اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والحكومة الجديدة بداية إيجابية ووعود بتحسين العلاقات
رأفت مرّة
حصلت الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي على ثقة المجلس النيابي، وباشرت عملها بعد أيام قليلة من حصولها على هذه الثقة.
تضم الحكومة اللبنانية الأحزاب والقوى التي كانت معارضة في السابق، وانضم إليها لاحقاً الحزب التقدمي الإشتراكي برئاسة النائب وليد جنبلاط، ومن المشاركين في الحكومة الجديدة حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي والتيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون.
ويؤدي وجود الرئيس ميقاتي في الحكومة دوراً مهماً لجهة سياسته القائمة على التفاهم وتحييد العقبات. وفور تولي ميقاتي الرئاسة، طرح شعار"كلنا للوطن.. كلنا للعمل"، وهو يميل باتجاه التوافق بين الأطراف ويبتعد عن الخلافات ويتجنب السجالات السياسية، وينتهج النهج الوسطي. وشدد في تصريحات كثيرة له على أنه سيقوم بإنجازات في شؤون سياسية واقتصادية واجتماعية، وسيتجنب الاصطدام بأي أحد، وإن شدد في المقابل على التزامات لبنان الدولية المعروفة وعلاقاته العربية.
البيان الوزاري
في البيان الوزاري الذي أعلنته الحكومة، وهو ما يُعَدّ برنامجها العام الذي ستسعى إلى تنفيذه، وردت فقرة تتحدث عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وجاء في البندين 12 و13 من البيان الوزاري ما يأتي:
12- إن الحكومة إذ تجدد المطالبة بتطبيق القرارات الدولية التي تحفظ للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره والعودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، تؤكد دعمها حق العودة ورفضها للتوطين بكل أشكاله. كما تؤكد تمسك لبنان بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في عام 2002، بما يحفظ الحقوق العربية وحقوق الشعب الفلسطيني. وإلى أن تتحقق العودة الكاملة، فإن الحكومة ستعمل على توفيرالحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتطبيق القوانين التي أقرّها مجلسكم الكريم، والاهتمام بالمخيمات، ولا سيما مخيم نهر البارد لاستكمال إعادة بنائه بعد توفير المال اللازم لذلك من المساهمات العربية والدولية.وستطلب الحكومة تعزيز موازنة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا" لتمكين الوكالة من أداء دورها الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني كما كان في السابق.
13- والحكومة ترى أهمية الإبقاء على الحوار الوطني كحاجة لحل النزاعات السياسية وتنمية ثقافة الحوار لدى اللبنانيين، وهي معنية أيضاً بتنفيذ مقررات الحوار الوطني الخاصة بإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجة الأمن والسلاح داخلها، مع التشديد على أن هذه المخيمات وأمن الفلسطينيين الساكنين فيها، هي مسؤولية الدولة وحدها".
ويُعَدّ ما جاء في البيان الوزاري مكملاً لما جاء في البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية السابقة التي شدّدت على قضايا مبدئية، مثل التمسك بحق العودة ورفض التوطين ومنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم الإنسانية.
غير أن هناك ثُغَراً في نص البيان الوزاري المتعلق بالفلسطينيين؛ فهو لا يتحدث عن كيفية منح اللاجئين حقوقهم الإنسانية، ولا عن المدة التي سيحصل فيها ذلك، ولا يتحدث عن المدة التي ستجري فيها إعادة إعمار مخيم نهر البارد أو الدور الذي ستبذله الحكومة اللبنانية لتوفير المال اللازم لإعادة الإعمار.
هذه الملاحظات وملاحظات أخرى سجلت قوى سياسية فلسطينية ترحيبها بالبيان الوزاري، لكنها وجدت فيه نقصاً وعدّته غير كافٍ، وخاصة لجهة خلوه من تحديد آليات الحوار مع الفلسطينيين ومن يقوم بها، وعدم تطرقه إلى استمرار النظرة الأمنية في التعامل مع الفلسطينيين، وتجنبه الخوض في قضايا أساسية يجدها الفلسطينيون عالقة وتمثل حاجة ماسة لهم مثل منحهم الحق في التملك والحق في العمل في كافة المهن والاختصاصات.
مذكرة فلسطينية
طوال شهر، حاولت القوى الفلسطينية في لبنان حجز موعد لمقابلة رئيس الحكومة وتهنئته بالموقع الجديد، وتسليمه مذكرة تظهر المطالب الأساسية للاجئين الفلسطينيين، وهذا الأمر لم يحصل إلا في أواسط شهرآب/ أغسطس، حيث قابل وفد فلسطيني مشترك يمثل منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية في لبنان رئيس الحكومة وسلموه مذكرة مشتركة تلخص المطالب الفلسطينية، وأهم ما جاء فيها:
حق العمل وحق التملك
لقد أبقى القانون الجديد الحالة التمييزية تجاه العامل الفلسطيني من خلال إجازة العمل؛ فهي ــ فضلاً عن شروطها القانونية المعقدة جداً ــ لم تقدم أية مكتسبات جديدة للعمال، فضلاً عن أن القانون الجديد يشجع أرباب العمل على التهرب من التصريح عن العمال الفلسطينيين، ما يمكنهم من التنصل من أية مسؤوليات مادية تجاههم.لذلك، نتطلع إلى دعم صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في لبنان وتخفيف معاناتهم عبر إقرار الحقوق الإنسانية والاجتماعية، وخصوصاً حق العمل في المجالات كافة باستثناء القطاع العام، والاستفادة من جميع المكتسبات التي يحصل عليها العامل اللبناني، أي تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي في المجالين الصحي والاجتماعي، مع العلم بأن العامل الفلسطيني غير مستثنى من إلزامية تسديد اشتراكاته السنوية لإدارة الصندوق. ونهيب بالحكومة اللبنانية الجديدة أن تولي حق التملك وحق التوريث حسب المحاكم الشرعية اللبنانية اهتماماً خاصاً واستثنائياً.
إلغاء مبدأ المعاملة بالمثل
إن الإفراج عن الحقوق الإنسانية والاجتماعية والمدنية يمكن في استثناء الفلسطينيين من مبدأ المعاملة بالمثل لانتفاء موجباته الموضوعية بسبب عدم وجود دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.بناءً على ذلك، ومن منطلق الأخوّة القومية، ندعو إلى إعفاء الفلسطينيين من تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل عليهم، وذلك بالنسبة إلى سائر القوانين ذات الصلة بهذا المبدأ.
حماية الوجود الفلسطيني ومعالجة أوضاع المخيمات
إننا ندعو الحكومة اللبنانية الجديدة إلى دعم القضية الفلسطينية بكل مكوناتها، وخصوصاً حق العودة ورفض مشاريع التوطين والتهجير والوطن البديل، ورفع الغبن القائم عن المخيمات التي ترزح تحت وطأة مجموعة من الأزمات الإقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهذا يتطلب:
1- الاعتراف باللجان الشعبية والأمنية المرتبطة بها في كافة المخيمات.
2- دفع مستوى التنسيق بين اللجان الشعبية والبلديات المحيطة بالمخيمات.
3- إدخال مواد البناء إلى المخيمات.
4- إنهاء حالة الحصار العسكري حول كافة المخيمات في لبنان.
5- الإسراع في محاكمة الموقوفين الفلسطينيين وإغلاق ملف مذكرات التوقيف.
6- البحث عن الحلول المناسبة لمشكلة التزايد السكاني في المخيمات التي باتت تضيق بساكنيها.
7- تسهيل معاملات الفلسطينيين في مديرية شؤون اللاجئين ومعالجة مشكلة فاقدي الأوراق الثبوتية لإغلاق هذا الملف المأساوي نهائياً.
الحريات السياسية والنقابية والإعلامية
نتطلع إلى إيلاء الاهتمام بنضال شعبنا في لبنان في الميادين السياسية والإعلامية والنقابية والجماهيرية والسماح بتأسيس الجمعيات والمؤسسات النقابية والأهلية من أجل تحشيد الطاقات الفلسطينية لخدمة جماهيرنا على طريق إنجاز حقوقنا الوطنية، وفي المقدمة منها حق العودة إلى أرضنا وممتلكاتنا التي أخرجنا منها عام 1984.
مخيم نهر البارد
ينتظر الشعب الفلسطيني منكم استكمال إعمار مخيم نهر البارد وعودة سكانه إليه في أقرب وقت ممكن من خلال توفير الأرضية اللازمة لذلك لإنهاء مأساة أربعين ألف لاجئ يتجرعون مرارة التهجير والبطالة منذ أكثر من أربع سنوات.
ختاماً: فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يتطلعون إلى علاقة فلسطينية لبنانية وطيدة قائمة على الاحترام المتبادل للحقوق والواجبات.وانطلاقاً من هنا، فإننا نجدد الدعوة للحكومة اللبنانية للتعاطي العادل والموضوعي مع حقوقهم الإنسانية والاجتماعية، ويحدوهم الأمل بمعالجة كل الملفات العالقة التي تتعلق بشؤونهم؛ فالاستقرار الاجتماعي للفلسطينيين يؤدي حتماً إلى الاستقرار الأمني، مع التأكيد أن أمن المخيمات الفلسطينية واستقرارها من أمن لبنان واستقراره.
تجاوز حكيم لأزمة خطيرة
قبل تسليم مذكرة المطالب الفلسطينية بعشرة أيام، علم الفلسطينيون في لبنان أن الحكومة اللبنانية ستناقش في اجتماعها المقرر في 2 آب/ أغسطس نقطة تتعلق بمخالفات البناء في المخيمات، وسيقرَّر منع البناء في المخيمات، وإغلاق المداخل كافة، والإبقاء على ثلاثة مداخل لكل مخيم، وفرض قيود شديدة على مشاريع البنية التحتية التي تنفذها الأونروا.
وبذلت حركة حماس جهداً سياسياً وإعلامياً كبيراً لسحب هذه النقطة من جدول الأعمال، وحذت حذوها لاحقاً قوى فلسطينية أخرى.
وتبين أن هذه النقطة متحركة منذ سنتين، وأن معظم الوزراء لم يطلعوا عليها، ورأت حماس في تحركاتها أن هذا القرار، إذا ما اتخذ، سيسيء إلى العلاقات الفلسطينية اللبنانية، وسيكون هدية سيئة جداً للفلسطينيين في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، وسيحرك اضطرابات اجتماعية في المخيمات، في ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات.
وبعد سلسلة من الاتصالات والتحركات ولقاءات مع المعنيين داخل القصر الحكومي، ومع القوى السياسية المشاركة في مجلس الوزراء، سُحبت هذه النقطة من جدول الأعمال.
وعُدَّت هذه الخطوة تصرفاً حكيماً من الحكومة، وتجاوزاً لأزمة حادة كانت ستنشأ، وستطيح كل الأعمال والمواقف التي اتخذت في السنوات السابقة لبناء علاقة لبنانية فلسطينية مميزة.
المستقبل
في هذا الجو الفلسطيني اللبناني المشترك، يشدد الفلسطينيون على المطالب الآتية:
- إطلاق حوار لبناني فلسطيني شامل يتناول كل القضايا وتقوم به لجنة وزارية لبنانية.
- تحسين الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
- المحافظة على الأمن والاستقرار المشترك.
- التمسك بحق العودة ورفض التوطين.
المصدر: مجلة العودة العدد الـ48