اللاجئون الفلسطينيون النازحون من سوريا إلى لبنان
معاناة مضاعفة وعودة ثابتة
بقلم: علي هويدي
كان من المفترض أن تكون وجهتهم النهائية إلى قراهم
ومدنهم التي طردوا منها على أيدي العصابات الصهيونية إبان نكبة فلسطين في عام 48، إلى
عكا وحيفا ولوبية والدامون وسعسع وطبريا والجاعونة وغيرها، فقد بدأت أعداد اللاجئين
تتصاعد لتصل، حسب وكالة "الأونروا"، في الأول من كانون الثاني 2012 إلى
510,444 لاجئاً فلسطينياً مسجلاً بعد أن وصل في عام 1948 إلى 85,000 لاجئ مسجل يعيشون
في تسعة مخيمات رسمية وثلاثة غير رسمية. فطوال ستة عقود ونيف من اللجوء، عاش اللاجئون
الفلسطينيون في سوريا أوضاعاً قانونية وإنسانية متميزة، مقارنة بأحوال اللاجئين الفلسطينيين
في الدول المضيفة الأخرى، ولا سيما لبنان، مع حالة أمان واستقرار سكاني، بخلاف مناطق
عمليات الأونروا الأربعة (الضفة وغزة ولبنان والأردن) التي شهدت حالات نزوح وتهجير
متكرر.قوننة الحفاظ على حق العودة
حافظ اللاجئ الفلسطيني في سوريا على هويته الوطنية
مدعوماً بالمؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب التي تأسست وفقاً للقانون رقم
450 بتاريخ 1949/1/25 بهدف تنظيم شؤونهم ومعونتهم وتوفير مختلف حاجاتهم. وكان للقانون
رقم 360 الذي صدر في 1956/7/10 الأثر الفاعل على الحياة اليومية للاجئين، فقد تضمن
القانون نصاً واضحاً يعامل من خلاله اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في سوريا كالسوريين
أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة
وخدمة التعليم مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.
حدود وهمية
مع مرور الوقت ذابت الحدود الجغرافية بين المخيمات
وبقية المدن والمناطق السورية، وتحولت ألى حدود وهمية، لتشكل حالة من الاندماج بين
المجتمعين من دون الانصهار. فقد بقي اللاجئ الفلسطيني محافظاً على كينونته السياسية،
متمسكاً بحالة اللجوء وبحقه في العودة. وعلى هذا النحو برزت العلاقات الاجتماعية وعلاقات
التصاهر والتبادل التجاري، فضلاً عن الاحتضان الرسمي للقضية الفلسطينية وتحوله إلى
واحد من الأولويات المهمة على جدول المتابعات الرسمية، ولعل أبرزها دعم المقاومة الفلسطينية
ضد الاحتلال الصهيوني وبكافة أشكالها، فضلاً عن العلاقة بين الدولة المضيفة ووكالة
الأونروا التي لها ما يميزها من ضوابط ومحددات تأخذ في الاعتبار احتياجات اللاجئين
وتنظيم العلاقة مع الدولة المضيفة.
لجوء ونزوح
في سياق الأزمة التي تمر فيها سوريا، تعرضت المخيمات
لقصف مدمر، وارتُكبت فيها المجازر، وسقط شهداء وجرحى ومعوقون ورُمِّلت نساء. ولعل أبرزها
مجزرة مخيم اليرموك، أكبر المخيمات الفلسطينية، وقد ذهب ضحيتها 21 شهيداً وعدد كبير
من الجرحى، فضلاً عن ارتكاب مجزرة أخرى ذهب ضحيتها 16 عسكرياً من جيش التحرير الوطني
الفلسطيني وغيره من المخيمات في حمص واللاذقية ودرعا. ضاقت الحال بكثير من العائلات
بعد الانقطاع عن العمل لأكثر من سنة، وبسبب الخوف والأوضاع الأمنية غير المستقرة، لتجد
نفسها تعيش حالة نزوح داخلي وخارجي. فبعض العائلات وجدت ملاذاً آمناً في مخيمات أخرى،
كمخيم خان الشيح الذي اكتظّ بالنازحين من اللاجئين الفلسطينيين ومن النازحين السوريين،
وتجربة مخيم اليرموك في احتضان النازحين من اللاجئين الفلسطينيين وإخوتهم السوريين
النازحين شكلت علامة فارقة لردّ جميل احتضان للشعب السوري دام أكثر من ستة عقود من
اللجوء. لكن مجزرة مخيم اليرموك قلبت الموازين راساً على عقب، وبالتالي لم تعد منطقة
آمنة للنازحين، سواء في المخيمات التي اختارت أن تبقى على الحياد وأن تؤدي الدور الإنساني
في توفير الملاذ الآمن للنازحين وتفعيل العمل الإغاثي، أو خارج المخيمات من المدن والمناطق
الأخرى؛ فلم يعد ثمة أي خيار آخر لدى العائلات إلا النزوح إلى الدول المجاورة، نزوح
فيه من الثمن الغالي على مستوى كرامة الإنسان ومعاناته؛ فهذا محصور في مجمع سكني في
مدينة الرمثة على الحدود الأردنية السورية غير مسموح له أن يغادر المجمع، حتى لو تجاوز
الاختبار الأمني وحصل على كفيل، في تصرف انتقدته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية ومنظمة
العفو الدولية.
أما النزوح إلى لبنان، فتلك قصة معقدة مركبة؛ ففي
الحالات الطبيعية، ينبغي لمن يريد مغادرة سوريا من اللاجئين الفلسطينين أن يحصل على
موافقة من دائرة الهجرة والجوازات التي تسمح له بالإقامة لمدة أسبوع، والفترة هذه تُجدَّد
في لبنان حتى مرور شهر. أما من تجاوز فترة الشهر في البقاء، فيُعَدّ مخالفاً، وعليه
أن يدفع غرامة عند المغادرة تبلغ 33 دولاراً عن كل فرد للجانب اللبناني. المشكلة الأكبر-
كما تنقل لنا إحدى العائلات التي نزحت إلى مخيم عين الحلوة للاجئين في لبنان - في عملية
الوصول إلى دائرة الهجرة والجوازات في سوريا للحصول على الإذن في المغادرة؛ إذ إن الطرقات
غير آمنة، وفيها قناصون، بهذه الحالة يتوجه جزء من العائلات تحت القصف إلى الحدود مع
لبنان من دون الحصول على إذن مسبق من دائرة الهجرة والجوازات، على أمل أن تلقى تلك
العائلات تفهم الحدود السورية أو اللبنانية ويكون التعامل مع هذه الحالات بنحو نسبي
معقداً؛ فبعض العائلات سمح لها بالدخول من الحدود السورية إلى لبنان، لكنها بقيت عالقة
في المنطقة الفاصلة بين البلدين بانتظار موافقة الأمن العام، والجزء الآخر من اللاجئين
يضطر إلى البحث عن طرق أخرى للمغادرة تكون غير قانونية، ليواجه مشكلة أخرى لها علاقة
بالبلد المستضيف. ولا يقف الأمر عند هذا الحد من المعاناة، بل يتعداه أيضاً ليواجه
مشكلة الدخول إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ فاللاجئ الفلسطيني المقيم
في سوريا يُعَدّ أجنبياً بالنسبة إلى نقطة تفتيش الجيش اللبناني على مداخل المخيمات،
وممنوع عليه الدخول إلا بعد الحصول على إذن مسبق من ثُكَن الجيش، وخاصة مخيمات الجنوب
الخمسة (الرشيدية، البص، البرج الشمالي، عين الحلوة والمية ومية)، لتتجدد المعاناة
وتتكرر.
النفير في المخيمات
دقّت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان النفير،
استعداداً لاستقبال العائلات من اللاجئين الفلسطينيين النازحين، وفتحت ابواب منازلها،
وكذلك الفصائل الفلسطينية والمؤسسات الأهلية المتخصصة. تبعثرت العائلات النازحة وانتشرت
في جميع الأراضي اللبنانية من مخيمات ومدن ومناطق ليستقر تعداد اللاجئين النازحين إلى
نحو ألف عائلة في تعداد غير رسمي، لتواجه العائلات فوضى التعاطي مع النازحين، وبشكل
رئيسي من قبل الدولة اللبنانية ووكالة الأونروا.
فحتى إعداد هذه المقالة لم تاخذ الدولة اللبنانية في الاعتبار الظروف الموضوعية للاجئين
الفلسطينيين النازحين من قوننة وجودهم الطارئ وتمديد فترة الإقامة حتى زوال سبب النزوح،
رغم مناشدات عديدة رفعتها الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني على المستوى المحلي
أو الدولي، طالبة إياها تمديد فترة الإقامة ومن دون غرامة لفترة ثلاثة أشهر، على أن
تُجدَّد عند الضرورة. أما وكالة "الأونروا"، فالتاريخ سيسجل صفحة قاتمة من
صفحات تعاطيها مع اللاجئين الفلسطينيين، باقتصار تقديم خدماتها على الإحصاء وتوفير
الطبابة الأولية مجاناً والتعليم في حال استمرار الأزمة، مع العلم بأن الوكالة ملتزمة
تقديم خدمات الإغاثة للاجئين الفلسطينيين منذ تأسيسها عام 1949، مع إيلاء أهمية استثنائية
في حالات الطوارئ والكوارث. والمثير للتساؤل أن الأونروا نفسها لم تصدر أي بيان أو
تقدم تفسيراً أو توضيحاً عن سبب التأخر في تقديم الخدمات، رغم المناشدات التي أطلقها النازحون والقوى السياسية
ومؤسسات المجتمع المدني ولجان شعبية وأهلية. وفي الوقت الذي بادرت فيه المفوضية العليا
لشؤون اللاجئين إلى توفير الحماية واحتضان النازحين من السوريين وتقديم المساعدات العاجلة،
لا يزال وضع "الأونروا" على ما هو عليه حتى كتابة المقال، الأمر الذي أدى
إلى حالة استياء وانتقاد قاسٍ للوكالة على لسان مختلف المشارب السياسية والعمل الأهلي
والشعبي في لبنان، فضلاً عن النازحين أنفسهم، مطالبين الوكالة بتقديم كل ما يلزم للنازحين
من المساعدة الطارئة من الخدمات التي تشمل الأغطية والغذاء والملابس ومواد التنظيف
وأدوات الطبخ، إلى جانب المساعدات المالية الطارئة ودفع بدل إيجار للعائلات التي اضطرت
لاستئجار المنازل، فضلاً عن مساعدة العائلات التي تستضيف عائلات أخرى نازحة، بالإضافة
إلى ضرورة تقديم برامج الدعم النفسي والاجتماعي للعائلات المهجرة وخاصة الأطفال، وإيلاء
الحوامل وحديثي الولادة وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة أهمية استثنائية، إضافة
إلى ضرورة إعداد كشف طبي خاص لجميع العائلات والاستعداد لفتح أبواب المدارس لأطفال
النازحين في حال استمرار الأزمة.
مستقبل غامض
مر عيد الفطر على العائلات النازحة بمرارة فقدان
الأهل والأحبة والغربة عن المخيم الذي ترعرعت فيه العائلات أباً عن جد، تاركة ممتلكاتها
وما جمعته خلال سنوات اللجوء لتعيش حالة نزوح مقيت. ومع عدم وضوح الرؤية لما يمكن أن
تؤول إليه الأمور في المستقبل في سوريا وانعكاس أي نتيجة على واقع اللاجئين الفلسطينيين،
فمن يدري؟ ربما هو النزوح الأخير قبل العودة إلى الديار في فلسطين، هذا ما يقوله اللاجئون
الفلسطينيون في شتى أنحاء المعمورة.
المصدر: مجلة العودة العدد الـ60