اللاجئون الفلسطينيون أول الخاسرين وآخر الرابحين في المعارك الداخلية
بقلم: محمود الحنفي *
قاعدة ذهبية تعلمها الفلسطينيون من جيبهم الخاص، ودفعوا في سبيل الوصول إليها أثماناً باهظة. فما هي قصة هذه القاعدة، وهل يستطيعون اعتمادها في كل زمان ومكان. ولماذا نذكر بهذه القاعدة الآن؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة علينا أن نستعرض سياق تاريخي سريع.
أولا: في عام 1970 تدخلت منظمة التحرير الفلسطينية في الشؤون الداخلية للمملكة الأردنية في أمور ليست من صميم عملها. ثم كانت الأحداث الكبرى في أيلول الأسود، حرب ضروس بين الجيش الأردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية، كانت نتيجتها جلاء هذه القوات إلى لبنان. وكان من نتيجتها أيضا إغلاق أطول جبهة مع فلسطين المحتلة (الجبهة الأردنية – الفلسطينية) وكان من نتيجتها أيضا مشاكل قانونية لفئة فاقدي الهوية في لبنان. وقد عجزت منظمة التحرير الفلسطينية لغاية هذه اللحظة عن معالجة معاناة إنسانية لفئة تقدر بحوالي 5000 فلسطيني يدفعون ثمن تدخل قيادتهم في الشؤون الداخلية للأردن.
ثانياً: عندما احتل العراق دولة الكويت عام 1990، وقف الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى جانب الرئيس العراقي صدام حسين في غزوه، ولسان حال موقفه في ذلك الوقت يعتبر أن هذا الاحتلال هو إجراء ضروري وأن العراق دولة عربية قومية وقوية وأن الكويت قد تمادت في علاقتها مع الولايات المتحدة على حساب قضايا العرب عامة والقضية الفلسطينية خصوصاً. تدخل الغرب لإجلاء القوات العراقية بالقوة، ثم تحررت الكويت. دفع اللاجئون الفلسطينيون ثمناً باهظاً نتيجة موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات. أكثر من 400 ألف فلسطيني هجروا من الكويت، ضاعت ممتلكاتهم وأموالهم. تعرض الفلسطينيون إلى محاكم عرفية وعمليات ثأر واسعة من قبل كثير من المواطنين الكويتيين، وتكررت معهم النكبة الألمية ولكن باختلاف الزمان والمكان. لم يكن تدخل الرئيس الراحل في الشؤون الداخلية للكويت ومساندته العراق في الاحتلال موقفاً حكيماً ولا يعبر عن حنكة سياسية، بل كان ارتجال سياسي وعفوية لا تصلح في عالم السياسة.
ثالثا: في عام 1975 الفلسطينيون في لبنان يدفعون ثمناً باهظا نتيجة تدخل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها لصالح طرف لبناني ضد الآخر. لقد توسع "انفلاش" منظمة التحرير الفلسطينية على حساب الدولة اللبنانية بشكل غير منطقي. وبغض النظر عن الظروف آنذاك، فإن هذا التدخل أنتج معاناة إنسانية يدفع اللاجئون الفلسطينيون لغاية إعداد هذا التقرير ثمنه الإنساني البالغ. حصلت عدة مجازر إجرامية في تل الزعتر عام 1976، ثم صبرا وشاتيلا عام 1982، وحرب المخيمات الفلسطينية بين عامي 1985 وعام 1988. مخيمات حوصرت، وأخرى مسحت عن الوجود. كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والآخرى المنشقة عنها مستعدة بسهولة أن تدخل لصالح هذا الطرف ضد الآخر، ومع توفر أرضية يمينية حاقدة ضد كل ما هو أجنبي وبشكل خاص ضد الوجود الفلسطيني القسري في لبنان، فإن الفلسطينيون سوف يدفعون الثمن بدون تأكيد. وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها، وتصالحت الأحزاب اللبنانية في اتفاق الطائف، وبدأوا ببناء الدولة اللبنانية من جديد. خسر الفلسطينيون نتيجة حرب أهلية طويلة عشرات آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين، والكثير من الدمار والخراب. ثم بدأوا بمعركة أخرى ضد الفلسطينيين، إنها حرب حرمانهم من الحقوق، ثم حوصرت المخيمات،، وعملياً لم يكسب اللاجئون الفلسطينيون نتيجة الحرب الأهلية شيئاً، لا على المستوى السياسي ولا البنى التحتية ولا حتى الثقافية...
رابعاً: في 20/5/2007 بدأت معركة نهر البارد. مجموعة من أفراد تنظيم فتح الإسلام تغلغلت في وسط هذا المخيم الوادع الهادئ، ثم اتخذت منه أرضية لأعمال ثأرية ضد الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. ردت الدولة اللبنانية من خلال الجيش اللبناني على هذا التنظيم بكل قسوة. هذه القسوة طالت سكان المخيم ومنازله وتاريخه وحاضره ومستقبله. انتهت المعارك في 3 أيلول، مخلفة وراءها نتائج إنسانية باهظة وجروحاً بالغة لم يهدأ وجعها حتى هذه اللحظة. اعتبرت الدولة اللبنانية أن خطراً داهماً موجود في ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية يهدد الأمن والاستقرار، ويجب استئصاله بأي ثمن كان، وهذا ما كان.. ونحن نسأل بدورنا أين القوى والفصائل الفلسطينية من أمن مخيماتها، وكيف تسمح أن يكون مخيماً من مخيماتها مسرحاً لحسابات دولية أو إقليمية أو حتى لبنانية محلية؟ لماذا لم تحصن القوى والفصائل نفسها جيداً ضد أي ظاهرة غريبة؟ ماذا جنى مخيم نهر البارد من هذه المعركة؟
في أحداث أيار 2008 حصل توتر سياسي وأمني حاد بين مختلف القوى السياسية واللبنانية. لقد حيّد الفلسطينيون أنفسهم وحصنوا مواقفهم، ومنعوا أي محاولة لاستمالة الفلسطينيين في لبنان إلى هذا الطرف أو ذاك. لقد كان موقفاً حكيماً وواعياً ومسؤولاً. يُرجى أن يتكرر بشكل دائم.
هذه تجارب مهمة يجب استحضارها عند أي تأزم سياسي لبناني أو حتى عربي، يجب على القيادة الفلسطينية أن تتعاطى مع الأمور بكل حكمة ومسؤولية وبكل حزم وجدية. يجب أن تبقى تلك التجارب ماثلة أمامهم. على الفلسطينيين أن يتذكروا التاريخ ويستحضروا أحداثه. إن التوترات السياسية اللبنانية والإقليمية يجب تذكّرنا دائماً بالماضي.
خارطة طريق للسياسة الفلسطينية..
• الفلسطينيون في لبنان لا يتدخلون في الشؤون الداخلية اللبنانية، ولا يقفون مع هذا الطرف ضد ذاك، مهما كانت الظروف.
• يجب أن تكون القضية الفلسطينية قضية جامعة موحدة.. والهدف الأبعد والأكبر والأوحد هو التحرير والعودة.
• الفلسطينيون في لبنان سوف يناضلون سلمياً بكل عناد وجدية لاسترداد حقوق الإنسان التي سلبتهم منها الدولة اللبنانية.
• حق الدفاع عن النفس بكل الوسائل الممكنة ضد أي اعتداء مسلح أمر تقره الشرائع السماوية والأرضية، ضمن ضوابط وحدود. والفلسطينيون في لبنان لن يسمحوا بتكرار مجزرة تل الزعتر أو صبرا وشاتيلا.
• لا يمكن للفلسطينيين أن يقفوا على الحياد إذا احتلت اسرائيل لبنان واعتدت على المواطنين اللبنانيين، فهم في هذه الحالة سوف يقفون إلى جانب إخوانهم اللبنانيين، وسوف يثبتون شجاعة ورجولة عالية.
إذن، ممنوع على الفلسطينيين التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ويجب أن يتذكروا دائماً تلك القاعدة التي صيغت بحبر من دم وألم وبلغة المصالح المتعارف عليها،، سوف تكونون أول الخاسرين وآخر الرابحين.
* مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)