القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

اللاجئون الفلسطينيون في العراق.. حطب قديم لأزمة جديدة

اللاجئون الفلسطينيون في العراق.. حطب قديم لأزمة جديدة

بقلم: طارق حمّود

لمحة تاريخية وقانونية

قلما تذكر وسيلةٌ إعلاميةٌ خبراً عن الفلسطينيين في العراق، بل وقلما تجد دراسةً تتحدث عنهم، ونادراً ما يتعرض السياسي الفلسطيني ووسائل إعلامه لمجاميع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وطوال السنوات الستين الماضية كانت طاحونة الزمن تأكل من تاريخهم ونضالهم الكثير، إلى أن جاء القدر بمحنةٍ جديدةٍ وأزمةٍ اعتاد الفلسطينيون أن لا يظهروا للإعلام ولا يراهم أحد إلا من خلالها.

جاء اللاجئون الفلسطينيون إلى العراق عام 1948م حملتهم عربات الجيش العراقي الذي شارك في جيش الإنقاذ حينذاك، لم تكن أعدادهم قد تجاوزت الخمسة آلاف على أكثر التقديرات، سكنوا في معسكرات ومقرات حكومية تحت إشراف وزارة الدفاع العراقية التي كانت توزع عليهم الطعام والمخصصات اليومية كأي قطعةٍ من قطع الجيش، وبقي هذا الحال حتى عام 1950م حيث انتقلت ولايتهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي أنشأت مديريةً خاصةً بهم تحت اسم مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين في العراق والتي قامت بدورها بإعادة توزيع سكن اللاجئين الفلسطينيين وفق نظام السكن الجماعي الذي افتقر لأدنى متطلبات الحياة الصحية، هذه المساكن التي زارها وزير الشؤون الاجتماعية والعمل العراقي أحمد الحبوبي بعد حرب حزيران عام 1967م ليُفاجأ بحجم المأساة التي يعيشها ساكنوها من اللاجئين الفلسطينيين فدفعته لإصدار مذكرةٍ إلى مجلس الوزراء العراقي يصف فيها مساكن اللاجئين بالقبور التي يسكنها أحياء، ويصف فيها وضع المساكن الصحي والاجتماعي البائس مستشهداً بقوله "ليس السامع كمن رأى" ويختم الحبوبي رسالته بسؤالٍ استنكاريٍ: أهكذا يعيش العائدون؟

كانت رسالة الحبوبي أول تحركٍ رسميٍ بل وغير رسمي يسلط الضوء على مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين غادرتهم وكالة الأنروا مبكراً أواخر العام 1950 وأخرجت العراق من مناطق عملياتها بموجب اتفاقيةٍ بين الحكومة العراقية والأنروا يتحمل بموجبها العراق رعاية شؤون الفلسطينيين اللاجئين لديه من مختلف الجوانب مقابل إعفاء العراق من أية التزامات مالية تجاه الأمم المتحدة، وفعلاً خصصت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل العراقية مبالغ سنوية لرعاية اللاجئين الفلسطينيين بدأت بـ "160 ألف دينار" ولم تزدد طوال الأعوام 1955م وعام 1973م إلا بمقدار "50 ألفاً" فيما كانت أعدادا اللاجئين تزداد بنسب عالية وصلت إلى أربعة أضعاف، فضلاً عن اختلاف قيمة الصرف خلال هذه المدة، وبالعودة إلى رسالة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل العراقي أحمد الحبوبي فقد اتخذت الحكومة العراقية آنذاك قراراً يقضي بتخصيص أراضٍ للفلسطينيين اللاجئين مع سلفٍ مالية للبناء إضافة إلى مساعدات نقدية، إلا أن القرار لم يرَ النور فقد كان انقلاب حزب البعث في تموز / يوليو عام 1968 أسرع من التعليمات التنفيذية للقرار، ليحل مجلس قيادة الثورة مكان الحكومة السابقة حيث عالج قضايا اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات أصدرها عام 1969 قضت بإنشاء مجمعات سكنية شعبية ينتفع بها اللاجئون الفلسطينيون دون تملكها، ومن دون أن يكون هناك حق للاجئ الفلسطيني بتملك الأراضي والعقارات.

بعد سقوط بغداد وأشياء أخرى..

بقي واقع الفلسطيني في العراق موضع تجاذب ويخضع للاعتبارات السياسية أكثر من خضوعه لتشريعات قانونية واضحة تنظم علاقته بالدولة المضيفة حتى عام 2001م حيث صدر القرار 202 عن مجلس قيادة الثورة والذي نص على معاملة الفلسطيني المقيم إقامة دائمة في العراق معاملة العراقي في جميع الحقوق والواجبات باستثناء الحق في الحصول على الجنسية العراقية، إلا أن القرار الذي انتظره الفلسطينيون اللاجئون في العراق أكثر من خمسين عاماً لم يقع موقع التنفيذ بسبب تأخر التعليمات التنفيذية له إلى أن سقط النظام العراقي عام 2003م بعد الحرب الأمريكية - البريطانية على العراق، وهنا دخل اللاجئ الفلسطيني أخطر مراحل حياته في العراق، وهي المرحلة التي امتزجت بالدماء والتهجير الممنهج والمدروس، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم يعيش الفلسطيني في العراق مراحل متعددة من الشد والجذب مع واقع العراق المجمل، حيث استهدفته مليشيات طائفية عاثت فساداً في مناطق سكناه وهجّرت الآلاف إلى مخيمات صحراوية منها ما تفكك باتجاه بقاع مختلفة في العالم من البرازيل وتشيلي إلى أستراليا ونيوزيلندة إلى أوروربا فالهند وسيرلانكا هرباً من الموت الذي مورس ضدهم بأبشع صوره تمثيلاً وتنكيلاً، ولا يزال حتى كتابة هذه السطور المئات من اللاجئين الفلسطينيين على الحدود العراقية السورية في مخيم الوليد منذ سنوات في أدنى مستوى حياةٍ يمكن أن يقبل به آدمي على وجه الأرض في القرن الحادي والعشرين، واليوم مع بقاء بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في العراق وخصوصاً بغداد في مجمع البلديات الذي يقع في منطقة ذات لون طائفي واحد، وبعد أن أخذت المليشيات العراقية شكلاً قانونياً بتحولها إلى أجهزة أمنية تتبع وزارة الداخلية، باتت الهجمة على الفلسطينيين حملة مقننة باسم مكافحة الإرهاب، وتم استهداف رموز المجمع من الفلسطينيين لدفع السكان إلى الهجرة خارج المنطقة للوصول إلى مشروع النقاء الطائفي في منطقة الرصافة شرق القناة من العاصمة العراقية بغداد، ولم تفلح محاولات عديدة من التفاوض مع المرجعيات الدينية والأجهزة الحكومية التي اتضح في نهاية المطاف أن المشروع لا يخرج عن كونه مشروعاً برعاية حكومية وطائفية لم تراعِ حرمةً لا للقضية الفلسطينية كقضية إسلامية وعربية، ولا لتاريخٍ من التعايش المشترك بين الفلسطينيين والعراقيين، ولا لحرمة رموزٍ وشيوخٍ لم يكن آخرهم عميد الجالية الفلسطينية في العراق الشيخ السبعيني توفيق عبد الخالق (أبو العبد) الذي اختطف وعُذب ونُكل به من قبل مختطفيه بأبشع الأنواع ليس أقلها المثقب الكهربائي (دريل) الذي بانت آثاره على جثته التي وجدت بعد أيام من اختطافه من قبل المليشيات الطائفية عام 2008م.

مسؤولية من؟

اليوم يدرك الفلسطينيون أن لا مكان لهم شرقي بغداد، فهي منطقة اتضح أن مختطفي العراق قد قرروا أنها لا تتسع إلا للون واحد، وندرك كفلسطينيين أن قدرنا في ظل حالةٍ فلسطينيةٍ مترديةٍ لن يكون أكثر من حطب لأزمات العرب، هكذا كنا في أيلول الأسود عام 1970 – 1971م، وهكذا قُدر لنا في حرب لبنان الأهلية، وهكذا كنا في حرب الخليج 1991م، وفي نهر البارد في لبنان، واليوم في العراق، ولن نجلد الآخرين كثيراً لأن الجلود قد تبلدت، ولكن من الجرأة أن نقف أمام واقعنا السياسي الذي سارت به قيادة فلسطينية من أزمة إلى أخرى، ولم تكن لدى القيادة الفلسطينية في يوم من الأيام مشروعاً لتجنيب الفلسطينيين نيران الأزمات العربية والإقليمية، بل كانت القيادة الفلسطينية نفسها إحدى تلك الأزمات المزمنة في تاريخ معاناة الشعب الفلسطيني، وقد تكون هناك أزمات كثيرة مرّت وانتهت وإن كنا لا نزال نعيش أثارها ونتائجها، لكننا لا نزال نعيش أزمة الفلسطينيين في العراق وهي تتفاقم أمام أعيننا دون أن يكون هناك مؤشر ولو صغير على اهتمام فلسطينيٍ أو عربيٍ باتجاه حلحلة هذه الأزمة بأي شكل يحفظ لمن تبقى من (العائدين) كما أسماهم الحبوبي عليه رحمة الله مجرد حياة لكي يعود! وفي هذا الصدد نقول إن من تبقى في مجمع البلديات لا يتجاوزن الثلاثة آلاف نسمة تستطيع أية جمعية خيرية فضلاً عن دولة عربية أو إسلامية أو منظمة دولية إيجاد الحل المناسب لهم بما لا ينتقص من حقوقهم التاريخية والسياسية والاجتماعية، لا أظن أن لدينا مشكلة بمغادرة شرق بغداد، فهي ليست القدس ولا إجزم أو جبع أو عين غزال التي ينحدر منها اللاجئون الفلسطينيون في العراق، ومطلوب من كل من له علاقة بالملف الفلسطيني أن يتحرك باتجاه تخفيف المعاناة الحاصلة اليوم، بدءاً بمن يتحمل المسؤولية المباشرة عن الواقع الفلسطيني في العراق ممثلاً بالحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي وليس انتهاءً بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تدّعي تمثيل الفلسطينيين في كل مكان على اعتبار أن الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهددين بالطرد من اللاجئين الفلسطينيين في العراق هم أعضاء طبيعيين بالمنظمة، كما يجب على وكالة الإغاثة الدولية الأنروا ومن خلفها الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها في ظل النقض الواضح والصارخ للاتفاقية التي أبرمتها الأنروا مع الحكومة العراقية بداية الخمسينيات من القرن المنصرم وخرج العراق بموجبها من مناطق العمليات، وعلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن تتجاوز مسألة المهمة التقنية بعمل سجلات وملفات معلوماتية عن اللاجئين الفلسطينيين في العراق كون اللاجئين في العراق تحت ولايتها بخروجهم من ولاية الأنروا حسب المادة 1 الفقرة D من اتفاقية جنيف عام 1951م، بل لن تعفى الجامعة العربية وكل من يدعي رعايته للفلسطينيين.

بقي أن نقول: خسرنا من الفلسطينيين في العراق الذين يشكلون أقل من 1% من مجموع السكان المئات قتلى وجرحى ومعتقلين ليس أمام العدو الإسرائيلي وإنما أمام أناس يتكلمون بلغتنا ويوحدون بديانتنا، وخسرنا الآلاف مشردين مهجرين في أكثر من 45 دولة ليس بينها واحدة عربية، فإلى أين يتجه المسار؟ وماهي مآلات من بقي ينتظر مصيره؟ نحن أمام مشكلة إنسانية في بعدها الطارئ تحتاج لحلول إنسانية سريعة، أما إشكالنا السياسي والاجتماعي في مجتمعاتنا العربية فهو تاريخي ومزمن ومستعصي.

المصدر: موقع واجب