سواء أحرًّا كان أم تحت احتلال_
إلا وأراد له قائدًا؛ فقائد الدولة هو من يقوم على سياسة أمورها كافة: السياسية والاجتماعية
والاقتصادية، كما هو حال قائد الثورة؛ فهو الذي يقرر في أمر المواجهة أو المهادنة،
ومسؤول عن تفاصيل حياة الشعب الذي من أجله يطلب الحرية والخلاص من الطاغية، سواء أغريبًا
كان أم قريبًا.
ولعل الشعب الفلسطيني في هذا الأمر ليس بدعًا
من الشعوب، ولا مختلفًا في حاجته لمن يقوده نحو تحرير الأرض المغتصبة، واستعادة المقدسات،
وإعادة الكرامة لكل من ضحى من أجل ذلك الهدف المنشود، إن الشعب الفلسطيني له خصوصية
لا تكاد توجد في غيره، فهو شعب صاحب حق مشهود له من كل الأمم والشعوب، وهو شعب ظلمه
في الوقت نفسه كثير من الأمم والشعوب بتأخير حصوله على ذلك الحق، الشعب الفلسطيني مشرّد
في منافي الأرض منذ أكثر من 67 عامًا، يبحث عن الأمن والسلامة في دول الجوار العربي
تارة، وفي دول العجم تارة أخرى، يتلمس الحرية ويعمل ليوم العودة المنشود.
"ومن الإنصاف القول: إن القيادة الفلسطينية مرت بمراحل متعددة وتجاذبات
كثيرة، مارست خلالها الإقناع والجذب للأتباع والمناصرين، والعنف الفكري والقهر السياسي
تجاه المخالفين؛ من أجل تحريكهم نحو هدفها” وشعب هذا حاله احتاج إلى تعدد القيادات،
ففي كل تجمع له قائد أو قادة، وفي كل مخيم له قادة، قادة يتوزعون على المرجعيات الفكرية
والأيدلوجية للتنظيمات الفلسطينية، بل أصبحوا يتوزعون على مشروعين لا ثالث لهما مشروع
"المقاومة” ومشروع "المفاوضات”.
وهذا أنتج حالة من الاستقطاب التي تعتمد على رؤى
الأتباع، وقدرة القائد على حشدهم حول فكرته ومشروعه، غير أن من حسن الخلق الجمعي أن
ثمة قيادات قد قضت نحبها وأفضت إلى ما قدمت لا تزال تحتفظ بعرفان واضح، وقبول واضح
لقيادتها للشعب الفلسطيني، مثل ياسر عرفات (أبي عمار)، والشيخ أحمد ياسين، وهما على
طرفي نقيض من حيث المرجعية الأيدلوجية والمشروع؛ فمعلوم أن ياسر عرفات هو صاحب مشروع
التسوية والمفاوضات، والشيخ أحمد ياسين هو صاحب مشروع المقاومة والتحرير.
وذكر القائدين لا يعني بالضرورة تجاهل الآخرين،
فالمرجعية اليسارية الشيوعية والقومية قد أفرزت لها قيادات مثل: جورج حبش ونايف حواتمة
وحيدر عبد الشافي، وكذا المرجعية الثورية الفتحاوية قد أفرزت قيادات أمثال: خليل الوزير
وصلاح خلف، وكذا المرجعية الإسلامية كان لها نصيب وافر من القيادات الممتدة أمثال:
فتحي الشقاقي وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة وإسماعيل أبو شنب، والمقام لا
يتسع لذكر كل القيادات الفلسطينية التي كان لها دور بارز في كل مرحلة من مراحل قيادتها
في الثورة الفلسطينية، سواء أكان إيجابيًّا دوره أم سلبيًّا؛ فالقائد ليس بالضرورة
أن يكون قائدًا يقود إلى النجاح دائمًا، ففرعون قاد قومه نحو الهلاك في بحر الدنيا،
وكذا يقدمهم نحو الهلاك في الآخرة "يقدم قومه يوم القيامة”.
ولعل الحديث عن القيادة الفلسطينية والقائد الفلسطيني
يُلزمنا ببسط تعريف القائد بين يدي القارئ، والتعريفات كثيرة كثيرة، غير أن ممن أجمل
وأجاد في التعريف هو د. طارق السويدان الذي عرف القيادة بأنها "القدرة على تحريك الناس
نحو الهدف”، وجعل أدوات التحريك التي يستخدمها القادة أربعًا، هي: الترغيب والترهيب
والإلقاء والإقناع، والقيادة بحسب هذا التعريف تناسب حالة القيادة الفلسطينية التي
لا يجمعها رأي ولا ينظمها سوى طرف الهدف، وهو التحرير.
فلا شك أن تحرير فلسطين هدفًا جامعًا لا يمكن
أن يكون بير المقاومة التي تحسن إدارة شعبها في الوقت الذي تنتزع من عدوها الحق، كما
فعلت كل شعوب الدنيا؛ وليس ثمة شاهد في الحياة أن شعبًا حصل على حقه المغتصب وأرضه
المسلوبة من "محتل” و"مستوطن” بالرضا والسلم والمفاوضات والمهادنة والتفريط.
والقادة الفلسطينيون _بلا شك_ تمتعوا بملكة القيادة
وجذب الأتباع حول هدفهم، واستطاعوا أن يحركوهم بالرغبة والإقناع، حتى إن الواحد منهم
ليضحي بسنوات عمره معزولًا في زنزانة، أو يفجر نفسه في طائرة يختطفها من الجو، أو يفجر
نفسه استشهاديًّا وسط عدوه، كلهم رغبوا في العمل تحت لواء القائد واقتنعوا بمنهجه وطريقته
في تحقيق الهدف.
وإن فريق (أوسلو) والمفاوضات قد استطاع أن يقود
الشعب الفلسطيني ويحركه نحو هدفه بالترهيب والإلقاء، ففرض قائد التسوية والمفاوضات
الاتفاق على الأرض، ووضع كلًّا تحت الأمر الواقع، فمن رَغِب ورضي فبها ونعمت، ومن رفض
وأبى فكان الترهيب والسجن وفرض الإقامة الجبرية على قائد المشروع المخالف (مشروع المقاومة)،
تلك كانت ملكة القيادة لا ثقافة القيادة، فليس كل من يحسن التنظير يحسن القيادة،
لكن القائد لابد أن يحسن التنظير لفكرته ومنهجه وقراره.
فالقائد الفلسطيني تبرزه المواقف وترفع من شأنه
التضحيات، شأنه شأن سهيل بن عمرو كان قائدًا في الجاهلية وقائدًا في الإسلام؛ ففي
الجاهلية كان مكلفًا من قريش بتمثيلها في مفاوضات صلح الحديبية، أما في الإسلام فقد
برز بناء على الاختيار الطبيعي، عندما خطب في أهل مكة، لما تحدثوا في الردة،
فعظّم الإسلام في صدورهم وثبتهم، وليس كل الناس يصلح للقيادة، فالنبي (صلى الله عليه
وسلم) جعل 1% من الناس من يصلح لقيادة قومه: "إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد
فيها راحلة” (صحيح البخاري).
وفي الشعب الفلسطيني من ظهرت معالم قيادته منذ
شبابه، بل لعل معظم قادة الشعب الفلسطيني قد تشكلت معالم قيادتهم من على مقاعد الدراسة،
وخلال أنشطتهم الجامعية، ولا عجب في ذلك؛ فمن الناس تراه أميرًا قبل أن يسود ويظهر
للناس، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يومًا رأى عمرو بن العاص مقبلًا، فابتسم وقال:
"ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرًا".
وهنا لابد من تقرير أن التقوى وسلامة السريرة
وصفاء القلب ونظافة اليد صفات لا تفي بغرض القيادة؛ فقد منع النبي (صلى الله عليه وسلم)
أبا ذر الغفاري الإمارة، مع أنه مدحه بما لم يمدح أحدًا فقال: "ما أظلّت الخضراء ولا
أقلّت الغَبْراء أصدق لهجة من أبي ذر، ومن سره أن ينظر إلى مثل عيسى في الزهد فلينظر
لأبي ذر”.
ومن الإنصاف القول: إن القيادة الفلسطينية مرت
بمراحل متعددة وتجاذبات كثيرة، مارست خلالها الإقناع والجذب للأتباع والمناصرين، والعنف
الفكري والقهر السياسي تجاه المخالفين؛ من أجل تحريكهم نحو هدفها.
المصدر: فلسطين أون لاين